بعد سلسلة من التأجيلات شرع الصوماليون فى انتخاب برلمان ورئيس جديدين فى محاولة قد تنجح أو لا تنجح فى إقامة نظام حكم شرعى مقبول من كل عشائر المجتمع المائة وخمس وثلاثين قادر على مواجهة خطر التقسيم المحدق ببلدهم منذ ربع قرن وتخليصه من براثن حركة الشباب المدعومة من تنظيم القاعدة الإرهابى وإعادة بناء الجيش وأجهزة الأمن وإعمار البلاد التى خربتها الحرب وأزهقت أرواح نحو ربع مليون وشردت مئات الآلاف وجوَّعت 50% من سكانها،ناهيك عن تدهور حالة الصحة والتعليم والأمن. فى بلد يفاخر أبناؤه بأنه الأول بإفريقيا فى التاريخ المعاصر الذى يشهد انتقالاً سلمياً للسلطة عام 1967 عندما فاز عبد الرشيد شرماركى بالرئاسة فى انتخابات ديمقراطية شارك فيها 64 حزباً،فشلت كل الجهود الدولية والإقليمية منذ الإطاحة بنظام سياد برى عام 1991 فى جمع شمل أبنائه وإنهاء الحرب الأهلية وإقامة نظام حكم ديمقراطى مستقر بسبب الخلاف بين شيوخ العشائر على كيفية تقاسم السلطة والصراع بين السياسيين وأمراء الحرب على الحكم ومناطق النفوذ والتدخلات من بعض دول الجوار لدعم حلفائها والإطاحة بمن ترى أنه خطر على أمنها ومصالحها مثلما فعلت إثيوبيا عام 1996 عندما دفعت بقواتها المسلحة إلى مقديشو لإسقاط نظام حكم المحاكم الإسلامية المعتدل بقيادة شيخ شريف شيخ أحمد رغم أنه الوحيد الذى تمكن من وقف الصراع المسلح بين الميليشيات ووحَّد البلاد وحقق استقراراً نادراً لستة أشهر عاد الصراع المسلح بعدها وحتى الآن بين حركة الشباب والحكومة التى لولا قوات الإتحاد الإفريقى لما تمكنت من البقاء. منذ الإطاحة بنظام حكم المحاكم الإسلامية ظل نظام الحكم انتقالياً حتى عام 2012 حينما تم انتخاب برلمان ورئيس بأيدى 135 من شيوخ العشائر على أن تُجرى انتخابات 2016 بالاقتراع المباشر من الشعب،لكن عدم استقرار الوضع الأمنى واستمرار هجمات الشباب الدموية حتى فى قلب العاصمة مقديشو وتهديدها بقتل شيوخ العشائر وكل مَن يرشح نفسه للانتخابات وبمهاجمة مراكز الاقتراع حال دون ذلك فاتفق الرئيس حسن شيخ محمود وقادة الحكومة والبرلمان والأقاليم وممثلون عن الأممالمتحدة والإتحاد الإفريقى على تأجيل الاقتراع المباشر إلى انتخابات 2020 وزيادة عدد المندوبين المكلفين بانتخاب أعضاء مجلس النواب (275) إلى 14025 مندوباً تختارهم عشائرهم وفق نظام متفق عليه خلال الفترة من 23 أكتوبر إلى 10 نوفمبر بينما تختار سلطات الولايات مجلس الأعيان (54 عضواً) ثم يتولى أعضاء المجلسين يوم 30 نوفمبر انتخاب رئيس الجمهورية الذى يعين بدوره رئيس الحكومة. ورغم الاتفاق على هذا النظام الانتخابى المؤقت الذى ينص على ألاَّ تقل نسبة تمثيل المرأة عن 30% فى مجلسى البرلمان إلاَّ أن حكام ولاية قوية مثل بونتلاند (بلاد بنط) المتمتعة بحكم ذاتى رفضوه وطالبوا بأن يتم التمثيل على أساس المناطق ولم تُبد جارتها صوماليلاند (أرض الصومال)،التى أعلنت عام 1991 استقلالها ولم يعترف بها أحد،اهتماماً به لأنها تجرى انتخاباتها الخاصة بها طوال السنوات الماضية حيث يخصص لهما النظام الانتخابى ستة مقاعد.وهناك خلاف آخر لا يقل أهمية حيث طالب سياسيون ومثقفون منتمون إلى العاصمة مقديشو والمناطق المحيطة بها بتخصيص حصة لها فى مجلس الأعيان (الشيوخ) لعدم النص عليه فى النظام الانتخابى وردَّ عليهم قادة الأقاليم الأخرى بأن تخصيص مقاعد للعاصمة سيرجح كفة عشيرة على حساب العشائر الأخرى فى وقت يتعين أن تكون للجميع،فعشيرة الهَوية القوية تهيمن على المدينة. الأممالمتحدة التى تحملت أعباء إعادة الاستقرار للصومال منذ عام 1993 أعربت عن خيبة أملها لتأجيل الانتخابات أكثر من مرة مُعربةً عن امتعاضها لاستمرار الخلافات وعجز الحكومة عن إعادة بناء مؤسسات الجيش والأمن وعن القضاء على حركة الشباب المتطرفة،عادت لتعرب مع الإتحاد الإفريقى والولاياتالمتحدة عن قلقهم البالغ إزاء إدراج أسماء أشخاص لهم تاريخ فى الإجرام والعنف والإرهاب ضمن قوائم المرشحين للبرلمان الجديد محذرين من أنه سيقوض شرعيته.والمشكلة أنه إذا لم ترض عن تركيبة البرلمان الجديد فقد تخفض دعمها المادى والعسكرى والسياسى للصومال مما يطيل أمد تمرد حركة الشباب وعدم الاستقرار،وإذا تدخلت لمنع ترشحهم فستغضب عشائرهم التى قد تنسحب من الانتخابات وتحمل السلاح للدفاع عن حقوقها فيزداد الوضع سوءاً.وفى الحالتين ستطول معاناة الشعب الصومالى الجريح أكثر ببقاء مئات الآلاف مشردين بالداخل ولاجئين بالخارج ونحو خمسة ملايين جائع فى بلد يملك مياهاً وفيرة و20 مليون فدان صالحة للزراعة لا يتمكن من استغلال سوى 1% منها ولا ينتج سوى 20% من غذائه لانعدام الأمن وانتشار العصابات المسلحة التى تفرض إتاوات عليهم ولتهالك معدات الزراعة وحالة الطرق. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى;