حزب «مستقبل وطن» يواصل عقد اللقاءات الجماهيرية لدعم مرشحى مجلس النواب    جامعة قناة السويس تنظم زيارة ميدانية لطلاب مدرسة طلعت حرب الثانوية التجارية    أسعار الفاكهة اليوم الخميس 30 أكتوبر 2025 فى أسواق الأقصر    قبل افتتاح المتحف المصري الكبير.. محافظ الجيزة يتابع أعمال التجميل والإنارة بالطريق    عاجل - جهّز ساعتك اليوم.. خطوات تغيير الساعة مع بدء التوقيت الشتوي    الحكومة تقرر نزع ملكية أرض منطقة المدابغ النموذجية بمحافظة القاهرة    خفض الرسوم وإزالة قيود المعادن.. ماذا حدث في قمة ال100 دقيقة بين ترامب وشي؟    أطباء السودان: الدعم السريع يصفي 38 مواطنا بشمال كردفان بتهمة الانتماء للجيش    انطلاق أول أيام عمومية الأهلي لاختيار مجلس إدارة جديد    المشدد 10 سنوات لسارقي شاب بالإكراه بالقاهرة    تعليم القليوبية يفتح تحقيق بسبب مشادة كلامية بين معلم ومعلمة داخل مدرسة ببنها    التحقيق مع 8 عناصر جنائية حاولوا غسل 250 مليون جنيه حصيلة تجارة مخدرات    «الداخلية»: ضبط 5 أطنان دقيق «مدعم وحر» في حملات تموينية بالمحافظات    محافظ الغربية يستقبل مفتي الجمهورية لبحث سبل التعاون المشترك    التشكيل المتوقع للزمالك في لقاء البنك الأهلي    شوبير: جمهور الزمالك ومنتخب الشباب ظلموا محمد السيد    توروب يوافق على رحيل أشرف داري في يناير المقبل    "الصحفيين" تكرم أعضاءها من حملة الماجستير والدكتوراه    سعر كرتونه البيض الأبيض والأحمر اليوم الخميس 30اكتوبر فى بورصة الدواجن في المنيا    وزير الخارجية يتلقي اتصالين هاتفيين من كبير مستشاري الرئيس الأمريكي ووكيل السكرتير العام للأمم المتحدة حول تطورات الأوضاع في السودان    غارات إسرائيلية عنيفة على منطقتي الجرمق والمحمودية جنوب لبنان    بالأسماء.. إصابة 3 أشخاص في انقلاب سيارة ملاكي بأسوان    الرقابة المالية تلزم شركات التأمين بضوابط لسرعة حسم شكاوى العملاء    بالملابس الفرعونية وكلمات الفخر.. نجوم الفن يحتفلون ب«المتحف المصري الكبير»    نعاه نجوم الفن.. من هو المصور ماجد هلال؟    سنوات الحرب على «القطط السمان»!    طريقة عمل الفراخ المحشية بالأرز والخلطة فى خطوات بسيطة    الصحة تكشف الخطة الطبية لتأمين احتفالية افتتاح المتحف المصري الكبير    السيسى يوافق على اتفاق تمويل دراسة جدوى امتداد الخط الأول لمترو القاهرة    الصحة النفسية والجسدية: علاقة لا يمكن فصلها    قواعد صارمة للدعاية الانتخابية.. مساواة كاملة بين المرشحين ومنع الشعارات الدينية خارج الإطار القانوني    محمود أبو الدهب يفتح النار على خط دفاع الأهلي: الأسوأ في تاريخ النادي    أسعار الحديد اليوم الخميس 30-10-2025 في أسواق محافظة قنا    مفتي الجمهورية: المتحف الكبير يجسد عراقة وريادة الحضارة المصرية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 30-10-2025 في محافظة قنا    3 من أسرة واحدة.. تشييع ضحايا حادث سقوط سيارة بترعة في القليوبية    ماس كهرباء وراء اندلاع حريق بمحل مفروشات في النزهة    ارتفاع ضحايا إعصار ميليسا إلى 50 قتيلًا.. الكاريبى يغرق فى الدمار والعزلة.. فيديو    السجن المشدد وغرامة 10 ملايين جنيه عقوبة بيع الآثار خارج مصر    إلزام صاحب العمل بإنشاء حضانة أو تحمل تكاليفها.. أهم مكتسبات المرأة العاملة بالقانون الجديد    طوربيد نووى يهدد السواحل العالمية.. ماذا تعرف عن السلاح الروسى بوسيدون    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 30-10-2025 في الشرقية    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 30اكتوبر 2025فى محافظة المنيا...تعرف عليها بدقه.    صبري فواز يدعو لاستخدام مصطلح «المصريين القدماء» بدلًا من «الفراعنة»    متحدث رئاسة الوزراء: أكثر من 40 رئيسًا يحضرون افتتاح المتحف المصري الكبير    طريقة استخراج جواز سفر مصري 2025.. التفاصيل كاملة    إعلام فلسطيني: تجدد غارات إسرائيل على خان يونس جنوبي غزة    بالشراكة مع عدة جامعات.. صيدلة المنيا ضمن مشروع بحثى ممول من الاتحاد الأوروبي    «الهيئة العامة للرقابة الصحية» تختتم برنامج تأهيل المنيا للانضمام للتأمين الصحي الشامل    بايرن ميونخ يسحق كولن برباعية ويتأهل بثقة إلى ثمن نهائي كأس ألمانيا    نبيل فهمي: سعيد بخطة وقف إطلاق النار في غزة.. وغير متفائل بتنفيذها    موناكو يقلب الطاولة على نانت في مهرجان أهداف في الدوري الفرنسي    فاهمة الحياة كويس.. أهم 3 أبراج حكيمة وعاقلة ترى ما بعد الحدث    التحفظ على جثة المصور كيرلس صلاح بمستشفى القنطرة شرق العام ب الإسماعيلية    وكيل صحة شمال سيناء يتفقد عيادات التأمين الصحي بالعريش    إنتر ميلان يستفيق من كبوة نابولي بفوز كبير على فيورنتينا    هل يجوز للزوجة التصدق من مال البيت دون علم زوجها؟.. أمين الفتوى يجيب    انطلاق الاختبارات التمهيدية للمرشحين من الخارج في المسابقة العالمية للقرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماكينة إنتاج الرطان!
نشر في الأهرام اليومي يوم 20 - 07 - 2015

لم تتوقف ماكينة إنتاج الرطان العام منذ اللحظة المجيدة التى صنعها المصريون فى الخامس والعشرين من يناير 2011، هذه اللحظة التى كان لا بد أن يتلوها عمل حقيقي، من تكريس لمدنية الدولة، وحراك حقيقى للأحزاب فى الشارع المصري، وتقديم خطابات جديدة من النخبة المصرية تعبيرا عن خيال جديد ووعى ممكن ومسئول معا باللحظة الثورية، غير أن واقع الحال وما آل إليه أفضى إلى مزيد من عزلة النخبة عن جماهيرها من زاوية، وتراجع مفهوم مدنية الدولة فى ظل سطوة التيار الدينى من جهة ثانية. إذن غاب كل شيء حقيقي، وحضر كل ما يتعلق بالرطان الفارغ، بدءا من توهم البعض بامتلاك فكرة الثورة ذاتها، والقبض عليها، واحتكارها، ووصولا إلى أن تصبح الثورة ذاتها صكا يمنحه البعض للبعض الآخر، أو يمنعه عنه، تبعا لعشرات الأشياء التى تعبر فى جوهرها وتحليلها النافذ عن ذهنية غضة أحادية التصور صوب الحياة والعالم.
وبدت ما كينة الرطان العام تحمل صراخا يوميا، المزايدة فيه باتت العملة الرائجة، وعرفنا تيمة المناضلين بأثر رجعي، والزاعقين صباح مساء بأن مفتاح الثورة معهم، فكل منهم يعتبر نفسه راعى الثورة ومؤرخها ومانح صكوكها ونبيها المزعوم!.
لقد مثلت هذه الحالة العصابية عنوانا على فهم رجعى للعالم، ينطلق من يقين دامغ، ويتجه صوب تدشين قناعات ماضوية تليق بفصائل التيار الدينى ومتثاقفيه المتمترسين خارج التاريخ، غير أن هذه الحالة العصابية/ الماضوية/ المرتبكة التى تضع قدما هنا وقدما هناك، سرعان ما تسربت لمتثاقفين آخرين من خارج التيار الدينى لكنهم ليسوا أفضل حالا فى الحقيقة، لا على مستوى الوعى ولا على مستوى السقوط القيمى فى اختبار الفرز المستمر بدءا من الثورة المصرية وحتى اللحظة الراهنة.
وبدت جماعات من الليبرالية الجديدة، مع سواقط التيار الدينى من المتثاقفين الذين قضوا شطرا من عمرهم داخل تنظيماته المتخلفة، مع مزايدين آخرين من دعاة هدم الدولة، وتمجيد الفوضوية، بدا هؤلاء جميعهم معتقدين بقدرتهم على توجيه الرأى العام عبر صكوك الثورة المحتكرة والمخنوقة فى أسوار الصخب الزاعق، وبدا هذا التعامل الأبوي، اليقينى المحتكر للحقيقة وللثورة ولكل معنى نبيل، جزءا من وعى قديم للغاية، بائس وتعيس، يعبر عن هوس بالذات أكثر مما يعبر عن رغبة موضوعية فى الانتصار للمقولات الكبرى التى تراجع الاهتمام بها تحت مظلة الاهتمام بالذاتي، ولم تعد الثورة الآن سوى رطان يلوكه البعض ضد البعض الآخر، فى ظل عدم قدرة من الدولة المصرية على وصل الطريق المشترك ما بين الدولة والثورة.
فقط ليتوقف الرطان قليلا، لنسع ولو لمرة واحدة لعمل جاد وحقيقي، ينبيء عن تصور جديد حيال عالم معقد ومتشابك، صارت فيه المعرفة قوة، غير أننا رضينا بسبات عميق، وبجدل عقيم لم ولن يجدى نفعا.
إن من يملك القدرة على إنتاج أفكار جديدة هو من يقود العالم الآن، ومن يدرك جدل السياسى والثقافى يضع قدمه على حافة التقدم، ومع ذلك كله تبقى حاجات الناس بوصلة لا تخطيء، وأمانيهم فى غد أفضل غاية لدولة كبيرة صنع شعبها ثورتين خالدتين فى ثلاث سنوات.
لكن للأسف الشديد تستمر ماكينة إنتاج الرطان بفاعلية مدهشة لن تفضى سوى لمزيد من العبث، هذا العبث الذى لم يزل يتعاطى مع الدولة باعتبارها فى نزهة خلوية، وليست فى معركة حقيقية مع وكلاء لمستعمرى الأرض، من القوى الكبرى من جانب، ووسطاء للسماء من جانب ثان، فالإرهاب يشتد، والقوى الرجعية مدعومة من سماسرة المنطقة وقوى الاستعمار الجديد تلقى بثقلها فى المعركة، وتوهم جماهيرها البعيدة عن العقل بأنها تحارب حربا مقدسة!!، وبينما يخوض جيشنا الباسل معركته الضارية ويقدم فيها بوطنية تليق به شهداء أبرار من أبنائنا، ترى جماعات من هؤلاء المتثاقفين منفصلين عن الواقع، ولا يعنيهم سوى عدد مرات الإعجاب التى ينالونها على مواقع التواصل الاجتماعي، أو أن يرتدوا دوما مسوح الأبطال المزيفين الذين ليس بينهم وبين البطولة بمعناها الدال والعميق أية صلة، ومن ثم تراهم يزايدون على كل شيء، وأى شيء، وفى الآن نفسه لا يتوقفون عن حصد الغنائم وانتظار المكاسب من الكل.
إنها حالة من الشيزوفرينا تصيب بعض الأفاقين الذين يناضلون زيفا بأفواههم، ويمارسون فى الآن نفسه كما من الفساد المهنى والفكرى والثقافى بأفعالهم، تكريسا لحالة من الخداع للذات قبل أن يكون خداعا للعالم. وتتواتر حالات المزايدة ويستمر الزيف مطلقا صراخه اليومي، عابثا بأى شيء، وبأية قيمة، لاعنا كل مبدأ، منحازا لتصوراته العبثية صوب الحياة والوطن والعالم والأشياء.
إن تقدم أية دولة يظل مرهونا بقيمة المساءلة والمراجعة لواقعها، هذه المهمة التى ينهض بها المجموع، وتبدو النخبة فى متن هذا الفعل المهم، لكن ما نراه من البعض ليس مساءلة للواقع، ولكنه مزايدة عليه، والمزايدة لا تنتج شيئا سوى إثارة الهواجس والجدل العقيم، والابتعاد الفعلى عن أية خطوة تهدف إلى المصلحة الوطنية العليا، لذا تبقى الكتابة فى الشأن العام مسئولية وطنية وقيمية قبل أن تكون أى شيء آخر، وللأسف هذا ما نفتقده كثيرا الآن، فتتحول الشائعات إلى حقائق فى عرف المزايدين، وترتقى لديهم الأكاذيب إلى مرتبة الحجج الدامغة، وهذا ما لا يقره منطق ولا عقل ولا ضمير ولا وعى حقيقى براهن الناس ومعاشهم اليومي، وأحلامهم فى وطن دافعوا عنه ليبقى ويتقدم.
لمزيد من مقالات د.يسرى عبد الله


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.