إسرائيل تتعرض لهجوم واسع ومزدوج بالمسيرات والصواريخ الإيرانية (فيديو)    هجوم إسرائيلى على منطقة سكنية شرقى طهران    مجدي الجلاد: مصر تعاملت بحكمة شديدة مع قافلة الصمود (فيديو)    حسام غالي يحذر: موقعة إنتر ميامي لن تكون سهلة.. وميسي «خارج التقييم»    شديد الحرارة ورياح.. الأرصاد تكشف حالة الطقس خلال الأيام المقبلة ( بيان مهم)    خلال ساعات.. تفاصيل امتحانات الثانوية العامة 2025 (المواصفات الرسمية)    الموعد المتوقع لإعلان نتيجة الدبلومات الفنية 2025؟.. رابط الاستعلام برقم الجلوس    اليوم.. الأزهر الشريف يفتح باب التقديم "لمسابقة السنة النبوية"    الحوثيون يؤكدون تأييدهم لإيران ويتوعدون إسرائيل بحرب مفتوحة    "رفقة سواريز".. أول ظهور لميسي قبل مباراة الأهلي وإنتر ميامي (صورة)    أصل التقويم الهجري.. لماذا بدأ من الهجرة النبوية؟    أعراض السكتة القلبية، علامات صامتة لا يجب تجاهلها    القانون يحظر رفع أو عرض العلم المصرى تالفا أو مستهلكا أو باهت الألوان    تريزيجيه وبن رمضان ووسام فى تشكيل الأهلى أمام إنتر ميامى بكأس العالم للأندية    3481 طالب يؤدون امتحانات نهاية العام بجامعة حلوان التكنولوجية    قفزة قياسية في عيار 21 الآن.. أسعار الذهب اليوم الأحد 15 يونيو 2025 محليًا وعالميًا    سوريا تغلق مجالها الجوي أمام حركة الطيران    ضبط كوكتيل مخدرات وأسلحة آلية.. سقوط عصابة «الكيف» في قبضة مباحث دراو بأسوان    إغلاق كلي بطريق الواحات لمدة 5 أيام.. تعرف على الطرق البديلة    قبل ساعات من انطلاق ماراثون الامتحانات.. التعليم توجه نصائح هامة لطلاب الثانوية العامة 2025    المهرجان القومي للمسرح يعلن عن برنامج ندوات الدورة 18 بالإسكندرية    "العسل المصري".. يارا السكري تبهر متابعيها في أحدث ظهور    السفارة الأمريكية في البحرين تدعو موظفيها إلى توخي الحذر عقب الهجوم على إيران    هيئة البث الإسرائيلية: اعتقال إسرائيليين للاشتباه فى تجسسهما لصالح إيران    بداية العام الهجري الجديد 1447.. عبارات مميزة لرسائل تهنئة وأجمل الأدعية    الجلاد: الحكومة الحالية تفتقر للرؤية السياسية.. والتعديل الوزاري ضرورة    إصابة سيدتين وطفل في انقلاب ملاكي على طريق "أسيوط – الخارجة" بالوادي الجديد    رسميًا بعد الارتفاع.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 15 يونيو 2025    كهرباء قنا تفتتح مركزًا جديدًا لخدمة العملاء وشحن العدادات بمنطقة الثانوية بنات    بمشاركة 20 ألف.. مستقبل وطن يُطلق مؤتمر شباب الدلتا بالإسكندرية    محافظ قنا يشارك في الاحتفالية الرسمية لاستقبال الأنبا إغناطيوس بالمطرانية    «الإصلاح والنهضة» ينظم صالونًا حول المستهدفات الحزبية في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان    سعر الفراخ البيضاء والساسو وكرتونة البيض بالأسواق اليوم الأحد 15 يونيو 2025    نتناولها يوميًا وترفع من نسبة الإصابة بأمراض الكلى.. أخطر طعام على الكلى    دون أدوية أو جراحة.. 5 طرق طبيعية لتفتيت وعلاج حصوات الكلى    ضمن مبادرة "100 مليون صحة".. صحة الفيوم تقدم خدمات المبادرات الرئاسية لأكثر من 18 ألف مواطن خلال عيد الأضحى    «السما بتنور كل شوية ليه؟».. عمرو أديب يطالب الجهات المعنية ببيان رسمي    الاتصالات: تأهيل أكثر من 7000 متدرب من شباب شمال سيناء للعمل فى مجالات تكنولوجيا المعلومات    النيابة تدشن المرحلة الأولى من منصتها الإلكترونية "نبت" للتوعية الرقمية    أسرار صراع المحتوى «العربي - العبري» في الفضاء الاصطناعي    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    كأس العالم للأندية| «ريبيرو» يعقد محاضرة فنية للاعبي الأهلي استعدادًا لمواجهة إنتر ميامي    صعوبات غير متوقعة.. حظ برج الجدي اليوم 15 يونيو    العناد قد يتسبب لك في المشاكل.. حظ برج القوس اليوم 15 يونيو    التسرع قد ينتهي بالتراجع.. حظ برج العقرب اليوم 15 يونيو    رئيس هيئة الرقابة النووية والإشعاعية السابق: لا تأثيرات لاستهداف المنشآت النووية الإيرانية على مصر    هانى عادل لبرنامج من إمبارح للنهاردة: أول جيتار جابتهولى أمى ودماغى بتغلى أفكار    سر دموع عبد الفتاح الجرينى على الهواء فى "صندوق الذكريات" ب"آخر الأسبوع"    بث مباشر مباراة الأهلي ضد إنتر ميامي اليوم (0-0) في كأس العالم للأندية    هشام حنفي: بالميراس أقوى فريق في مجموعة الأهلي.. ومواجهة إنتر ميامي ليست سهلة    موعد مباراة الأهلي وإنتر ميامي والقنوات الناقلة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 15-6-2025 في محافظة قنا    إصابة 10 أشخاص إثر حادث تصادم 3 سيارات في دمنهور (صور)    وزيرة التخطيط تلتقي بمجموعة من طلاب كبرى الجامعات بالمملكة المتحدة    جامعة بدر تفتح باب التقديم المبكر بكافة الكليات لطلاب الثانوية العامة والأزهري والشهادات المعادلة    إذاعة جيش الاحتلال عن مصادر: رصدنا استعدادات إيرانية لإطلاق موجة من الصواريخ    أدعية مستجابة في شهر ذي الحجة    الهلال الأحمر المصرى: تنظيم حملات توعوية لحث المواطنين على التبرع بالدم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إحياء العلوم وفتاوى الإرهاب.. عقل الأمة بين كتابين
نشر في الأهرام اليومي يوم 07 - 07 - 2015

فى سبعينيات القرن التاسع عشر تكونت جمعية من كبار الموظفين والأثرياء المثقفين فى مصر, أطلقوا عليها اسم «جمعية المعارف»,أخذت على عاتقها طبع كتب التراث العربي، فكان فى مقدمة ما اختاروه للطباعة كتاب «إحياء علوم الدين» للإمام الغزالى بجانب كتب مقدمة بن خلدون ونفح الطيب وكتاب الأغانى وكلها من عيون التراث العربي.
كان عمل هذه الجمعية مواكبا مع الموجة الثانية للنهضة فى مصر بعد أن توقفت بوفاة محمد علي، فما كان من حفيده إسماعيل إلا أن كرس عهده لاستكمال مشروع جده فى النهضة بالبلاد.
وقد كان لإعادة طبع «الإحياء» أثرا عظيماً, فصار من أهم وأكثر الكتب رواجاً, وشغل ركنا أساسيا فى مكتبة بيت المثقف المصري، فكتاب الإحياء كتاب جامع يجد فيه المسلم بغيته ويملأ فراغ روحه ويفسر ما التبس عليه من أمور عقائدية وعبادية. وقد قسم الغزالى كتابه إلى أربعة أجزاء أساسية أو كما أسماها «عبادات، عادات، مهلكات، منجيات», وكتبها الغزالى بأسلوب سهل جعل فهم الكتاب واستيعابه لا يستعصى على الإنسان العادي، دون الولوج فى غوامض فقهية أو مهاترات جدلية.
وقد وضع الغزالي, الملقب بحجة الإسلام، كتابه ليكون مرجعا للمسلم فى حياته, وشرح للأسس ببساطة معهودة عنه كفقيه متمكن ومفكر غير هياب للولوج فى أسرار العقائد. والغزالى قد قيل عنه إنه فيلسوف مع الفلاسفة ومتكلم مع المتكلمين ومتصوف مع المتصوفة، وهو إن كان الذى وصفه بهذا قصد القدح إلا أنه فى الحقيقة قد مدحه من حيث لم يحتسب، فالغزالى «450: 505 هجرية» مثقف موسوعى جامع للعلوم فى عصره،أخلص لعقيدته ودينه ودافع عنه دونما السقوط فى براثن التعصب. وهو فى العلوم الدينية كالمتنبى فى الشعر، فقد ملأ الدنيا وشغل الناس، إلى درجة أنه ندر من لم يقرأ له ولم يتأثر به. وكان كتابه «إحياء علوم الدين» كسفينة نجاة فى وسط بحر مضطرب، فالكتاب يبدو كرحلة يصحبك فيها آخذاً بيدك فيبين ويشرح ويفسر، وهو يتناول فى ربع العبادات الأمور المتعلقة بالعبادة فى العقيدة والطهارة والصلاة والصيام والحج، حتى يتطرق إلى الآداب المتعلقة بالعبادات والنوافل والأدعية والأذكارجميعا. ثم يتناول فى الربع الثانى «العادات»,أو الأمور المتعلقة بالحياة اليومية حتى الدقيق منها، ثم يعرج بك إلى الربع الثالث: «المهلكات», منذرا ومحذرا وشارحا لما يهلك الإنسان من اتباع الشهوات ومواقع الزلل فى طريق الإنسان من صفات ذميمة كالحقد والغضب والغرور والبخل والرياء.
ويرتقى بك «الإحياء» إلى الربع الأخير, الذى يعتبر تتويجا للكتاب ومنتهى للرحلة, بالاغتراف من أنهار الإيمان، فيتنقل إلى المقامات والأحوال التى يرتقى إليها المسلم فى مشواره، فالكتاب معنى بهداية المسلم وتهذيبه لا تخويفه وترهيبه، واهتم بالقلب والجوهر والمظهر والروح والجسد على السواء، دون تكلف أو اصطناع، ليجسد وسطية تعاليم الإسلام ويبشر بالمسلم النقى ويدعو لأن نكون, كما أراد القرآن العظيم، خير أمة أخرجت للناس نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر.
وكتاب الغزالى ظل سيدا للمكتبة الإسلامية, وقد قيل فيه إنه لو ذهبت كتب الإسلام وبقى «الإحياء» لأغنى عما ذهب, وقيل فيه ما هو أكثر من ذلك، وبلغ من تأثر المجتمع الإسلامى به أن قال أحد المستشرقين إن الإسلام فى بلاد الشرق «اصطبغ بصبغة غزالية».
غير أن كتابا آخر مالبث أن اقتحم المكتبة الإسلامية، ليزاحم كتاب الغزالى ويكاد يقصيه من على أرفف المكتبات وفرش الكتب المعروضة للبيع.
ذلك هو كتاب «فتاوى ابن تيمية». ورغم كثرة ما ترك ابن تيمية من تراث مكتوب ومنقول عنه، يبدو أحيانا فيها مفكرا قوى الحجة فى المسائل الكلامية والمنطقية، إلا أنه فى «الفتاوي» قد صار دليلا إلى التشدد والجمود والانغلاق، حتى أنه عندما بحث فقهاء الإرهاب عن السند الفقهى لاستباحة دماء المسلمين، لم يجدوا غير ابن تيمية، ففتاوى ابن تيمية المنتمى للمذهب الحنبلي، تضع المسلم دائما فى قفص الاتهام وتخرجه من حالة القلق الإيجابى إلى القلق السلبي. وكان منهج التكفير للمخالفين فى المذهب هو ديدن هذه الفتاوي، كما وضعت المسلم قيد الأسر وكبلته بعدما جعلت من العبادة التى هى وسيلة ارتقاء عند الغزالي، مجرد إجراءات يومية جامدة صارمة يثقل بها المسلم نفسه, وصار معنى الاقتداء هو التقليد الذى لا روح فيه، فلا مكان ل«القلب» و«الروح» فى حياة الفقه السلفى المستند على فتاوى ابن تيمية، بل كأن الكلمتين من الكلام المذموم، فلا اهتمام بالروح فى تناول أمور العبادات ولا الحياة اليومية, وكل ذلك يستند إلى تجنب الزلل باتباع سنة «النبى صلى الله عليه وسلم» كما يرونها. وقد فرض السلفيون بذلك وصاية على المسلم,فبدا ابن تيمية فى فتاواه كمن يشهر السيف على مخالفيه، والعصا على أتباعه، فأصبحت حياة المسلم, فى ضوء فتاوى «شيخ الإسلام» ابن تيمية، حياة صراع,وتجسدت فى هيئة منفرة وتتبع لعورات الناس، فصرنا نرى المسلم وكأنه يقدم أقبح ما لديه بتصدير صورة يزعم أتباع ابن تيمية أنها مطابقة للسنة، فصار دم المسلم حلالا بيد أخيه تحت زعم محاربة البدع.
وقد يكون ارتباط فقه ابن تيمية بمرحلة ما - شأن أى فقه - خاصة الاضطرابات السياسية والمذهبية فى عصره, فقد ولد فى عام 661 وتوفى عام 728 من الهجرة, غير أن تأثيره هو المسئول عما ارتكب من مجازر استنادا لفقهه.
وكتاب «مجموع الفتاوي» هو فى ستة أجزاء تم نشرها فى مجلدات ضخمة وتوزيعها فى طبعات أنيقة وبأسعار أقل من سعر التكلفة، خاصة أنها كانت سند الدعوة الوهابية، وبدأت فى الانتشار بكثافة فى ثمانينيات القرن العشرين وما بعدها بعد أكثر من مائة سنة من طبع «الإحياء».
وقد تجاهل السلفيون آراء كثير من علماء الإسلام الكبار فى ابن تيمية مثل الحافظ الذهبى الذى كان من المنبهرين به ثم عاد فانتقده نقدا لاذعا وكذلك الحافظ العراقى وابن حجر العسقلاني.
وروج السلفيون لذم الغزالى وكتابه حتى وصفه أحد كبار شيوخهم المعاصرين بأنه مليء بالسموم.. وحذروا تلامذتهم ومريديهم من الاطلاع على كتاب الإحياء الذى انزوى تحت دعاية مضادة هائلة وكاد يختفى من رفوف المكتبة المنزلية.
لقد كان من ثمرات ثقافة «الإحياء» دعاة وفقهاء للتنوير والاعتدال مثل محمد عبده ومصطفى عبد الرازق ومحمد شلتوت وعبد الحليم محمود والشعراوي، بينما أخرجت لنا فتاوى ابن تيمية فقهاء للدم والتكفير كسيد قطب وعمر عبد الرحمن والظواهرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.