لعل الدرس الأول, الذي يجدر بجماعة الإخوان أن تتعلمه من حركة تمرد, أن شباب الثورة لن يثنيهم قمع أو قتل عن مواصلة نضالهم النبيل من أجل استكمال ثورة25 يناير, ثورة الشباب قبل أي شيء, بتحقيق أهدافها من عيش وحرية وعدل وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية; أي ما لم يحمل حكم وفكر ونهج وسلوك الجماعة وعدا بالتقدم نحوه. وفي هذا السياق, دون غيره, ينبغي فهم مغزي حركة تمرد, التي بادرت بها وتقودها بجسارة ووعي صفوف جديدة من شباب الثورة; وتضاعفت بانضمام غيرهم من شباب القوي الثورية والديمقراطية والمدنية, واستجاب لها ملايين المصريين, ونالت تأييد قوي المعارضة من شتي التيارات السياسية والفكرية لحكم جماعة الإخوان وحلفائهم ومواليهم. وفي تحديد واضح لهدفها, ووعيا بأن التناقض الرئيسي المجتمعي الراهن يقوم بين القوي المدنية والديمقراطية والثورية, من جانب, والإخوان والسلفيين والجهاديين, من جانب آخر, أو بين مشروع دولة المواطنة ومشروع تمكين الإخوان, نشرت حركة تمرد تنويها مهما, تقول فيه: إن حملة تمرد هي حملة الشعب المصري بكل اتجاهاته السياسية, هي حملة المصري البسيط في القرية والنجع والحارة والشارع والحي, هي حملة تجمع ولا تفرق, تسعي للوصول لكل مصري, لنكون جميعا يدا واحدا ضد نظام مرسي المستبد ومكتب ارشاده! وأي طرف يسعي الي الفرقة في هذه اللحظة التاريخية الخطيرة التي تمر بها البلاد يخدم- ولو بحسن نية- الجماعة الاستبدادية! وأما الدرس الثاني, فهو أن الحركة ليست سوي رد فعل لإخفاق الجماعة في استيعاب معني الثورة, التي أعلنت بجلاء أن الأمة المصرية لن تقبل منها- أو من غيرها- أن تحكم وأن تدار أمورها بأساليب القهر والذل, ولن تقبل باستمرار أوضاع الفقر والظلم, التي ثارت عليها. وليست الحركة سوي رد فعل لإخفاق الجماعة في إدراك أن الاستقرار لا يتحقق بغير التوجه نحو بناء دولة المواطنة, بأن تكون مصر للمصريين, كل المصريين, فتستمد شرعيتها وأسباب استقرارها من حماية حقوق المواطنة والإنسان لهم, دون تمييز أو إقصاء. وليست الحركة غير إعلان من مؤيديها بفقدان الثقة في جماعة الإخوان, التي رفضت ما طالبت به المعارضة من إجراءات بناء ثقة في نزاهة الانتخابات تحت حكمها, وتعبير عن رفض مشروع التمكين وما يسعي اليه من أخونة لمؤسسات الدولة وما يحمله من تهديد لأسلوب حياة المصريين. والدرس الثالث, أن حركة تمرد ليست سوي ممارسة للحق في حرية التعبير, حيث تدعو- وبوسائل سلمية- الي إجراء انتخابات رئاسية مبكرة; بجمع توقيعات من المصريين لسحب الثقة من الرئيس مرسي يفوق عددها ما حصل عليه من أصوات في انتخابات الإعادة!! وعلي جماعة الإخوان استيعاب ما كتبه الزميل ضياء رشوان يقول إنه من قبيل إخفاء الرؤوس في الرمال ما تقوم به الجماعة بقصر الحديث علي الأبعاد الدستورية والقانونية للحركة, وتجاهل ما تعكسه من حالة عدم رضا واسعة لطريقة أداء الحكم وإخفاقاته, وإنه من قبيل الغفلة اختزال حركة تمرد في أنها مجرد أقلية مختلفة مع الحكم الإخواني, حيث امتدت التوقيعات علي وثيقة الحركة إلي مساحات كبيرة ومتنوعة من المجتمع; متجاوزة القوي السياسية والحزبية التقليدية والفئات والطبقات الاجتماعية النشيطة سياسيا. والأمر أن الإخفاقات والإحباطات, التي قادت اليه جماعة الإخوان هي التي أقصتها مع حلفائها ومواليها من مشهد وحدة الأمة المصرية بكل مكوناتها في الثمانية عشر يوما الأولي من الثورة, حتي صار وكأنه مجرد ومضة عابرة من ومضات التاريخ الإنساني المبهرة, أو حتي مجرد أسطورة كما اعتبرها مفكر ماركسي بارز! والدرس الرابع, أن سلمية جماهير ثورة25 يناير كان شرط نجاح موجتها الأولي لإسقاط النظام السابق, ويبقي شرط نجاح موجتها الثانية في بناء نظام جديد. وكما لم تفلح آلة القمع الأمنية الجبارة في إنقاذ النظام السابق لن تنجح معاودة إستخدامها في حماية النظام القائم. وقد كتبت, قبل إعلان اسم الرئيس المنتخب, أقول: إن حدود معارضته هي ضوابط حرية التعبير في مجتمع ديمقراطي, وإن بوصلة تأييده أو معارضته هي احترامه أو إهداره لحقوق المواطنة. وبينما أيدت وثيقة نبذ العنف; فقد سجلت أنها في المنطوق به لم تحمل الحكم المسئولية الأولي عن العنف السياسي, وفي المسكوت عنه تجاهلت أسباب العنف الرسمي والمجتمعي. وعلي جماعة الإخوان استيعاب أن حركة تمرد جاءت نفيا جدليا وواعيا وسلميا وجماهيريا لمجموعات العنف الفوضوي والمغامر وأبرزها البلاك بلوك, التي حددت أن هدفها هو اسقاط نظام الاخوان, ولكن بممارسة العنف المنبوذ ضد مقرات وشركات ومحلات الجماعة. والدرس الخامس, أن حركة تمرد, قد رفضت ابتزازها بأنها مؤامرة فلول, فقبلت أن يوقع علي إستمارة تمرد مؤيدو المرشح الرئاسي الفريق شفيق, لكنها, وباعتبارها حركة تستهدف بناء نظام جديد, رفضت توقيعه باعتباره رمزا لنظام بائد. ومع حركة تمرد أعلن وباستقامة أنه آن للأجيال غير الشابة أن تقدم ما تملك من خبرة ومعرفة لأجيال الشباب, صناع الثورة وأصحاب المستقبل, لتتصدر مشهد إسقاط مشروع التمكين بعد إسقاط مشروع التوريث. ورغم حالة عدم اليقين وواقع انقسام الأمة لم يتزعزع يقيني بانتصار دولة المواطنة, وأري أن حركة تمرد خطوة علي طريق بنائها, لتكون مصر للمصريين, كل المصريين, وتحترم جميع حقوقهم, دون إقصاء أو تمييز, وحماية للمصالح الوطنية وسيادة القانون وتداول السلطة; مهما تغير الحاكم والنظام. وأدرك أن مفاهيم ومشاعر الوطن والوطنية والمواطنة ليست في التربية الفقهية والتكوين العقائدي للإخوان وحلفائهم, لكن من يحلم بإعادة بناء مصر علي صورة دولة المواطنة; عليه أن يراهن علي أن هذه المفاهيم والمشاعر ينبغي, ويمكن, إحياؤها في وجدان من يحمل شرف الانتماء الي مصر, إلا استثناء. لمزيد من مقالات د. طه عبد العليم