تخرج زوجة الشيخ السلفى المعمم لتعلن أن زوجها «راجل» لا يعيبه شيء بعد واقعة اعتدائه على سيدات فقيرات، وفتيات يتيمات وتصويرهن بالموبايل استغلالا لوطأة الحاجة لديهن، وهن يسرن للهاوية ويتناسين أن «الحرة تجوع ولا تأكل بثدييها»، ويخرج شيخه صاحب المدرسة السلفية ليعلن وعلى الملأ أن هؤلاء ما هن سوى ملك يمين له!، فى إعادة إنتاج لعصر الجواري، عصر يحياة شيوخ زماننا بامتياز، ويخرج شيخ آخر من نفايات عصر المعزول ليدافع عن ملهمه صاحب أوهام النهضة دفاعا يستوجب الرثاء لبائس يعلم أبناءنا فى الجامعة الدينية النى أصبحت مفرخة للتطرف، معيدا صيحته العبثية التى صارت مثلا ساخرا «هاتولوا راجل»!. عالم يختزل فى تذكية الفراغ السرمدي، وتمجيد الميتافيزيقا، أما الوطن وأمانيه صوب عالم يخصه ويخص ناسه الطامحين فى عالم حر ونبيل وتقدمي، فليس أمامه سوى أن يلفظ حفنة الماضويين وتصوراتهم البالية، او يتجه معهم صوب بوابات الجحيم اللانهائي، حيث تغيب قيمة المواطنة، ويغتال القانون، وينتهى معه العدل، وتقتل الحرية، وتأخذ فى طريقها كرامة البشر الذين سيتحولون من جديد لجوار وعبيد فى خدمة الوكيل الحصرى للسماء، راعى الملة والدين، والرأسمالية والرجعية أيضا، ولا تثريب عليه، فجراب الحاوى به الكثير، وحركة رفع المصاحف ليست ببعيد، وأسنة الرماح دائما مشهرة ومرفوعة لعنان السماء تستمطر الدماء قبل اللعنات على المصريين الذين قرروا فى الثلاثين من يونيو أن يتخلصوا من حكم الملالي، بعد أن تخلصوا من حكم الطاغية فى الخامس والعشرين من يناير. لكن هل يترك القواد فريسته تذهب دونما قتال؟ّ!، بالطبع لا، سيمارس مزيدا من المكر ومزيدا من القتل ومزيدا من الخسة، وبعد حركة رفع المصاحف فى مظاهرات 28 نوفمبر الوهمية التى كانت أقرب لحالة شبحية لا حضور فيزيقى لها، وإن لم تخل من الدماء التى أسالتها جماعات الإرهاب الديني، والتى سخرت كافة إمكانياتها لقتل المصريين من مدنيين وعسكريين، وباتت الدماء لغة وحيدة تعرفها جماعات العنف الطائفى التى خرجت رافعة شعارات ماضوية، ووفق تصور أحادى ومغلوط عن فكرة الهوية، التى يحصرها المتطرفون فى الهوية الإسلامية، وهم لا يعلمون ان الهوية مفهوم مركب، وابن لتراكم حضاري، وجذور فكرية وثقافية مختلفة، تجعل مفهوم الوطن الوسيع أكثر رحابة من مفهوم الجماعة الدينية الأحادى والضيق،أما المدهش فى السياق جميعه فيبدو فى حالة اليقين التى تظهر فى الخطابات الشفاهية لرموز التيار الإسلامى وأنصاره من أن المصريين جميعهم سيخرجون دفاعا عن الهوية الإسلامية!!، وكأن المصريين كتلة مصمتة تتحرك بضغطة زر من أحد، وهكذا يُسقط الإسلاميون تجربتهم النفسية والعملية فى تقديس صوت الحاكم الفرد/ المرشد، وتنفيذه على الفور، والتحرك فى قطيع متناغم لا يشذ فيه أحد، لأن الاختلاف ممنوع، والتمرد مروق، والمروق كفر، إلى غير ذلك من التصورات البالية التى لا تليق بجماعة بشرية تفكر وتؤمن بحقها فى الاختيار. ولا ينس الإسلاميون كعادتهم أن يذكروا الناس ويزايدوا عليهم فى آن، بأنهم ملاك الحقيقة المطلقة، والمرابطون المنافحون عن الدين، ومن ثم فمن اختلف معهم فقد اختلف مع السماء، ومن كشف زيفهم، فقد خرج من رحماتها!، نحن إذن أمام حالة من البؤس الفكرى والأخلاقى أيضا تعانيها هذه الجماعات المتأسلمة والتى لم تفعل شيئا منذ ثورتنا الشعبية فى يناير 2011 سوى أن سطت على الثورة وقوضت بنيانها، وكانت الوجه الآخر لنظام مبارك، وبعثت بالثورة إلى غياهب النسيان، عمدا وتواطؤا فى آن. نعم تتجه الأمة المصرية جميعها صوب بوابات الجحيم حين تبيع العقل، لصالح الخرافة، وتعادى التقدم لحساب التخلف، وحين تستمر صيغة التحالف المشبوه بين الفساد والرجعية يصبح كل شيء عبثيا وخارج التاريخ، أما الأدهى فيتمثل فى أن تفقد مصر بوصلتها، وبوصلتها مرهونة بأهداف ثورتها وأمانى شعبها، وحين نبتعد عن بوصلة الغايات والمقولات الكبرى التى طرحناها فى ثورتنا المجيدة فى الخامس والعشرين من يناير « عيش/ حرية/ عدالة اجتماعية/ كرامة إنسانية»، فإننا نتجه ساعتها للعدم والفناء، لأن الدماء التى سالت والشهداء الذين سقطوا كانوا أعز من أى شيء آخر، وما من شك فى أن الجروح لن تهدأ إلا ببنيان جديد، وعدل لا يغيب، ووطن لا يعرف التمييز، وبنية حياتية لا تعرف الخلط بين الدينى والسياسي، ولا تمزج الثابت بالمتحول، فتحيل حياتنا إلى محض لغو كلامى وجدل عقيم لا طائل منه ولا جدوى، سوى أن نكون أسرى لمزيد من الرطان الفارغ لحفنة من المتاجرين بالدين والوطن فى آن. وبعد.. تبدو الأمة المصرية فى لحظة فارقة بحق، تتنازعها قوى متأسلمة تؤسس لعالم رجعى ومتخلف بامتياز، وأخرى تؤسس لخيال قديم ومحافظ، وكلتاهما تنتميان لعالم رأسمالى استهلاكي، وعلى الدولة المصرية الجديدة أن تعلن انحيازاتها الاجتماعية لناسها من البسطاء والمهمشين بلا مواربة ولا تباطؤ، وأن تدرك أن قوتها الحقيقية قى انتمائها للجماهير وتعبيرها عنهم، وأن الطريق المشترك بين الثورة والدولة أضحى المرور فيه حتميا، طالما كان يسير فى صالح الجماهير وتطلعاتها، وأن أمورا عديدة بحاجة لمراجعة، فتنامى نفوذ أنصار الدولة القديمة يدفع بالمصريين للتساؤل حول جدوى التغيير وغاياته، خاصة أن أحلام الشعوب مرهونة بتحققها، وليس بوعود السلطة، كما أنه قد آن الأوان أيضا لحل الأحزاب ذات المرجعيات الدينية لأنها لا تفعل شيئا سوى تقديم المزيد من التبرير لكل الأفكار الرجعية التى تهيمن على الفضاء المصرى الراهن. لمزيد من مقالات د.يسرى عبد الله