نذهب كمصريين إلى بلاد أخرى فى زيارات قصيرة أو طويلة أو للعمل والإقامة، فلا نملك إلا أن نحترم القانون.. والعادات فى تلك المجتمعات.. لا نجرؤ على «كسر» أى مخالفة إشارات المرور، ولا نجرؤ على القيام به بما فى ذلك شد السيفون بعد ساعة معينة ليلا وإلقاء عقب السيجارة فى الشارع وهلم جرا. ثم إننا هناك أيضا نبرع فى أداء العمل، ونتحمل ما لو تحملناه هنا على أرضنا لصار الحال غير الحال.. فالفلاح الذى يترك أرضه السمراء العفية المروية ريا مباشرا «بالراحة» ويذهب ليعمل فى مزرعة فى عمق الصحراء ولا يقتصر عمله على الزراعة والقلاعة بل يمتد لمهام أخرى منها الحراسة والنظافة وتلبية أوامر صاحب العمل دون نقاش، وهو نفسه الفلاح الذى يقبل العمل فى مصانع للبلاط أو حفر الآبار الجوفية يدويًا فى عز الحر وشدة الرطوبة، هذا الفلاح لو بذل هنا فى أرضنا القديمة أو الأخرى المستصلحة الجديدة رُبع الجهد لصار مستورا فى سبيله لليسر! وقس على ذلك بقية المهن الأعلى شأنا حتى تصل للمهندس والصحفى والطبيب وأستاذ الجامعة.. حيث الجميع يحرصون على الالتزام والتفوق وعدم إثارة المشكلات أو التعلل بعدم التناسب بين الجهد وبين الأجر.. وربما كانت الثغرة السلبية الوحيدة التى قد تصاحب المصريين فى الخارج هى نقص خبرتهم فيما يمكن تسميته «قواعد الوجود فى المهجر» وأقصد بها العلاقات البينية بين الأفراد والأسر فى الجالية المصرية وبين الجالية المصرية وبين بقية الجاليات وأيضًا مع السلطات، حيث شاع دوما أن أقوى «الزُنب» التى تلحق بالمصرى فى العمل أو الوجود بالخارج تأتى من بنى جلدته أو أشقائه فى الجنسية.. أى المصريين، وأن المصريين لا يجيدون خدمة بعضهم البعض ولا مساندة بعضهم البعض، حتى جرت الأحداث عقب ثورة يناير لتزداد الظاهرة وضوحًا عندما امتد الخلاف والشقاق لمستوى لا يميز بين مصر الوطن والدولة وبين النظام والحكومة والاتجاهات السياسية! إن حجم السلبيات التى تمسك بتلابيبنا كمصريين داخل وطننا وتتصل بسلوكنا اليومى وعلاقتنا بما هو خارج باب منزلنا ابتداءً من «بسطة السلم» ومكان صفيحة أو كيس القمامة مرورا بدرج السلم نفسه إلى المدخل وبعدها حدث ولا حرج، عن علاقتنا بالشارع من طريقة صف أى «ركن» السيارات، وتراكم التراب بجوار الرصيف، وإشارات المرور والسير فى الاتجاه الصحيح، وطريقة التعامل مع فرد الشرطة المجند البسيط المصلوب فى عز الحر وعز الزمهرير، وإلقاء أعقاب السجائر والعلب الفارغة من النوافذ، ومعها المناديل الورقية المستخدمة وأكياس السندوتشات وقشور الفاكهة، خاصة الموز والبرتقال، بل وجرأة البعض على البصق من النافذة أو بفتح الباب فى إشارة المرور وبلا أدنى خجل أو حرص على النظافة العامة، فيما الكاسيت عالٍ بالأدعية الدينية وتراتيل الذكر الحكيم.. أو بأصوات لمن يقترفون مهنة الطرب بكلمات وألحان شديدة القبح! ولطالما فكّر العبد لله وتناقش مع غيره فى أهمية السعى الجاد الدءوب وبطريقة رسالية لتغيير مسلكيات الناس فى مصر.. حيث لا يرتبط الانهيار المسلكى بالمستوى الاقتصادى ولا بالدرجة الاجتماعية، إذ لن تعدم راكب سيارة يتعدى ثمنها المليون جنيه والذهب يلعلط فى أصابعه وأساور أكمام قميصه وربما من حول عنقه يقترف أسوأ المسلكيات، ومنها العينات التى سبق ذكرها وتترجم بالقذارة والجليطة والإجرام بمخالفة القانون! لأن السؤال المنطقى جدًا هو: هل يمكن أن تسكب أطنان الأحبار على أطنان الورق لإصدار صحف ومجلات وطباعة كتب ومعها تسكب مليارات الجنيهات على الشاشات للحديث عن الديمقراطية والخطاب الدعوى ومراحل التاريخ من صلاح الدين إلى يوليو وعبد الناصر وهلم جرا فيما لا يتم الالتفات مطلقا لتخطيط علمى وعملى يسعى للنهوض الثقافى المجتمعى الشامل بحيث نجد أنفسنا نتصرف كما لو أن القاهرة هى مدينة عربية خليجية أو أوروبية أو أمريكية لا يمكن أن يخطر على بالنا أن نضبط مقترفين ما يخالف القوانين والأعراف؟! إنها فى نظرى قضية جوهرية أساسية فى حياتنا كشعب، لأن صورتنا التى نصدرها للآخر من غير المصريين سواء من أشقائنا العرب أو أصدقائنا الأجانب أو من ليسوا أشقاءنا ولا أصدقاءنا بل زوار عاديون جاءوا للسياحة أو الاستثمار هى الصورة التى تظهر فيها هذه المسلكيات الفاضحة الكاشفة لتردٍ حضارى وثقافى ما له قرار! ترى متى يمكن أن تصطحب المدرسة فصلها من المرحلة العمرية خمس أو ست سنوات لرحلة لتعلم آداب وقواعد السير فى الشارع وكيفية التعامل مع إشارات المرور وعلامات سير المشاة وعبور الميادين من جهة إلى جهة بطريقة سليمة! وكيف يمكن أن يصبح الطفل المتعلم المستوعب لآداب وقواعد المرور رقيبًا على أبيه سائق سيارة الأجرة أو أبيه الباشا أو البيه صاحب المرسيدس أو غيرها لينبهه على أخطائه ويسأله لماذا يفعل ذلك؟! أسئلة أخرى كثيرة تتجه لمتى وكيف نحترم مساكننا وحوارينا وشوارعنا أى نحترم آدميتنا ونقدس وطننا؟! لمزيد من مقالات أحمد الجمال