رغم الوعيد البائس والإرهاب اليائس, كشف ضعف حشد ما سمته جماعة الإخوان جمعة الحسم في30 أغسطس, الذي توهمته استنساخا ليوم30 يونيو, عمق عزلتها وقلة حيلتها وعقم نهجها, منذ أن أسقطت ثورة الأمة المصرية, شعبا وجيشا, حكمها الفاشل والجاهل. لكن موقف الحكومة الانتقالية, التي تزعم أنها حكومة تأسيسية, يعاني حالة فقدان الإتجاه وافتقاد وحدة الهدف بشأن المسألة المركزية والمصيرية في الثورة, وهي حل جماعة الإخوان, التي تسعي لوأد ثورة30 يونيو, كما غدرت بثورة25 يناير. ولا أنكر أن الضغوط الأمريكية المناوئة لحل جماعة الإخوان, باعتبارها شريك صفقة تمكين الجماعة مقابل تفكيك الوطن, تمثل قيدا علي قرار الحل. وقد أنوه هنا الي ما نشرته وكالة رويترز عن جوناثان ايال- مدير الدراسات الدولية بالمعهد الملكي لدراسات الدفاع والأمن في بريطانيا- يقول: إن التهديد بقطع مساعدات الغرب الي مصر يجب أن يوظف لتجنب ما وصفه بالكابوس الأكبر; وهو حظر جماعة الإخوان!! ولا أنفي أن الخوف من عاقبة قرار الحل, قد يكون قيدا آخر, وقد أشير هنا الي أن الأمر العسكري رقم63 لسنة1948 الذي أصدرته حكومة النقراشي, كانت عاقبته اغتيال الجماعة له, وأن قرار مجلس قيادة ثورة يوليو بحل الجماعة في14 يناير1954, كانت عاقبته محاولة الجماعة اغتيال جمال عبد الناصر!! لكنه لا ينبغي لحكومة ثورة أن يحركها إملاء أو يبتزها إرهاب; حين يكون القرار متعلقا بمسألة تحدد مصير الدولة والأمة. وعلي السلطة الانتقالية إدراك حتمية حل جماعة الإخوان, غير الشرعية وغير الوطنية وشبه السرية وشبه المسلحة, والمتاجرة بالدين والمسيئة للإسلام, والتي كشفت عن وجه دموي وتخريبي وإرهابي وفاشي وعميل. وقد قلت وأكرر إنها جماعة لم- ولا ولن- تعد مقسمة للأمة, ومقوضة للدولة, ومهددة للهوية, ومزدرية للوطن, ومنكرة للوطنية, ومولدة للإرهاب, ومجسدة للفاشية, ومهدرة للديمقراطية. وشأن كل ثورة, ستدفع الأمة المصرية ثمنها الفادح, لكنه سيضيع هدرا; ما لم يتم حل تنظيم الإخوان, الذي سعي بالإرهاب والفوضي لتقويض الدولة وتفكيك الأمة; ولم يتورع عن استدعاء التدخل العسكري الأجنبي. وللأسف كان حل الجماعة أهم المسكوت عنه في مبادرة نائب رئيس وزراء الحكومة المؤقتة, رغم ما تضمنته من مباديء لا خلاف عليها. ورغم تسليم رئيس الحكومة بأنه لا بديل عن الردع الأمني لعنف الجماعة, فقد أردف مصرحا بأن حل جماعة الإخوان ليس هو الحل!! ومن المؤسف أن تتجاهل الحكومة أن حل الجماعة هو الحلقة المركزية في الصراع المصيري الراهن; سواء تم الحل بقرار سياسي لا تخفي دواعيه السياسية, أو بحكم قضائي تتوافر أسسه القانونية. وأسلم بأن حل الجماعة قد يكون جزءا من المشكلة وليس جزءا من الحل, عبر عودتها للعمل السري, أو تبنيها الإرهاب نهجا. ولذلك لابد من تضافر المواجهة الأمنية والقانونية للجماعة وحلفائها مع المواجهة السياسية والفكرية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية, إذا أردنا اجتثاث جذور دعوات الردة لعهود الانحطاط وتجفيف منابع الترويع والتكفير والإرهاب. وفي سياق هذه المواجهة الشاملة, فان تحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة المجتمعية ينبغي أن تبدأ بتقديم مرتكبي الجرائم من الجماعة وحلفائها ومواليها الي المحاكمة, وحل جماعة الإخوان وحظر نشاطها ومصادرة أموالها وممتلكاتها وتجريم الانتساب إليها, والعزل السياسي لقادتها المحرضين علي العنف والإرهاب والمتورطين في جرائم التخابر والتخريب والدم والفوضي; وهو ما أتوقع أن يحكم به القضاء, وربما يجدر أن يتضمنه نص دستوري مؤقت. وقد طالبت القوي السياسية وتعددت الدعاوي القضائية بحل الجماعة. وكتب أستاذ مرموق للعلوم السياسية, قبل ثورة30 يونيو, يقول وبحق: إنه ليس من الكارهين لجماعة الإخوان, لكنه ما لم تتخذ الجماعة قرارا بحل نفسها اليوم, فسوف تضطر إليه غدا, إما بحكم قضائي تنصاع له مكرهة, أو تحت ضغط إرادة شعبية; تري في الجماعة خطرا علي عملية التحول الديمقراطي, وعقبة كئود أمام قيام دولة القانون. ويضيف أنه مع تشكيل حزب الحرية والعدالة أصبحت للجماعة فرصة المشاركة من خلال نشاط علني يخضع للقانون, وليس من خلال نشاط سري يعمل في جنح الظلام, ولا يخضع لأي نوع من الرقابة أو المساءلة. وقد تحايلت جماعة الإخوان علي حكم قضائي متوقع بحلها, فحصلت علي ترخيص بتأسيس جمعية الإخوان المسلمين, لكنها أبقت منصب المرشد ومكتب الإرشاد والهيكل التنظيمي للجماعة ولجانها في المحافظات!! وقد تأكد عدم توافق الترخيص مع قانون الجمعيات الأهلية, وهو ما دفع باتحادها العام لمطالبة الحكومة الانتقاليه بإصدار قرار بحلها, أو إحالة الأمر للقضاء. وللأسف فان الفاقدين للاتجاه ووحدة الهدف, والمذعورين من ثمن الثورة وردع العنف والإرهاب, والمصابين بداء البلاهة الحقوقية, والساعين لإرضاء السادة المانحين, والخائفين من وهم إعادة إنتاج نظام مبارك, والمزيفين لحقيقة أن عدم اجتثاث جذور الإرهاب والفاشية الدينية هو الخطر الداهم علي الدولة والأمة والثورة.. إلخ, لا يفعلون جميعا سوي مد حبل الإنقاذ للجماعة من الحل وللأحزاب الدينية من الحظر, ويمدون حبل الإعدام لخنق ثورتي الأمة المصرية في25 يناير و30 يونيو. وأما الزاعمون بالحياد في صراع مصيري تخوضه الدولة والأمة, فان حيادهم موقف غير أخلاقي وغير وطني, ولا يعدو نفاقا تجاهل بعض نشطاء حقوق الإنسان مسئولية جماعة الإخوان عن هدر الدماء وترويع الأمة, بينما الحق في الحياة والأمان أهم حقوق الإنسان. ويبقي أن أكرر أن دولة المواطنة, التي أراها عنوان انتصار ثورتي25 يناير و30 يونيو, لن تعرف إقصاء أعضاء وأنصار أحزاب الإخوان والسلفيين; ما دامت ترفع راية الأمة المصرية, وتتوافق مع دستور بوصلته تأسيس دولة المواطنة. ويتوقف الأمر علي عودة العقل الي جماعة الإخوان, التي فقدت نصف عقلها حين تولت الحكم, وفقدت نصفه الآخر حين سقط حكمها!! لمزيد من مقالات د. طه عبد العليم