إن حل تنظيم وحظر نشاط جماعة الإخوان, ومنع تأسيس أحزاب علي أساس ديني, هو عنوان انتصار ثورة30 يونيو, وهو الحل لصراع تاريخي وطني وشامل, مجيد ومرير; يتعلق بمصير الوطن والدولة والأمة. وبفضل الوحدة الوطنية للأمة المصرية, وبوضوح رؤية وصلابة إرادة السلطة الانتقالية; سوف تهزم الجماعة, رغم مقامرتها الدنيئة بالإرهاب والعنف والفوضي لإسقاط الدولة. وأما صلابة إرادة ووحدة الأمة المصرية فانها مشروطة: أولا, بأن تتحرر الحكومة الانتقالية من وهم المصالحة مع تنظيمات تكفيرية وفاشية وإرهابية; وثانيا, بأن يتخلص منكوبو ثورة30 يونيو من وهم الردة الي ما قبلها, والأهم أن يذعنوا لقيم ومؤسسات دولة المواطنة, وثالثا, أن تتعزز الوحدة الوطنية لمسلمي ومسيحيي مصر بردع حاسم لجرائم الإرهاب والكراهية الدينية, ورابعا, أن تتوقف الصراعات الانتهازية بين أحزاب جبهة الإنقاذ الوطني, وتنتهي الانقسامات العقيمة بين مجموعات شباب الثورة. وأكتفي هنا بتناول الشرطين الأولين. وأسجل, أولا, أن الفريق أول عبد الفتاح السيسي, قائد مأثرة انحياز الجيش لإرادة الشعب في ثورة إسقاط حكم جماعة الإخوان, قد برهن علي إمتلاكه رؤية واضحة للتهديد المركزي. فنقرأ في شهادته التاريخية التي نشرها الزميل ياسر رزق بجريدة المصري اليوم: إن انتماء وولاء الإخوان للجماعة وأفكار الخلافة وليس للدولة والوطن بحدوده, وإن البناء الفكري والعقائدي للتيار الديني يدفعه للعنف, وإن حكم جماعة الإخوان هدد وسطية ومستقبل الشعب المصري وأشعره بالغربة في وطنه وأنذر بحرب أهلية وهدد الأمن القومي, وإن الرئيس الإخواني لم يقدم مصلحة البلاد علي مصلحة الجماعة وخضع لأوامر مكتب الإرشاد دون مراعاة مصالح الدولة, وإن اعتصام الجماعة وحلفائها في رابعة والنهضة قد استهدف تفكيك مصر, وإن جماعة الإخوان وحلفاءها يريدون إما أن يحكموا المصريين أو يقتلوهم.. إلخ. وفي سيناء تتجلي صلابة إرادة قواتنا المسلحة, ومعها الشرطة, في تحرير مصر من الإرهاب; حماية للأمة المصرية وتعزيزا لسيادة الدولة وحماية لحدود الوطن. ولكن تبقي بواعث القلق المشروع من تصريحات الحكومة الانتقالية. أقصد, مثلا, التصريح المناقض للواقع للدكتور حازم الببلاوي بأنه: إذا لم يعترف تنظيم الإخوان بأن ما حدث في30 يونيو ثورة حقيقية, ويعترفون بالخطأ, فلا مجال للحديث عن المصالحة, وأنتظر من الإخوان التعهد بنبذ العنف, وأن يكون الفصل بين الدين والسياسية حقيقيا وليس شكليا!! والتصريح المناقض للمنطق للدكتور أحمد البرعي بأن الحكومة علي استعداد لأن تعلن جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية ولديها الدليل علي ذلك, وأنه لا تفاوض مع الجماعة قبل أن تعلن نبذ العنف والقبول بخارطة الطريق!! فمثل هذه التصريحات بقبول مصالحة جماعة الإخوان, غير الشرعية وغير الوطنية وشبه السرية وشبه المسلحة, تكشف حالة فقدان للاتجاه, مبعثها عدم استيعاب المسألة المركزية في الثورة, وهي حل جماعة الإخوان, وتجعل مصير الوطن والدولة والأمة مجالا لمساومة غير مبدئية خاسرة. وأعلن, ثانيا, انطلاقا من دفاعي عن دولة المواطنة التي لا تعرف الإقصاء, أنني أؤيد عملية للمصالحة المجتمعية; تنطلق من تفعيل أحكام القضاء والقانون بحظر نشاط وحل تنظيم جماعة الإخوان وما يماثلها, وحظر تأسيس ونشاط الأحزاب علي أساس الدين. وأؤيد عملية العدالة الانتقالية; تشمل العزل السياسي لمن يدينه القضاء في جرائم تخابر أو إرهاب أو تخريب أو قتل أو تحريض علي هدم الدولة وشق الجيش أو سعي الي تفكيك الأمة والتدخل الأجنبي.. وفي هذا السياق وحده ينبغي احترام حقوق المواطنين من الإخوان والسلفيين; شاملة حقهم في تأسيس أحزاب مدنية, شريطة تخليهم عن نهج العنف والعمل السري وخلط الدين بالسياسة. أقصد أحزابا مدنية علي صورة الأحزاب المسيحية الديمقراطية التي تعلي القيم المسيحية, أحزابا تعلي قيم العدالة والإعمار والحرية والكرامة الإنسانية والشوري وغيرها من قيم إنسانية راقية يعليها الإسلام. وأما من يبقي علي فكر الإخوان وحلفائهم المنحرف, فلا مناص من إقصائه سياسيا, دون هدر بقية حقوقه كمواطن وإنسان. وأؤكد هنا أن المحاسبة واجبة قبل المصالحة, وفي سياق العدالة الانتقالية ينبغي تقديم كل من ارتكب جرائم بحق الأمة والوطن من قيادات الجماعة وأذرعتها الرئاسية والحزبية للمحاكمة, إن أردنا تأسيس دولة المواطنة وسيادة القانون. ولنتذكر أنه قد تم حل وحظر وتجريم الأحزاب التي تحمل فكر ونهج النازية والفاشية والعنصرية, وخضع مرتكبو الجرائم الجسيمة والمحرضون عليها من قادتها وأعضائها وحلفائها للمحاسبة والمحاكمة والسجن والعزل السياسي. لكنه لم يحدث عقاب جماعي لكل أعضاء وأنصار التيارات السياسية والفكرية المعادية للديمقراطية; سواء في ألمانيا النازية أو ايطاليا الفاشية أو جنوب إفريقيا العنصرية. ولم يحدث عقاب جماعي للشيوعيين في دول أوروبا الاشتراكية الشمولية سابقا; حتي من كانوا صنيعة أو أداة موسكو; وتحولوا بأحزابهم الي الإشتراكية الديمقراطية اليسارية; شأن الشيوعيين في روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق. وعلي أعضاء وأنصار الإخوان والسلفيين, الذين لا يدينهم القضاء, أن يلتزموا بقيم دولة المواطنة, دولة كل مواطنيها, التي تعلي راية الأمة المصرية, وتحمي السيادة الوطنية, وتحترم كل حقوق المواطنة والإنسان لكل مواطنيها, دون تمييز أو تهميش. وفي هذا السياق, دون غيره, لهم حق ممارسة نشاطهم السياسي, في إطار أحزاب تلتزم بنص دستوري يحظر الأحزاب الدينية ويجرم خطاب التكفير والكراهية. وليتذكروا أن الرجوع الي الحق فضيلة. وأخيرا, ليتذكر قادة الجماعة وتنظيمها الدولي أن الأمم تكون حيثما تضع نفسها, في موضع الانبطاح أو موقع الانتصار, في صراع الإرادات الدولية; وقد إختارت الأمة المصرية, أن تنتصر إرادتها, وسيكون لها ما أرادته. ومن يعرف تاريخ مصر, مقبرة الغزاة علي مدي تاريخها الألفي العريق, يدرك دون ريب أنها ستكون مقبرة مخطط الفوضي الهدامة, وسوف تذعن أمريكا وحلفاؤها لإرادة الأمة المصرية, مهما تكن ضغوطها لإنقاذ الجماعة; شريكة مؤامرة تفكيك وتركيع مصر. وللحديث بقية. لمزيد من مقالات د. طه عبد العليم