حين يسير كثير من الناس في اتجاه واحد يصنع الطريق. تذكرت هذا المثل الصيني مع متابعة استجابة المصريين, جماهير ونخبة, لدعوة حركة تمرد السلمية الي انتخابات رئاسية مبكرة; تشق- رغم كل دواعي القلق- طريقا جديدا; واعدا ومعاكسا لاتجاه درب جماعة الاخوان وحلفائها الضال. فقد تبين- لجماهير اكتشفت خديعة المتاجرة بالدين, ونخبة وجدت الدليل في دعوة شباب الأمة للتمرد- أن ثمة مخرجا من نفق مظلم; قاد اليه مشروع تمكين الاخوان; الذي قسم الأمة المصرية, وهدد هوية مصر, وانتهك حقوق المواطنة, وضاعف إخفاقات النظام, وأهدر مكارم الأخلاق, وبدد وعد الثورة. ومع اقتناعي بمشروعية حركة تمرد, أعلن وباستقامة أنني أرفض إقصاء الإخوان, وأدين أي عدوان عليهم. وقد كتبت قبل الثورة, أقول: إنني مع حق أعضاء جماعة الاخوان في تأسيس حزب سياسي بمرجعية اسلامية; بشرط أن يكون مصريا لا فرعا لتنظيم دولي, وعلنيا لا نصف سري, ومدنيا لا شبه عسكري, وبديلا لا ذراعا للجماعة, وباسم لا يوحي بأنه الناطق باسم الاسلام. وأضفت اجتهادين للفقيه طارق البشري بأن المساواة قد صارت كاملة بين المسلم وغيره فيما يتعلق بالولاية العامة, أي تولي المناصب الرئاسية في الدولة أو القيادية في الجيش أو القضاء; وأن نص الدستور علي مبادئ الشريعة لا يشمل أحكامها, التي تخضع لاجتهادات الناس في حل مشكلاتهم, وتفترض قبول الاختلاف والتنوع والتغير بحسب الزمان والمكان.( نقد نقاد دولة المواطنة, الأهرام25 فبراير2007). وللأسف فقد جاء مخالفا لما سبق تأسيس ونشاط حزب الحرية والعدالة والأحزاب الدينية, ووضع دستور مهدر لدولة المواطنة, ومنكر لحقيقة أن الأمة المصرية هي عنوان الهوية والولاء والانتماء. وفي ايجاز أهم معالم الطريق الي30 يونيو, أكتفي بإيجاز الحقائق التالية: أولا, إن جماعة الاخوان- مع حلفائها والموالين لمشروعها, والمتواطئين والمتآمرين لتمكينها- يتحملون مسئولية الانقسام الوطني الراهن, والصدام الأهلي المنذر. فخريطة طريق اعادة بناء النظام بعد ثورة25 يناير, التي أصرت عليها جماعة الاخوان, وتآمرت لفرضها الادارة الأمريكية, ورضخ لها المجلس العسكري, وهي فرض الانتخابات قبل وضع الدستور, كانت رافعة مشروع تمكين الاخوان, وما قاد اليه من انقسام سياسي وانفلات أمني وانهيار اقتصادي وفوضي اجتماعية وتدهور أخلاقي وتشويه للثورة وفقدان للاتجاه وتآكل للمكانة. فقد أهدرت مؤامرة التمكين فرصة بناء دولة المواطنة, باعتبارها ركيزة بناء نظام جديد; يحقق غايات الثورة, ويسجل عنوان انتصارها. أقصد أن تكون مصر للمصريين; دولة ذات سيادة ومناعة, ولكل المصريين دون إقصاء, وأن تحترم جميع حقوق المواطنة والانسان لهم دون تمييز. ولم يكن نهج وفقه الاخوان خافيا, وحذرت منه قبل الثورة, أقول: إن جماعة الاخوان تخلق التباسا لا يجوز بين الانتماء للوطن والولاء لمصالحه العليا والايمان بالدين والالتزام بمقاصد شريعته, وان المواطنة هي مناط حقوق وواجبات المواطنين, وأساس المساواة القانونية وتكافؤ الفرص بينهم جميعا, دون تمييز لأي سبب كان. وهذا المعني لا يخشاه الا من يتطلع لاحياء دولة الفقهاء والخلافة, التي أنكرت وأهدرت حقوق المصريين, مسلمين وغير مسلمين! وتتعارض مع مفهوم المواطنة بمعناه الملازم لرابطة الجنسية في الدولة الحديثة.( علاقه الدين بالدولة في حوار المواطنة, الأهرام11 مارس2007). وثانيا, إن جماعة الاخوان بعد التبرؤ من الثورة قد التحقت بها حين لاحت بشائر نجاحها, وساهمت في إسقاط حكم مبارك. وكان إنجاز مهام ثورة25 يناير يقتضي بناء توافق وطني; بدءا من اقرار دستور جديد, يحمي دون انتقاص حقوق المواطنة. لكنه فور أن لاحت صفقة تمكينها فرضت خريطة طريق مضللة, توالت معها غزوات الصناديق, وتواصلت خديعة وعد الموالين بالجنة وتوعد المعارضين بالنار!! مع إخلافهم وعد مشاركة لا مغالبة في البرلمان, وحنثهم بعهد عدم الترشح للرئاسة!! ثم صدر الاعلان الدستوري الباطل, وحوصرت المحكمة الدستورية العليا, وعين النائب العام بالمخالفة للدستور, وصدر قانون انتخابات معيب, وبدت مؤسسة الرئاسة مجرد ذراع رئاسية لجماعة الاخوان!! وسعت الجماعة الي تطويع أجهزة الدولة من جيش وشرطة ومخابرات وقضاء, وترهيب وسائل الاعلام والجمعيات الأهلية والتنظيمات النقابية وأحزاب المعارضة وأخيرا منابر الثقافة والفن, والتحكم في أسلوب حياة المصريين!! علي طريق بناء دولة طغيان تسير علي خطي ولاية الفقيه الايرانية; وفي عجلة حركتها أوهام تفوق قدرات الجماعة وحلفائها!! وثالثا: إنه رغم نذر30 يونيو, وكما تكشف قرارات تعيين المحافظين الجدد, تبدو جماعة الاخوان مصرة وبعناد علي مشروعها, الذي لا يعد بغير نظام شمولي; ينطلق فقهيا من ميراث انحطاط احلال النقل محل العقل في تاريخ المسلمين, ويستهدف سياسيا اقصاء الآخر وتعميم استبداد السمع والطاعة, ويتنكر وطنيا لمصر والأمة المصرية بترويج وهم إحياء الخلافة, ويتبني اقتصاديا واجتماعيا نظام السوق الحرة الفاشلة والظالمة, ويقوض ثقافيا التسامح الديني وحرية الإبداع وتمكين المرأة وخلق الاسلام!! وقد كان يمكن لحوار وطني, جاد ومثمر, أن يتيح توافقا وطنيا, لو تخلت جماعة الاخوان عن نزعات الاقصاء والاستعلاء والتخوين والتهديد, واستوعبت أن الأمة لن تقبل أن تحكم وأن تدار أمورها بأساليب القهر والذل, ولن تقبل باستمرار أوضاع الفقر والظلم, التي ثارت عليها, ولو أدركت أن الشباب لن يثنيهم قمع عن مواصلة نضالهم من أجل استكمال ثورتهم, ولو أتاحت للرئيس فرصة ادارة حوار غير عقيم; ينطلق من التزام موثق بتعديل الدستور, وتوفير ضمانات نزاهة الانتخابات, وتشكيل حكومة محايدة, وتعيين نائب عام وفقا للدستور, وغير ذلك من قرارات واجراءات بناء الثقة. في هذا السياق جاءت دعوة تمرد الي مظاهرات واعتصامات30 يونيو, التي ينبغي أن تتحلي بالسلمية في تعبيرها عن حق الأمة في معارضة بل وإسقاط أي رئيس أو نظام اذا أنتهكت حقوقها. لمزيد من مقالات د. طه عبد العليم