بعد أن تراكمت أكوام القمامة والنفايات على مدى سنوات عديدة، أصبح واقع آلاف الهنود أليما بسبب التلوث الذى أصبح يحاصرهم من جميع الجهات، نظرا لانتشار أكوام القمامة لتصيب كل من يجاورها بالأمراض شديدة الخطورة كالسل وحمى الضنك ، وهو ما جعلهم وكأنهم جالسون على قنبلة زمنية من النفايات. وتكمن المفارقة فى أن نيودلهى العاصمة الهندية التى تعد واحدة من أكثر مدن العالم تميزا باتت صاحبة أكبر نسبة عالمية فى التلوث ،بعد أن امتلأت بأكوام القمامة والتى لم تفرق بين ضواحيها سواء الفقيرة أو الغنية، فتواجدت بجانب المكاتب الحكومية ومسارات السكك الحديدة و الحدائق العامة وخلف مراكز التسوق الراقية ، مخلفة بذلك مليارات من أطنان النفايات، لتحاصر أطراف العاصمة بالهواء الملوث، ويعود ذلك فى رأى الكثيرين إلى أن الحكومة لا تقوم بدورها فى نشر صناديق القمامة بصورة كافية، مما يدفع السكان للتخلص من القمامة فى أى مكان، وقد تسببت هذه الأوضاع فى قيام إحدى المحاكم الهندية بتوجيه تحذير للمسئولين الحكوميين عن الصحة فى البلاد مع إمكانية اتهامهم بالقتل، إذا استمرت وفاة المواطنين بسبب الأمراض المنتشرة، ومن أخطرها على الإطلاق حمى الضنك التى تنتشر عن طريق البعوض. وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية قد قامت بإعداد تقرير عن هذه الأزمة، تساءل فيه العديد من المواطنين الذين طفح بهم الكيل عن سبب استمرار زيادة مكبات النفايات بالرغم من وعود الحكومة بإغلاقها، معتبرين أنفسهم مواطنين من الدرجة الرابعة، وحول ذلك يقول أحد المواطنين البالغ من العمر 66 سنة وهو صاحب شركة صغيرة: «لا أحد يستمع لنا، فنحن نموت مثل الحشرات» مضيفا أنه قدم عدة شكاوى مكتوبة إلى الشرطة المحلية والحكومة، وإحدى الهيئات القضائية، ولجنة لمراقبة التلوث، وكلها ذهبت جميعا أدراج الرياح. وكما يقول مواطن آخر، «كلما ارتفع مخزون النفايات تتدهور صحة من يجاورها». مضيفا نحن أناس غير متعلمين. نحن لا نفهم القانون، ولكننا نعرف أن ما يحدث غير قانوني. فماذا نفعل؟ وتعود أزمة القمامة فى الأساس بالهند إلى أن تجارة النفايات تعد من أكثر المشروعات رواجا وذلك بسبب صناعة إعادة التدوير غير الرسمية، والتى يقوم بها ملايين المواطنين المنتمين إلى الطبقة الفقيرة منعدمة الدخل الثابت، وهو ما يجعلهم يعتمدون بالدرجة الأولى على توفير مصدر الدخل الخاص بهم من جمع النفايات البلاستيكية وبيعها ليتم إعادة تدويرها مرة أخرى ،ليتم إنتاج حوالى 15٫000 طن من النفايات يوميا، ومن ثم فإن مهاجمة القائمين على هذه الصناعة سوف يؤدى إلى انتشار أعمال العنف فى البلاد، وهو الأمر الذى يضعف قوة الإرادة السياسية لإيجاد حل غير مؤلم للقضاء على هذه الأزمة. وكان مدير مركز العلوم والبيئة فى الهند قد صرح بأن الحكومة تعهدت بالقضاء على النفايات البلاستكية التى لا يتم استخدامها إلا مرة واحدة بحلول عام 2022، حيث إن أغلب قمامة الهند مكونة من النفايات البلاستيكية والتى تعد سببا رئيسيا لهذه المشكلة ،غير انه يمكن القول أن الحكومة تتعامل بخطوات بطيئة فى اتخاذ إجراءات لحماية البيئة، ولا سيما أن الأحزاب السياسية المختلفة تخشى المخاطرة بفقدان الكثير من أصوات الناخبين الذين تتعارض مصالحهم مع القضاء على مشكلة القمامة، حال اتخاذهم قرارات صعبة قد لا تحظى بإرضائهم . فالحكومة تواجه صعوبة كبيرة فى العثور على أراضى لتنشئ فيها مكبات جديدة، إلى جانب ذلك فإنه يوجد ارتفاع كبير فى تكلفة إغلاق مكبات النفايات وتحويلها إلى مكبات صحية وهو الأمر الذى سيكلف الحكومة حوالى 75 مليون دولار. غير أنه مؤخرا جاءت بادرة أمل لتصبح مثلا يمكن أن يحتذى به لحل هذه الأزمة ، حيث نجح أحد المكبات التى تديرها الحكومة إلى جانب شركة خاصة، فى خفض أكوام القمامة عن طريق تحويلها إلى نشارة وهو الأمر الذى يمكن تعميمه على كافة المقالب. كما اتخذ الحزب الحاكم، بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودى خطوات للقيام بتنظيف البلاد بمساعدة «بعثة الهند النظيفة»، إلى جانب إرساء قواعد لإدارة أزمة النفايات والتى تم إقرارها فى عام 2016 وبموجبها يتم فرض غرامات على من يخالفها، فالهند مازالت قادرة على السيطرة على نفاياتها المتضخمة تماما كما فعلت دول أخرى مثل كوريا الجنوبية والولايات المتحدة .