أزعم أن مصر لم تكن بحاجة قدر حاجتها الآن الي إنتخاب رئيس يتمتع بسلطات سيادية وتنفيذية قوية, تمكنه من اتخاذ قرارات مصيرية وإجراء تغييرات جذرية; تمليها المهام الملحة لتصفية الإرهاب, وتوفير الأمن, وتعزيز السيادة الوطنية, وحماية الأمن القومي; وتفرضها ضرورات بناء أساسات نظام جديد, يحقق التطلعات المشروعة للأمة المصرية بعد ثورتها. وفي مواجهة نظام الحكم الرئاسي, تبرز مخاوف مشروعة من إعادة إنتاج النظام السلطوي; الذي أهدر الحكم الجمهوري وجوهر الديمقراطية بركود التمديد ومؤامرة التوريث, أو النظام الاستبدادي, الذي هدد كيان الدولة ووحدة الأمة بتمكين جماعة الإخوان وحكم مكتب إرشادها. وأتصور أن الانطلاق من التفكير في المصلحة الوطنية, مع مراعاة الهواجس المشروعة, يفرض تأسيس نظام رئاسي ديمقراطي, أو نظام حكم شبه رئاسي, ينهي هيمنة السلطة التنفيذية علي السلطتين التشريعية والقضائية; ويحرم الرئيس من سلطته في حل البرلمان, ويحول دون تدخله في شئون القضاء, لكنه يمنح الرئيس حق تشكيل الحكومة وفق معايير الكفاءة والنزاهة والخبرة والوطنية, مقابل منح البرلمان حق حجب الثقة عن الحكومة. ولنتذكر أن الأهم في النظام الديمقراطي, برلمانيا أو رئاسيا, هو وضع وتفعيل دستور وتشريع يحمي أسس الديمقراطية. وفي المفاضلة بين مرشح مدني أم عسكري, أزعم أن رئيسا ذا خلفية عسكرية لا يعني قيام دولة عسكرية; أو ما يسمي جهلا أو ذما بحكم العسكر!! فلم تكن نظم ما بعد ثورة23 يوليو تجسيدا لدولة عسكرية; تولت فيها المؤسسة العسكرية مقاليد الحكم, وإنما نظما سلطوية عبرت عن مصالح قوي اجتماعية متغيرة, وتباينت توجهاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.. إلخ. ولنتذكر ما أعلنه بيان القوات المسلحة بأنها قد إستشعرت أن الشعب لا يدعوها لسلطة أو حكم, وإنما لحماية مطالب ثورته, واستوعبت هذه الدعوة, وفهمت مقصدها, وقدرت ضرورتها. ورغم ثقتي في صدق الوعد, أزعم أن أي رئيس لن يتمكن من إعادة بناء دولة الطغيان بعد ثورتي25 يناير و30 يونيو الشعبيتين. ويبقي الأهم, الذي أكدته خبرة كل النظم, وهو أنه لا ينبغي للشعب أن يثق إلا في نفسه. ورئيس مصر القادم, ينبغي أن يمتلك قدرات دليل القافلة في الصحراء. أقصد أن يري البعيد; أو الغايات الإستراتيجية, بوضوح تام; فيصل ومعه من يقودهم بأقل تكلفة وجهد ووقت الي الواحة البعيدة, التي لا تغيب عن عينيه; حتي لا يهلك ومعه من يقودهم عطشا في تيه الصحراء قبل الوصول. وأقصد أن يري القريب; أو الخطوات التكتيكية, بذات الوضوح; فلا يهلك ومن يقودهم بالعدو وراء السراب, أو يسقط بهم في خور لا قرار له, أو يدخلهم في حقل ألغام خلفته الصراعات. ومن منظور رؤية القريب بوضوح, أي المهام الملحة عقب ثورة30 يونيو, وفي مقدمتها تصفية الإرهاب, وتوفير الأمن, وتعزيز السيادة الوطنية, وحماية الأمن القومي, أزعم أن الفريق أول عبد الفتاح السيسي قد قدم بالفعل أوراق اعتماد ترشحه للرئاسة. ورغم هذا, فان ثمة مهاما مباشرة وملحة غير منجزة, منها تفعيل حظر نشاط وحل تنظيم جماعة الإخوان وما يماثلها, وحظر تأسيس ونشاط الأحزاب علي أساس الدين, بجانب تعزيز السيادة الوطنية. وأظن أن الحديث المهم للفريق أول عبد الفتاح السيسي مع الزميل ياسر رزق يقترب به من هذا الموقف, بتصريحه: أن انتماء وولاء الإخوان للجماعة وأفكار الخلافة والأمة وليس للدولة والوطن بحدوده, وأن الرئيس الإخواني لم يقدم مصلحة البلاد علي مصلحة الجماعة, وخضع لأوامر مكتب الإرشاد دون مراعاة مصالح الدولة. وإن البناء الفكري والعقائدي للتيار الديني يدفعه للعنف, ويمثل عقبة تحول دون قدرة جماعاته علي إدارة أي دولة, وإن حكم جماعة الإخوان قد هدد وسطية ومستقبل الشعب المصري, الذي لم يشعر تحته أن البلد بلده, وأنذر بحرب أهلية; وهدد الأمن القومي; فكانت ثورة30 يونيو. أضف الي هذا, تأكيده حتمية إنفاذ إرادة الشعب بتحقيق أهداف ثورتيه في يناير2011 ويونيو2013, وفي مقدمتها الحرية بجميع أبعادها, سواء حرية الرأي والتعبير والعقيدة أو التحرر من التبعية لأي من القوي الخارجية. وإعلانه, في مواجهة رهان جماعة الإخوان بعد الإطاحة بحكمها هو تفكيك البلد, حرص الدولة المصرية علي استعادة الأمن والاستقرار وحفظ الدماء المصرية, دون تفريط لمصلحة فئة لا تقدر قيمة الوطن وتفرط في دماء أبنائها لتهديده. ودون ريب, فان مأثرة الانتصار لإرادة الأمة المصرية في إنقاذ مصر والمصريين من كارثة حكم جماعة الإخوان وحلفائها, قد سجلت الفريق أول السيسي في قائمة أعظم القادة العسكريين الوطنيين في تاريخ مصر, المديد والعريق. لكنه حتي بعد هذا, يبقي الأهم هو بلوغ أهداف الثورة, بأن يطرح علي الأمة, إن تقدم للترشح, برنامجه لتحقيق مقولته الثاقبة: إن مصر أم الدنيا ستكون قد الدنيا. وسواء كان المرشح مدنيا أو عسكريا, ينبغي أن تكون رؤيته وبرنامجه للمستقبل أساس اختياره, وهو ما لا ينبغي أن يقل عن بناء دولة المواطنة. أقصد أن تكون مصر لكل المصريين, الذين يحملون الجنسية المصرية ويرفعون راية الوطنية المصرية, وأن تصبح مصر دولة ذات سيادة ومتقدمة ومستقلة متحررة من الإنكشاف والتخلف والتبعية, وأن يوضع ويفعل دستور يبني مؤسسات دولة القانون الديمقراطية, ويحمي جميع حقوق المواطنة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية وغيرها; دون تمييز أو تهميش أو إقصاء أو انتقاص. وفي هذا السياق, دون غيره, يتوجب احترام حقوق المواطنة للإخوان والسلفيين, في عملية للمصالحة المجتمعية, تحترم حقهم كمواطنين في تأسيس أحزاب سياسية وجمعيات أهلية; تلتزم بدستور وتشريع دولة المواطنة, وفي إطار تشريع للعدالة الانتقالية; لا يشارك فيها من ارتكب جرائم تخابر أو إرهاب أو تخريب أو دم أو تحريض علي هدم الدولة والجيش وغيرها مما يستوجب العزل السياسي. لمزيد من مقالات د. طه عبد العليم