في الوقت الذي يتابع فيه الإعلام الأجنبي تطورات الأحداث في دول دمرت وتحولت شعوبها إلى لاجئين، ركز هذا الإعلام جهده على إظهار مصر كدولة منهارة مليئة بالسلبيات والاضطرابات، مع تجاهل الخطوات الجادة التي قطعتها في سبيل الحفاظ على الاستقرار ومحاربة الإرهاب والإصلاح الاقتصادي ومواجهة المشكلات الداخلية بشفافية كاملة. فقد واصلت وكالة أسوشيتدبرس للأنباء القيام بدورها كبوق لمنظمة «هيومان رايتس ووتش»، وبثت باستفاضة تقريرها الصادر يوم 12 يناير بعنوان «المنظمات الحقوقية تنتقد سجل مصر لعام 2016» حول ما أعلنته المنظمة عن أن مصر تحظر الانتقادات العلنية للحكومة، ولا ندري من هو العبقري الذي قدم لها هذه المعلومة الكاذبة. وأضافت الوكالة في تقريرها، أن مصر أيضا مسئولة عن اختفاء وتعذيب مئات من الأفراد على أيدي قوات الأمن، وهي تهمة قديمة ثبت كذبها، ولكن يبدو أن هيومان رايتس ووتش تقول ما يملى عليها فقط دون وعي! وفي هذا الصدد، لم يفت الوكالة نفسها أن تدافع عن «رجالها»، فتنشر يوم 10 يناير تقريرا بعنوان «محكمة مصرية تؤيد تجميد أرصدة ثلاثة نشطاء»، وكأن هؤلاء النشطاء هم مصر، أو كأنه لا يجوز الاقتراب منهم لا بالقانون ولا بغيره! وغني عن القول هنا أن أسوشييتدبرس وقعت في خطأ فادح وتجاوز فاضح عندما وصفت الإرهابيين في شمال سيناء بلفظ «المتشددين»، وذلك في تغطيتها لخبر الهجوم الإرهابي على كمين في سيناء بشاحنة قمامة مسروقة، وكأن تفجير الأكمنة ومهاجمة القوات هو من أنشطة «التشدد»، ولا يستحق أن يطلق عليه اسم «إرهاب»! أما وكالة «رويترز» فقد ذكرت في تقرير لها بتاريخ 12 يناير أن المصريين يلجأون للعلاج بالأعشاب بدلا من الأدوية المستوردة، بعد ارتفاع أسعار الدولار، ونحمد الله أن رويترز لم تتمادى في تهويلها وأوهامها لتتحدث عن أن المصريين يلجأون إلى العلاج بالسحر لعدم وجود أدوية مستوردة! كما بثت «رويترز» رأس حربة الحرب الإعلامية الغربية الشرسة على مصر تقريرا يوم 11 يناير بعنوان «مصر تعلن منع 12 ألف فرد من الهجرة غير المشروعة في 2016»، وهو خبر صحيح، ومعلومة دقيقة، ولكن ورد في سياق الخبر جملة غريبة تقول: إن «الزوارق بدأت في الرحيل من مصر على نحو آخذ في التزايد». كما بثت الوكالة نفسها خبرا بتاريخ 10 يناير بعنوان «ارتفاع تكاليف المعيشة في مصر بسبب انخفاض قيمة العملة» حول ارتفاع معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية. وقبل ذلك بيوم واحد، بثت رويترز - المجتهدة للغاية في تغطية سلبيات الحياة في مصر - تقريرا بعنوان جامع مانع يقول إن : «المصريين لا يرضون عن وعود السيسي بشأن الانتعاش الاقتصادي»، قالت فيه بالحرف الواحد: إنه من الصعب أن تجد شخصيات في شوارع القاهرة يتفقون مع الرئيس في هذا الرأي، وكأن الوكالة استطلعت آراء التسعين مليون مصري في هذا الموضوع، وقدمت نتيجة استطلاعها هذا بكل هذه الثقة والاطمئنان، دون أن تحاول الإجابة عن سؤال أكثر أهمية هو: «لماذا لم يستجب مصري واحد للدعوة لمظاهرات 11-11، إذا كان ما تقوله الوكالة صحيحا»؟! وكان من السهل على الوكالة ألا تقدم في تقريرها إلا ما تريده من عينات المصريين البسطاء الذين يعانون الأوضاع الاقتصادية الصعبة، ووقع اختيارها على سيدة اشتكت من حالتها الاقتصادية بالتظاهر عبر التسلق فوق لافتة إعلانات في نوفمبر الماضي قرب ميدان التحرير! وعلى النهج نفسه، سارت هيئة الإذاعة البريطانية «بي.بي.سي.» عندما استضافت في أحد برامجها بعض المتحدثين عن ردود فعل تسريبات البرادعي، حيث زعم أحدهم أن بث التسريبات يعكس رعب الأجهزة الأمنية المصرية من المذكور، دون أن تفكر الفضائية البريطانية فى التحقق مما يقوله هذا المتحدث من معلومات تكاد تقترب من الأحلام! كما وقعت البي بي سي في نفس خطأ أسوشيتدبرس، عندما وصفت منفذي هجوم شمال سيناء نفسه الذي سبق الحديث عنه بأنهم من «المتشددين»، وكأن الوسيلتين الإعلاميتين تعملان وفقا لمرجعية واحدة فيما يتعلق بمصر! وطالما أن الاستراتيجية واحدة، والمصدر الذي يستقون منه معلوماتهم وأخبارهم عن مصر واحد، فلا يجب أن نتوقع من الإعلام الأجنبي كتابة تقرير واحد حيادي أو نزيه أو موضوعي عن الشأن المصرى لا الآن، ولا خلال الأشهر المقبلة، مهما كانت أسماء هذه المؤسسات الإعلامية رنانة، ويطلق عليها بعض السذج «إعلاما راقيا»!