هذا الرجل يستحق أن يشد إليه الرحال، إنه العالم الجليل الدكتور مصطفى الرفاعى، فقد دفعتنى رسالة من قارئ الأهرام صابر محمد عبد الواحد من سوهاج عن مكتشف الشوقيات المجهولة، إلى السفر فورا إلى مدينة الثغر للجلوس بين يدى هذا المكتشفت، فاكتشفت أن الشوقيات والأدب مجرد فرع من فروع المعارف التى أضافها للحياة المصرية هذا العالم الموسوعى الراهب فى مجالات الطب والأدب والتأريخ والسياسة. وأعاد إلى ذاكرتى تاريخ مدرسة الفكر السكندرية تلك المدينة الكوزموبوليتانية الضاربة بجذورها فى أعماق التاريخ التى شارك في كتابة العلم فيها أصحاب الديانات واللغات المختلفة. وأعاد إلى ذاكرتى الشيخ الطبيب ابن سينا الذى جمع بين دراسة الفلسفة الإسلامية والقانون فى الطب، فمضيفى عميد الجراحين وأمير الأطباء وعاشق شوقى والمتيم بالمتنبى، وررغم سنى عمره التى جاوزت التسعين لايزال يتمتع بذاكرة شعرية من حديد، لم يمنعه عشقه للشعر وغرامه بشوقى وعشرون كتابا مرجعيا عن الأدب والتراجم والسيرة الذاتية والحوارات مع الناس ومع الطيور من الوصول الى أعلى مراتب الطب فله خمسين كتابا وبحثا علميا ومقالا فى الدوريات العالمية وجراحات فى المسلك البولية مسجلة باسمه فى نورث كارولينا وألمانياالشرقية، درس التشريح وعلم وظائف الاعضاء وغاص فى كواليس الجسم البشرى وأمسك ببعض أسراره ، يتحدث عن الفرق بين الروح والجسد كما يفهم الفرق بين العلم والاخلاق والسيف والقلم والمتنبى وشوقى.. والحرية والاستبداد... وخلال الحوار فى منزله بحى رشدى فى الإسكندرية، نسى مضيفى حالته الصحية، والجراحة الدقيقة التى أجريت له فى الأذن قبل يومين، وأفاض فى الحديث على مدي ساعتين بكرم ابن النيل الذى ورث عشق النهر الخالد عن واده مفتش الرى ..وإلى تفاصيل الحوار فى البدء كان النهر الخالد.. كنت طفلا صغيرا فى روضة أطفال المنصورة حين اكتشفت عشقى للنيل بالوراثة عن والدى الذى كان يعمل مفتشا للرى، فحفظت كل الشعر الذى يمجد هذا الكيان الذى كان مصدر فخر والدى وشريان حياة الأسرة وفى المدرسة حفظت قصيدة لشوقى ماذلت أتذكر أبياتها وأترحم على معانيها الجميلة تقول: النيل العزب هو الكوثر والجنة شاطئها الأخضر ريَّان الصفحة والمنظر ما أبهى الخلد وما أندر جار ويُرى ليس بجار لأناة فيه ووقار ينصب كَتَلٍ منهار ويدب فتحسبه يزأر حبشى اللون كجيرته من منبعه وبحيرته صبغ الشطين بسمرته لونا كالمسك وكالعنبر ويضيف مضيفى: كنت أرى مشهد النيل فى المنصورة وأطابق صوره الخيالية التى رسمها شوقى، فأزداد حبا للنيل ولشوقى، وفى بدء تكوينى كان شوقى بالنسبة لى هو شاعر النيل كانت الأهرام تنشر قصائد شوقى أولا بأول، وكنت أشترى الأهرام خصيصا حتى لا تفوتنى منه قصيدة .. تلك كانت بداية عشقى لشوقى، ولما كبرت اشتريت ديوانه الأول والثانى حتى اكتملت عندى دواوينه الأربعة، ثم بعد فترة ظهرت الشوقيات المجهولة على يد الدكتور السربونى، وكان أستاذا للتاريخ الحديث بآداب جامعة فؤاد الأول القاهرة فقد كان شوقى غزير الإنتاج فى الندوات والصحف والمحاضرات وبفضل السربونى ظهرت هذه الشوقيات من جزئين ، قرأت بعض الآراء ترى أن نفى شوقى فى بداية الحرب العالمية الأولى بعد عزل الخديو عباس حلمى أجج النار الوطنية بداخله وجعله يعود بعد نهاية الحرب مبشرا بثورة 1919 وشاعر الثورة وليس شاعر القصر الحالم المهادن كيف ترد على ذلك؟ قال الدكتور مصطفى : فى عام 1904 تملق رئيس الوزراء رياض باشا اللورد كرومر فى خطاب له وقال كلاما فيه «كفر» بنعمة مصر عليه، فأثار ذلك ثائرة شوقى الذى اتهمه البعض بشاعر الحرير والقصر والمهادنة فقال فيه: خطبتَ فكنت خطْبا لا خطيبا أضيف إلى مصائبها العظام لهجت بالاحتلال وما أتاه وجرحك منه لو أحسست دام فشوقى لم يهادن أبدا بل هاجم الاحتلال ورئيس الحكومة واللورد كرومرالذى كان الحاكم الفعلى لحكومة الاحتلال ووصفه بالاستبداد ولم يتركه حتى فى وداعه قال فيه: أوسعتنا يوم الوداع إهانة أدب لعمرك لا يصيب مثيلا ومن قبل ذلك قال بعد جريمة دنشواى : يا دنشواى على رباك سلام ذهبت بأنس ربوعك الأيام عشرون بيتا أقفرت وانتابها بعد البشاشة وحشة وظلام نيرون لو أدركت عهد كرومر لعرفت كيف تنفذ الأحكام حتى «فتحى ذغلول» شقيق سعد وكان أحد قضاة المحكمة التى حكمت على الفلاحين فى دنشواى وعندما رقى إلى منصب «وكيل» الحقانية، فأهداه شوقى هذه الأبيات: إذا ما جمعتم وهممتموا بتقديم شيئ للوكيل ثمين خذوا حبل مشنوق بغير جريرة وسروال مجلود وقيد سجين ولا تقرءوا شعرى عليه فحسبه من شعر حكم خطه بيمين وهكذا ترى أن شوقى لم يهادن الانجليز ابدا، حتى عندما عزل عباس حلمى وتولى عمه حسين كامل وسارع حافظ ابراهيم بتهنئته تأخر شوقى كثيرا، قبل أن يقول قصيدة فكان التأخير موقفا ضد سلطان الحماية والاحتلال الانجليزى ثم قال : دفعت بنا الحوادث وانقضت إلا نتائج بعدها وزيولا وانفض ملعبه وشاهده على أن الرواية لم تتم فصولا وكأن شوقى كان يتنبأ بأن الاحداث لها ما بعدها، وهو ماحدث باضراب طلاب كلية الحقوق ثم اندلاع ثورة الشعب 1919 وهكذا عشت مع شوقى صباى وشبابى ورجولتى وفى شوارع القاهرة وقصورها وفى تركيا وباريس والمنفى بالأندلس كما مدح شوقى فلسفة فيكتور هوجو وماذا عن حكايته مع الوطنية وعباس حلمى؟ يقول الدكتور الرفاعى خلال فترة عباس حلمى كان قريبا جدا من الحركة الوطنية لدرجة أن أوصاه: صاحب النيل فى البرية إيه حرر النيل للبرية وردا وارفع الصوت إن عصرك حر لن يرى فى سماع صوتك بدا انما الملك ان تكون بلاد وتصيب البلاد بالملك مجدا قل لراج أن يسترق يراعى أنا لا أشترى بذا التاج قيدا فهو يعرف كيف يخاطب الامير يسدى النصح لممدوحه تحت ستار المدح، ولا يتردد فى تقريعه عن تقاعده عن اعلاء شأن الملك الذى تستمد عظمته من من معايشة عصر الحرية لا عصر السيف. كان يهاجم دولة الخلافة لأنه كان يرى تركيا إلى ضياع وكان يرى أنه لا يوجد بديل عن العلم، وكان يرى أن الخرافات التى نشروها لا معنى لها ولابد أن يستجيبوا لحوادث العصر ويتخلوا عن الاستبداد والغرور الذى ركبهم وكان يجسده ما يردده اردوغان الآن: «نحن اتراك فرسان شجعان ومجاهدون أقوياء» حتى أصابهم الغرور فبادر شوقى فى توجيه النصح وتحذيرهم بأدبه الجم، كما تنبأ بأن هذا الطريق سيؤدى حتما الى زوال ملكهم فقال: هذا الزمان تناديكم حوادثه يا دولة السيف كونى دولة القلم وأصبح ركن الآخذين به من لم يقم ركنه العرفان لم يقم ليت تركيا الآن ومصر والدول العربية قد أخذت بنصائحه، ومازلت أدعو الله أن ينتبهوا وان يلحقوا بركب العلم. بعد هذا العشق للأمير وشعره ماذا بقى للطب فى حياتك؟ لوتأملت مسيرتى فى حب الشعر لوجدتها ترتبط بحياتى وارتقائى فى دراستى الطبية ومكانتى المهنية. كيف ؟ فى الطب لى أبحاث كثيرة فى جراحة المسلك البولية واشتغلت أستاذا زائرا فى جامعة نورث كارولينا لمدة ثلاث شهور، ولى مقالات علمية، وأبحاث منشورة فى الدوائر والمجلات الطبية، وعملت عمليات جراحية فى مجرى البول الخلفى، وهى عمليات صعبة جدا فى منطقة معقدة، وتتجلى فيها عظمة الخالق، لدرجة أنهم فى مؤتمر طبى وقف أحد العلماء واسمه فلويد، وقال للباحثين فى المؤتمر: أنا أنصح من يحتاج أن يتعلم جراحات مجرى البول أن يذهب الى الإسكندرية، وهو بالطبع كان يقصد عودة المجد العلمى القديم إلى مدرسة الإسكندرية، من خلال جامعتها التى أعمل فيها، وأجرى جراحاتى، وقد كنت ألقى محاضرة بهذه الجامعة الأمريكية كل شهر يحضرها كل أعضاء هيئة التدريس، وفى أحد الزيارات الطبية مررت على الأقسام ووجدتهم فى المستشفى الأمريكى يستأصلون ورما كبيرا فى البروستاتا من خلال المثانة، فاعترضت ونصحتهم أن يزيلوه بجراحة خلف عظمة العانة، لتجنب النزيف، فأمر رئيس القسم أن نجرب ذلك، وفى صباح اليوم التالى استدعانى لإجرائها فأجريتها بلا نقطة دم، وعاوننى اثنان من النواب الأمريكان، وفى المساء جاءنى الدكتور يسرى خميس مهللا وكان مبعوثا من كلية طب الاسكندرية إن العملية التى أجريتها كانت حديث الأوساط الطبية وهذا لم يحدث من قبل فلم يصرحوا لأحد قبل ذلك أن يجرى جراحة هنا، ونحن نفخر بما قمت به، وتكرر ذلك أيضا فى ألمانياالغربيةوالشرقية. وماذا عن عشقك لصحة أبناء المحروسة؟ فى مصر شاركت على مدى 70 سنة فى تأسيس مراكز للتعليم الطبى فى أسوان والأقصر وكفر الشيخ، وأسست عددا كبيرا من أقسام الطب فى المنصورة والزقازيق. عملت مجهودات فى تحسين دراسة الطب لم تفعلها حكومات الماضى وهى مجهودات تستحق جائزة الدولة التقديرية. عملت كل ذلك حبا فى المهنة وهذا الوطن وإرضاء لضميرى العلمى ورسالة الطبيب الإنسانية ودائما كنت على يقين بأنه: ما مات من أحيا أصالة أمة وأعزها بكرامة الإنسان وعندما شرفنى الزملاء بانتخابى رئيسا لجمعية جراحى المسالك البولية فى مصر أنشأت بالجهود الذاتية مراكز لتدريب الأطباء الشباب على عمليات المناظير الصوتية فى بعض المستشفيات بالمحافظات فتطوع للعمل معى بعض الزملاء بالمحافظات ، فنجحت الفكرة بشكل مشرف، وكنت حتى وقت قصير أعمل وأتردد على هذه المراكز ، من أقصى مصر إلى أقصاها، ولم أشعر بتعب أو إرهاق وكانت حكمتى: ربما منحنى الله هذه القدرة لإخلاصى فى العمل، وما حدث فى جمعية المسالك تكرر فى كلية طب طنطا، وكنت أصنع نماذج من الورق المقوى للتغلب على نقص الإمكانيات للمساعدة فى شرح التطور الجنينى، حتى كانت الدفعة الأولى التى تدربت بالامكانيات الفقيرة من أحسن الدفعات فى تاريخ الجامعات المصرية قلت للدكتور الرفاعى: فى الأدب كتبت عشر كتب ، وفى الطب نشرت أبحاثا كثيرة وعالمية فى نورث كارولينا وفى ألمانيا، قدمت سبعين سنة من عمرك حافلة بالعطاء من مركز التعليم فى أسوان والأقصر وبورسعيد وكفر الشيخ عملت كل هذا الكلام فى التعليم الطبى فى وقت مبكر وهو ما لم تستطع وزارة الصحة عمله، هل أنت معى أنه عندما يزيد العطاء يكون التقدير الرسمى غير مناسب؟ تقصد جائزة الدولة التقديرية.. لم أضع فى اعتبارى جائزة الدولة ربما لو وضعتها فى اعتبارى كنت عملت بشكل فيه استعراض اعلامى يسر الناظرين، كنت دائما أعمل بفخر دون أن أشعر مرة بمرارة أو ندم. ماهى المعايير التى يجب تطبيقها لكى تذهب التقديرية لمن يستحقها؟ أن تتكون لجان الجوائز من علماء عدل لديهم القيم الأخلاقية، فكما أنه هناك شلل وقوائم وتوزيع أنصبة فى توزيع جوائز الثقافة هنا أيضا فى الطب، لذلك تلعب الجوائز غالبا ضد القيم التى يراد زرعها فى المجتمع. فى الطب عملت خمس كتب ونشرت لى الدوائر العلمية أكثر من خمسين مقالة، وحصلت على وسام البحرية المصرية ودرع النقابة وهذا التقدير يكفينى وأفوض أمرى إلى الله فيما كنت استحقه ولم أحصل عليه. هل الشعور بالمرارة يوقف عطاء الإنسان عند حد؟ هناك مرارة تختلف عن الألم النبيل الذى يدفع الإنسان للأفضل وهذا ما كنت اشعر به يدفعنى للأمام. هل لابد أن يمرض الطبيب كى يستقيم حكمه؟ كلا.. الشعور بالألم ضرورى لأنه انذار للجميع، للمريض والطبيب والمجتمع فالألم أنبغ ما فى الحياة. شدتنى الحكمة فسألته : قلت أنه إنذار للجميع ثم قلت أنه أنبغ ما فى الحياة. إشرح من فضلك يا دكتور؟ الشرح عند أمير الشعراء يقول فى مسرحية مجنون ليلى على لسان قيس: اذهب فلست صالحا وأى شيطان صلح كنت قرين السوء لى وكنت شر من نصح فيجيبه الأموى: حنانيك قيس أقل العتاب ولا تسكبن دموع الألم تفردت بالألم العبقرى وأنبغ ما فى الحياة الألم قاطعته: كيف وجدت الفرق بين المتنبى وشوقى؟ المتنبى من حيث الانتاج فى حدود خمسة آلاف بيت وشوقى فى حدود ثلاثة وعشرين ألف بيت، وفى رأيى أن الخمسة آلاف بيت لا تنقص من قدر المتنبى ، ولكن الثلاثة والعشرين ألف بيت تزيد من قدر شوقى، فبرغم نبوغ المتنبى الفكرى كان يرى أن السيف هو سيد الكون وانه صاحب المرتبة الاولى فى الحياة وانه الوسيلة الوحيدة لقضاء الحاجات يقول : من اقتضى بسوى الهندى حاجته أجاب كل سؤال عن هل بِلِمَ صحيح أنه عاد وضبط التوازن فى قصيدته التى قال فيها: الرأى قبل شجاعة الشجعان هو أول وهى المحل الثان لكن المتنبى بشخصيته العدوانية لا يهيم الا بالسيف ولو برز الزمان لدى شخصا لخضب شعر مفرقه حسامى وظل القلم آخر شيئ فى بيته المشهور: الخيل والليل والبيداء تعرفنى والسيف والرمح والقرطاس والقلم ليس هذا فقط بل قال: حتى رجعت واقلامى قوائل لى المجد للسيف لا المجد للقلم اكتب بنا ابدا بعد الكتاب به فانما نحن للأسياف كالخدم وهو ما اعترض عليه ابن الرومى قبل شوقى وقال: كذا قضى الله فى الاقلام مذ بٌريت ان السيوف لها مذ أرهقت خدم اما شوقى فقد فاق الجميع حين خاطب رسول الله : فتحت بالسيف بعد الفتح بالقلم فالقلم يرمز للعقيدة الاسلامية والسيف كان للدفاع عنها وهو يرى ان الحرية والعدل اساس نهضة الامم فالدول تتقدم بوسائل النهضة الاقتصادية والعلمية والثقافية والعمل وتنبا شوقى بزوال ملك الأتراك قبل الحرب وقال: هذا جناه عليكمو اباؤكم صبرا وصفحا فالجناة كرام رفعوا على السيف البناء فلم يدم ما للبناء على السيوف دوام ولكن هل أدى قرب شوقى من الخديوى عباس حلمى إلى جعله شاعر القصر لا شاعر الحرية ؟ اسمع ردى فى قصيدة تهنئة سنة 1896 للخديو عباس يقول: قل لراج أن يسترق يراعى أنا لا أشترى بذا التاج قيدا نومة السيف قد تكون حياة ورأيت اليراع إن مات أردى فهو ينصح الخديو ألا يشترى بقاء التاج والملك بالقيود على الحرية ، وأن نومة السيف رمز البطش قد تكون حياة للإبداع، وكما أن شوقى كتب فى الاسلاميات وحتى فى القصائد السياسية كنت تجدها مشبعة بالروح الاسلامية لذلك يتفوق فى القيم الاخلاقية التى خلى منها شعر المتنبى الذى قال : اى مكان ارتقى واى عزيز اتقى وكل ماخلق الله ومالم يخلق محتقر فى همتى كشعرة فى مفرقى أما شوقى فقد كان يغلف احيانا مدحه للحاكم بالنصائح ، ففى قصيدته للملك فؤاد : ان سرك الملك تبنيه على اسس فاستنهض البانيين العلم والادبا وفى حين يرى المتنبى أن الحل فى السيف وضرب اعناق الملوك يرى شوقى ان صاحب القلم اعلى قدرا من صاحب السلطان وان فى رقدة القلم موت للامة اما زوال السيف فربما يكون فى صالح الحياة والحرية. كان شوقى ضد استبداد القصر يقول للملك فؤاد : فجواهر التيجان إن لم تتخذ من معدن الدستور غير صحاح ليس هذا فقط ولكن أيضا يحرض الشعوب على الثورة والاتحاد فيضيف فى نفس القصيدة: صوت الشعوب من الزئير مجمع فاذا تفرق كان بعض نباح أما ما قيل عن دولة الخلافة هل تغير موقف شوقى منها من النقيض إلى النقيض؟ يقول مضيفى : كان يحذرها وينتقدها ثم يهاجمها وكان يراها إلى ضياع، وكان يرى أن المدرسين والتعليم هو سر تخلف الدولة العثمانية، وكان قريبا من الحركة الوطنية قبل النفى وعنما عاد بعد الحرب الأولى كان مندمجا فيها أكثر. وسألت عاشق شوقى محبا : يقول شوقى فى زوال السلطنة العثمانية غنيتها لحنا فى البكا يارُب باكٍ فى ظواهر شاد فزادنى الدكتور مصطفى بيتا وقال: ودفنتها ودفنت خير قصائدى معها وطال بقبرها انشادى وشرح: من أجل هذه الحقيقة أصدرت أخيرا الشوقيات الصحيحة لأنى على قناعة بأن شعر شوقى يرتقى إلى درجة التأريخ لمصر ولا يصح ولا يجب أن تصدر الدولة فى مرحلة من المراحل أعمال شوقى بعد حذف بعض إبداعاته حتى لو تم ذلك بحسن نية للحفاظ على مكانة شوقى فى الحركة الوطنية ظنا منهم أن طبع مدائح شوقى فى الملك فؤاد أو عباس حلمى تقلل من رصيده الوطنى. بل أمتد العبث إلى وقصيدة أخرى عن الأزهر الشريف مطلعها : قم في فم الدنيا وحي الأزهرا وانثر على سمع الزمان الجوهرا لأنه وصف الشيوخ الأزهر بأنهم: كانوا أجل من الملوك جلالة وأعز سلطانا وأفخم مظهرا فالظلم الذى تعرض له شوقى تعرض له الأهرام حين وصف عرابى بالعاصى، لأن هذا تاريخ لابد أن يكتب لأن عرابى كان في رأيى عاص لمبادئ الثورة وليس للسلطان العثمانى وديكتاتورا، وكان معه البارودى وزملاؤه على فهمى وعبد العال حلمى عندما اجتمعوا وقرروا قفل قناة السويس وكان عرابى الوحيد الذى قرر أن يصدق ديليسبس ثم فوجئوا بأن الانجليز فوق رؤسهم فى القصاصين والتل الكبير وكانت مذبحة ، تمكن البارودى من الفرار وتنظيم بعض قواته لعمل مقاومة شعبية لكن عرابى بمفرده حمل سلاحه وركب القطار من التل الكبير وذهب الى القاهرة بمفرده كما يقول عبد الرحمن الرافعى ودخل على الجنرال قائد الجيش الانجليزى لكى يسلم سلاحه الى الجنرال «درورى» فرفض أن يستلم منه السلاح وأرسل له جندى حقير لكى يستلم منه السلاح وهذه إهانة كبيرة لقائد الجيش المصرى، عودة إلى شوقى وأمير الشعراء كان أحيانا يغلف مديحه ببعض النصائح والتوجيهات يقول فى مدح الملك فؤاد فبراير 1924 وان فى راحتى مصر وصاحبها عهدا وعقدا بحق كان مغتصبا نلتم جليلا ولا تعطون خردلة الا الذى دفع الدستور او جلبا واقبلت عقبات لا يذللها فى موقف الفصل الا الشعب منتخبا ثم يوجه نواب الشعب: دار النيابة قد صُفّت ارائكها لا تٌجلسوا فوقها الاحجارَ والخشبا هل كان حبه للدولة العثمانية يجعله يغفل عن اثبات جرائمها فى حق العلم والحرية أى حكم ديكتاتورى مصيره إلى زوال، أين هتلر وأين موسيلينى وأين كرومر نفسه؟، ولشوقى فى مواجهة غرور الدولة العثمانية صولات وجولات، فتخليد شوقى ليس بحذف أبيات من أبياته ولكن بالعمل على قيمه ومبادئه. الأدب العلمى كيف استفاد الطب من عشقك للأدب؟ كتبت نوع من الحوار بين الأعضاء داخل الجسم الانسانى، بدأت بحكاية: فقد ذهب مريض لكى ينقل كبد وهذه العملية تحتاج إلى واحد يموت وكبده بحالة جيدة ثم يستأذن أهله لأخذ الكبد، سافر المريض إلى مكان يبحث عن كبد وكان رئيس قسم الطوارئ يدين له بالفضل. اتصل هذا الطبيب بالمريض وطلبه أن يحضر فورا، دخل جريا وجد ميتا فى حادث عمره 29 سنة وأهله ليس لديهم مانع من العملية لسبب كان فى منتهى النبل وهو أنهم يتمنون أن يبقى جزء منه على ظهر الدنيا ، ورغم أن هناك تفسيرات لعملية نقل الأعضاء إلا أن هذا المبرر الانسانى مقبول،وهو ان المريض المعالج يكتسب صفات جديدة من الأصل المتبرع ،لأن الأنسجة دائما ترد الجسم الغريب ويكادوا ينطقون مش عاوزينه، فى وجه العضو الجديد مما يضطر الأطباء لإعطاء علاج يكبس حالة الرفض هذه أو يعطلها، فأنا تخيلت أن كل الأعضاء يتكلمون مع جارهم المزروع الجديد الذى هو الكبد، فكتبت كتابا كاملا عن (حياة كبد) وهو كتاب نادر عبارة عن حوار بين الأعضاء الأساسيين والعضو الجديد الذي تم زرعه وهو نوع من الحوار العلمي المتأدب. وفى النهاية نظرة الطبيب مصطفى الرفاعى الى الحياة ترجع إلي طبيعته الشاعرية وخبرة العمر. كيف تري هذه الرحلة بين الطب والأدب وانت تطل عليها فى الثانية والتسعين بعد سبعين عاما من العطاء؟ وكما بدأ بعشق النيل ختم إجاباته بقول شوقى: دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان فاعمل لنفسك بعد موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثان