قبل عقد القمة العربية فى نهاية هذا الشهر، ينبغى أن نجيب عن السؤال التالي: أين العرب من النظام العالمى الجديد قيد التشكيل وما علاقتهم بالعصر الذى نعيشه وليس المستقبل الذى يرنو البشر إليه؟، هناك تطورات مهمة فى عالم اليوم تؤثر على سياسات الدول الكبرى التى تخطط للانتقال من نظام الحرب الباردة إلى نظام جديد يعكس تلك التطورات؛ فمن ناحية، انتقلت المجتمعات المتقدمة إلى مرحلة ما بعد الاستهلاك الجماهيرى بعد مرورها بمراحل البدائية والإقطاع والثورة الصناعية وما صاحبها من تكنولوجيا ثم المجتمع الاستهلاكي، مؤدى ذلك أنه ينبغى بناء نظام اقتصادى يخلق الطلب لاستيعاب المنتجات المتراكمة وفتح أسواق جديدة فى مناطق لا تزال فى مراحل نمو متدنية، ويترتب على ذلك تطور مهم، وهو نمو الاتجاهات الأيديولوجية اليمينية التى تمثلت فى انتخاب ترامب -مثلاً- والانتخابات النمساوية والفرنسية آخر الشهر المقبل، وروسيا وربما اليابان. وهذه الاتجاهات تعيد النظام الدولى من فكرة التكتلات إلى فكرة الدولة القومية ذات السيادة، وقد يقود ذلك من ناحية إلى سياسة العزلة كما فى حالة الولاياتالمتحدة فيما عدا حتمية وجودها فى الشرق الأوسط لثلاثة أسباب؛ أمن إسرائيل، النفط والأسواق العربية والوجود الروسى المتزايد، وإلى سياسات التطرف القومى التى تقود إلى تفجر الصراعات الدولية، والتطور الثالث هو الانتقال وبسرعة إلى التقدم التكنولوجى بكل أبعاده خصوصًا تكنولوجيا الاتصالات، والتى سحبت السلطة من الدولة القومية إلى شركات التكنولوچيا العصرية وأدت إلى اختراقها الأمن القومي، وهو ما أدى إلى الحديث حول الشراكة بين الفرد والدولة وشركات التكنولوجيا لتحقيق الأمن القومي، وأخيرًا لجوء الدول المتقدمة إلى الآليات السياسية لحل وإدارة الصراعات المختلفة الداخلية منها والدولية دون اللجوء إلى القوة العسكرية فيما بينها ونقل ذلك إلى وكلاء فى مختلف الأقاليم. وعلى العكس من ذلك؛ فإن النظام العربى العهيد -والماضى فى القدم والجمود خارج إطار التكنولوجيا المعاصرة- لا يعيش فقط عالة على التكنولوجيا الغربية، ولكنه يخشاها ويسعى إلى تلجيمها بل وتجريمها خاصةً ما يتعلق منها بالاتصالات، وهو نظام لا يزال يتصارع من أجل توفير أبسط الحاجات الأساسية، ولم يرتقِ بعد إلى الاهتمام بجودة الحياة لمواطنيه باعتبارها رغدًا يمكن النكوص عنه، وهو مجتمع تتصارع فيه عادات وتقاليد وأعراف سقيمة وتحركه -أحيانًا- معتقدات مشوهة أقرب إلى التعاويذ والشعوذة، والأخطر من ذلك أنه لا يعرف إلا القوة المسلحة والقتل والتدمير فى إدارة الصراعات، والتى تتركز على التباينات العرقية والمذهبية والدينية، وهى ذات الصراعات التى نجحت الدول المتقدمة فى احتوائها وحلها، لقد أدت تلك الحروب إلى فشل أكثر من 30% من الدول العربية (ليبيا- اليمن- العراق- سوريا- السودان- الصومال)، وفى ظل الفشل فى توظيف الحرب التقليدية وعدم قدرتها على إنهاء أى صراع، تباينت مواقف الدول العربية إلى حد اصطفاف بعضها مع أعدائها دون النظر إلى المقومات المشتركة التى كانت تجمع العرب آليًا ضد الاختراق الأجنبى بما فى ذلك دول الجوار غير العربية. فى عهد ليس ببعيد، كانت القمة العربية مصدرًا لقرارات تصنع السياسات العربية إزاء الأعداء، انظر إلى القمة الأولى والثانية فى يناير وسبتمبر 1964 بالقاهرة والإسكندرية على التوالى بشأن إنشاء قوات الدفاع العربية المشتركة، وقمة الخرطوم 1967 باللاءات الثلاث؛ لا اعتراف ولا تفاوض ولا سلام مع إسرائيل إلا بعد تحرير الأراضى العربية التى احتلتها، وقمة الرباط 1974، والتى اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعى ووحيد للشعب الفلسطيني، وقمة القاهرة 1991، والتى حشدت القوات العربية من أجل تحرير الكويت من الاحتلال العراقي، عكس قمة نواكشوط فى العام الماضي، والتى عكست الشقاق العربي، وليس الوفاق القومي. يحدث ذلك فى العالم العربى العهيد بينما يتجه العالم إلى الانتقال إلى عالم جديد، بدأ بمجموعة البريكس (البرازيل- روسيا- الهند- الصين- جنوب إفريقيا)، والتى أنشأت بنك التنمية الدولى الجديد برأسمال 100 مليار دولار ليحل محل البنك الدولي، وهيئة التنمية الدولية برأسمال مماثل لتحل محل صندوق النقد الدولي، وعدد كبير من المؤسسات الثقافية والتجارية والمالية والفنية التى يمكن أن تحل محل الوكالات الدولية المتخصصة، وتستهدف المجموعة إنشاء نظام دولى غير أوروبى لا يحمل فى طياته التراث الغربي، وهو ما ظهر أيضًا بوضوح فى مؤتمر ميونخ للأمن القومي، والذى عقد فى الشهر الماضي، والذى ضم، إلى جانب أعضاء الناتو، دولاً عديدة، منها؛ أربعة من أعضاء البريكس (الصينوروسياوالهندوالبرازيل)، ويتضح مما دار فى المؤتمر أن هناك رغبة جارفة فى التخلص من مفهوم السلام الأمريكى Pax Americana، والذى سيطر على العلاقات الدولية منذ عام 1945، خصوصًا وأن إدارة ترامب لا تهتم بالتجمعات الإقليمية ولا الأحلاف التقليدية، ومنها حلف الناتو ولا بحرية التجارة، فى الوقت نفسه الذى تسعى فيه الصينوروسيا وبقية دول البريكس إلى الاتجاه نحو تكامل دولى يقوم على البراجماتية الجديدة التى تجمع بين المصالح القومية والمصالح الدولية فى إطار شراكة عادلة، ومزيد من حرية التجارة والسعى نحو التفوق الاقتصادى والبناء العسكرى الأحدث. ولا شك أن هذه الفجوة بين التوجه نحونظام عالمى جديد وبين انغماس العرب فى حروب تدمير وتطهير عرقى ودينى ومذهبى تلقى بظلالها على القمة العربية فى نهاية هذا الشهر؛ فكيف ينظر العرب مجتمعين إلى الإرهاب الدولى والإقليمى والمحلي، وهل يمكنهم الاتفاق على إحياء معاهدة الدفاع المشترك وتشكيل قوات عربية لتفعيل الحرب الجماعية ضد الإرهاب، أم أنهم سيقعون فى فخ ترامب ونيتانياهو بإنشاء قوات عربية جديدة فقط لمواجهة إيران، وماذا عن مواجهة كل من تركيا وإثيوبيا وهما من دول الجوار غير العربية التى تهدد سيادة وبقاء دول عربية، وهل يتفق الزعماء على حل لأزمة اليمن والأزمة السورية والأزمة الليبية، وكيف يتم التعامل مع الأوضاع المتغيرة فى السودان والصومال؟ وبعيدًا عن هذه الاعتبارات الاستراتيجية الكبري، هل تتناول القمة العربية حرية حركة الأفراد والتجارة البينية وعلاج أزمات الشباب العربى فى التعليم والعمل والتطلع إلى المستقبل؟، يصبو العرب إلى قمة عربية جامعة وفاعلة تعلى من المصالحة والوفاق القومى مع احترام الثوابت الوطنية. لمزيد من مقالات د. عبد المنعم المشاط