على استحياء وعبر نخب تواطأت على شعبها كلما أتيحت لها الفرصة، وأبواق إعلامية من تلك التى تغذى إرهاب الإخوان وتدعمه، وأخرى ذات طبيعة رأسمالية محضة تتلاقى مع تصور الجماعة الفاشية فى طبيعة النظرة إلى العالم، وصبغه بطابع استهلاكى محض، تتردد نغمة المصالحة، ويبدأ صوتها آخذا فى الارتفاع ظنا منها أنها قادرة على أن تكسر إرادة المصريين قبل إرادة الدولة ذاتها. وتستهل صحف يومية معروفة بانحيازها إلى رأس المال، عناوينها بجمل تعيسة تقر بأن المصالحة قادمة، وكأن ثورة المصريين فى الثلاثين من يونيو كانت محض ثورة فى الفراغ، ولم تكن طردا للفاشية الدينية من واقع المصريين وحيواتهم. لقد تأسست شرعية الثلاثين من يونيو على أمل مختلف، يود الخلاص من سطوة الكهنوت، والمتحدثين باسم السماء، وفض العلاقة المشبوهة بين الرجعية وقوى الاستعمار الجديد فى العالم، من هنا برزت فكرة الاستقلال الوطنى بوصفها استعادة لمفهوم الدولة المصرية المتبوعة لا التابعة، القائدة لمحيطها لا المنقادة. ومن ثم تبدو المصالحة، خيارا للفشل ورهانا على إفشال الثورة، يوازيه تماما ويتقاطع معه فى آن عودة الوجوه المباركية العكرة لتصدرالمشهد من جديد. واصطدم الطموح المصرى الخالص قى ثورة يناير المجيدة 2011 بواقع مباركي/ إخوانى تشاركت فى التكريس له نخب مهترئة، وتصورات قديمة، وكانت المحصلة فرارا للماضي، لا قفزا إلى المستقبل، وبدلا من التأسيس للغد رأينا نكوصا مزريا، كانت أشد صوره قبحا ممثلة فى حكم الإخوان المسلمين للأمة المصرية بتراكمها الحضاري، وجذورها الفكرية المتنوعة. قبل الثلاثين من يونيو المجيد، وفى المؤتمر المزعوم لمرسى وإخوانه، والحامل عنوانا جهاديا على طريقة جبهة النصرة ودواعشها: «مؤتمر نصرة سوريا»، انطلق أحد شيوخ التكفير فى وصلة من الهجاء والتعريض بالثائرين على حكم الإخوان، تحولت إلى دعاء صاخب على المعارضين لحكم الملالي، وبدت القسمة الأبدية لكل قوى التخلف والرجعية تعود من جديد، فالناس لديهم إما مؤمنون أو كفار، ملائكة أو شياطين، والشيخ المتطرف يرى ومن خلفه المعزول أنهم وحدهم المؤمنون، وأن كل من عاداهم فهو كافر!، فى مفارقة مؤسية ومؤسفة تجعلنا وباختصار أمام بشر يخاصمون اللحظة، ويعادون التفكير، رافعين سلاح التكفير فى وجه خصومهم، فبدا واضحا أن المصريين لم يكونوا يثورون ضد نظام فاشى فحسب، ولكنهم أيضا كانوا يثورون على صيغة الحكم تحت مظلة التفويض الإلهي، على اعتبار أن المعزول ومن معه يحكمون باسم الله! وبدت الأمانى الكبار للمصريين تتقزم رويدا رويدا، على وقع فشل مخزى للإخوان ومن والاهم فى منح الناس وعدا بالجنة الأرضية يجدونه أمام أعينهم فلا يخطئونه، وظل كل شيء على حاله، فمن مبارك إلى مرسى سار المصريون من خراب إلى خز وخراب، ومن رأسمالية متوحشة إلى أخرى مثلها،. ثم يدخل الإخوان ومن والاهم فى معركة ضارية مع الأمة المصرية، يؤكدون عبرها غياب فكرة «الوطن» عن أدبياتهم، فيقتلون، ويفجرون، ويباركون العنف ليل نهار، من هنا تبدو المصالحة عبثا، وعارا فى آن، فمن قتل المصريين بدم بارد، ومثل بجثث أبنائنا، وقتلهم فى سيناء، وفى كل بقعة مصرية، ويضرب جيشنا وجنودنا تحت مظلة من الكذب اليومى باسم الدين، عبر رايات الجهاد الداعشية والقاعدية، ويروع الآمنين فى القرى والمدن المصرية، ليس منا على الإطلاق، وردعه ومواجهته وإنفاذ القانون حياله آليات أساسية للتعاطى معه، فتخلص مصرإلى مستقبلها بحق، غير محاطة بوصاية دينية كاذبة. وعلى الدولة المصرية أن تسعى بمضاء حقيقى لتفعيل نصوص الدستور المصري، وأعنى هنا تحديدا وجوب حل الأحزاب التى تشكلت على أساس ديني، فلا يستقيم أبدا هذا الحضور المكثف للسلفيين المعادين لكل ما هو تقدمي، وحر، فى المشهد السياسى المصرى بعد ثورتين مجيدتين، ولا يقبل أبدا أن تتحول ترهات شيوخهم وفتاواهم العبثية، كوميدية الطابع من قبيل «الشات حرام»، والتى ثمنها السلفيون كما صرحوا-، بل شدوا على أيدى دار الإفتاء لانتهاجها نهجا يتماس معهم!. أما الأدهى حقا، فيتمثل فى تلك الحجج البائسة التى تساق لعودة السلفيين للمنابر لمواجهة داعش! وهى المفارقة التى تستدعى على الفور قول المتنبي: (وكم ذا بمصر من المضحكات/ و لكنه ضحك كالبكا). وبعد.. تبدو الثورة برافديها المركزيين فى يناير 2011، ويونيو 2013، فعل حياة يتجه صوب المستقبل، وليست أداة للمكوث فى الماضي، إنها انحياز إلى التقدم، وليست إعادة إنتاج للتخلف، وغايتها التأسيس لواقع جديد، وحر، مسكون بالأمل والتقدم، وعلى صانع القرار المصرى أن يدرك ذلك جيدا، فمصر دوما هى الأبقى والأهم. لمزيد من مقالات د.يسرى عبد الله