سواء كنا نتحدث عن فكر دينى أو خطاب دينى، فنحن نتحدث عن جزء من كل؛ فالفكر الدينى هو بعض الفكر العام للأمة فى أى مرحلة من تاريخها، كما أن الخطاب الدينى هو بعض الخطاب الثقافى العام بالمعنى نفسه. وواضح أن العلاقة بين الجزء والكل تخضع للقوانين أو الشروط التى تفرضها الأوضاع العامة للمجتمعات وتحولاتها على كل المستويات، وذلك على نحو يمايز بين دول متقدمة وأخرى متخلفة بكل المعايير. ولكن العلاقة بين الجزء والكل- فى هذا السياق- لها خصوصيتها التى لا يمكن إغفالها، فالملاحظ أن الفكر الدينى كالخطاب الدينى لا يمكن أن يقف ضد حرية الفرد فى الإبداع الثقافى أو الفعل الاجتماعى فى الدول المتقدمة التى تتمتع بمناخ الحريات اللازمة لكل أشكال الإبداع، والحيوية المصاحبة لكل مجالات الحراك الاجتماعى، بعيدا عن أى سطوة بطريركية اجتماعية، أو أى سلطة استبدادية سياسية تعوق الحريات الملازمة لدول التقدم. وفى هذه الحالة، يؤدى الفكر الدينى كالخطاب الدينى دوره فى عملية التقدم العام للأمة سواء من حيث التحفيز على التقدم، أو صياغة تأويلات تبعث على الانطلاق والحركة الصاعدة، فتؤكد التأويلات الدينية مثلا، فى حالة الإسلام، حرية الإرادة الفردية فى موازاة مناخ الحريات السياسية، أو تؤكد البعد الإنسانى للإسلام بما يؤكد التعددية الاجتماعية والتنوع الإنسانى الخلاق. ولا ينفصل هذان الجانبان عن غيرهما من لوازم وأبعاد تؤكد المساواة بين الرجل والمرأة بما ينفى التمييز ضد المرأة، واحترام الإسلام لغيره من الأديان بما يؤكد معنى المواطنة، وأخيرا التكافل الذى يؤكد معنى العدل الاجتماعى، أو المساواة التى تؤكد البعد الإنسانى للإسلام فى العلاقة بين الأمم والقارات والأديان. ومن الواضح أن رؤى العالم المسيطرة على مجتمعات التقدم تنعكس على الفكر الدينى أو الخطاب الدينى، بما يجعل كليهما صورة ملازمة لصفات التقدم وعاملة عليه فى الوقت نفسه. ويحدث العكس من ذلك فى دول التخلف، حيث تغيب الحريات، وتشيع طبائع الاستبداد، وتسرى أشكال التمييز والقمع الاجتماعى فى المجتمع، فيتحول الفكر الدينى إلى نتيجة تغدو سببا فى تجدد دورة التخلف إلى أن تتغير الشروط الأساسية لأسباب التخلف. وربما كان أوضح الأمثلة على ذلك فى تاريخنا الإسلامى هو تشجيع الحكم الأموى للقائلين بالجبر، أو نفى صفة الحرية عن الفعل الإنسانى، وذلك بما يجعل الإنسان مسيرا لا مخيرا، مقدورة عليه كل أفعاله التى لا يملك إرادة تغييرها. وكانت إشاعة هذا النوع من الإيديولوچيا الدينية عملا مهما من أعمال الأجهزة الإيديولوچية للدولة الأموية لفرض حضورها على المسلمين، وإلغاء للحضور المعارض لمن رفضوا هذه الدولة من الشيعة الذين حاربوها بنقض أدلوجة الجبر ونفى الاختيار عن الإنسان. وحتى عندما سقطت الدولة الأموية، وجاءت الدولة العباسية، ومارست الحكم إلى أن تأكد حضورها، فإنها تبنت المذهب الاعتزالى منذ حكم المأمون (170-218ه) إلى حكم الواثق بالله (200-232ه) وهو المذهب القائم على حرية الإرادة الإنسانية المتضمنة فى معنى العدل الإلهى. ولعل أسوأ ما فعله هذا المذهب أنه- وهو داعية الحرية- صادر حرية المسلمين فى اختيار تأويلاتهم، الأمر الذى ترتب عليه محنة خلق القرآن وسجن أحمد بن حنبل الذى ظل فى سجنه إلى أن حدث الانقلاب السياسى الذى جاء بالمتوكل (205-247ه) الذى انحاز إلى أهل السنة والجماعة من أنصار أحمد بن حنبل الذى أفرج عنه المتوكل وخلع عليه ما يرضيه، ومكن أنصاره من خصومهم المعتزلة الذين كان عليهم أن يدفعوا الثمن غاليا، نتيجة نزعتهم العقلانية وإيمانهم بحرية الإرادة الإنسانية. أعنى النزعة التى عمل المتوكل على استئصالها، مقابل النزعة المناقضة لأهل السنة والجماعة الذين نصرهم المتوكل، واستقدم رءوس المحدثين منهم إلى سامراء وأجزل عطاياهم، وذلك فى موازاة اضطهاد المعتزلة، ونهى الناس عن النظر والمباحثة فى الجدل، وأمرهم بالتسليم والتقليد، وإظهار أهل السنة والجماعة فيما يقول المسعودى فى تاريخه. وكان اضطهاد النزعة العقلانية منذ ذلك الوقت، الوجه الآخر من إلغاء الفهم الإيجابى للحرية الفردية، فى موازاة تضخم الاستبداد السياسى الذى وجد فى التأويلات السنية السلفية ما يدعم السند من الشرع الذى لم يكن سوى تأويلات دينية مضادة. ومنذ ذلك الوقت أصبح الفكر الدينى فكرا مقصوص الجناحين، لا يستطيع أن يحلق طليقا كالفكر العام سواء بسواء. ولذلك اضطرت الفلسفة الإسلامية للهجرة إلى أطراف الدولة الإسلامية، إما فى بخارى حيث عاش ابن سينا، أو الأندلس حيث عاش ابن رشد الذى توفى 595ه، بعد أن تحول سجنه إلى سجن للعقل العربى كله، فى مقابل سطوة الفكر الدينى السلفى الذى ظل- ولا يزال- معاديا لكل النزعات العقلانية والتجريبية سواء فى الفكر الدينى أو غيره. هكذا تحدد وضع التيارات العقلانية فى الثقافة العربية، خصوصا بعد هزيمة 1967، وتحالف السادات مع تيارات الإسلام السياسى التى ازدادت هيمنتها على الخطاب الدينى الذى أعادت صياغته ليتوافق مع أهدافها السياسية وتصوراتها الاجتماعية ذات المنحى البطريركى. وكانت النتيجة أن تصاعد فكر دينى مغاير، استبدل ابن تيمية بابن رشد، وضيق على العقل مجالات اجتهاده، وذلك بالقدر الذى تقارب فيه استبداد الفكر السياسى وتصلب الفكر الدينى إلى درجة أدنت بالطرفين إلى ما يشبه الاتحاد، فى وضع أشبه بالوضع الذى وصفه أمل دنقل عندما قال، فى زمن السادات: أصبح العقل مغتربا يتسول، يقذفه صبية بالحجارة، يوقفه الجند عند الحدود، وتسحب منه الحكومات جنسية الوطنى.. وتدرجه فى قوائم من يكرهون الوطن والعقل هو النبع الذى تنبثق منه التيارات العقلانية والعلمية التى نضب مصدرها الحى طوال الزمن الساداتى الذى امتد إلى زمن مبارك الذى أتاح للفكر الدينى المتصلب أقصى درجات الانتشار والتمكن إلى الدرجة التى أوقعت مصر كلها فى أسر الإخوان المسلمين، متحالفين مع الجماعات السلفية التى لا تختلف عنهم جذريا. ولم تنقذ مصر من هذا الأسر إلا مع ثورة الثلاثين من يونيو التى حاولت أن تعيد الاعتبار إلى العقل، وتفتح المجال أمام التيارات العقلانية. ولكن دون هذه المحاولة تقف كارثتان موروثتان لا تزالان تعيقان كل محاولة للانعتاق من التخلف السائد، أولاهما ارتفاع نسبة الأمية فى المجتمع، مقرونة بتدنى مستويات التعليم؛ وثانيتهما ارتفاع معدلات السكان الذين لا يزالون يعيشون تحت خط الفقر الذى يدعم بحضوره ترسخ ثقافة التخلف، ومن ثم سيطرة التخلف على الفكر الدينى السائد بما يجعل منه أهم العوائق التى تحول بين الفكر العام وحرية الإبداع فى كل مجال، ولذلك لا توجد لدينا مدارس فلسفية حرة، ولا ابتكارات علمية تلفت أنظار العالم. ولا ينبغ علماؤنا أمثال زويل إلا إذا رحلوا بعيدا عن سطوة الفكر الدينى المتخلف السائد. أعنى الفكر الدينى الذى تصيب عدوى تخلفه كل ما يقع فى مداره المغلق من علوم إنسانية واجتماعية وطبيعية، فالفكر الدينى السائد فى حياتنا كالخطاب الدينى الذى يجسده، لا يزال هو العائق الأكبر لكل محاولة للتقدم أو التحرر على كل المستويات، بل تصل خطورة هذا الفكر إلى أنه لا يزال منبعا للإرهاب الدينى الذى نعانيه منذ السبعينيات، وتضاعفت وطأة جرائمه الإرهابية مع تصاعد حضور السياق الشيطانى الذى وصل القاعدة بداعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية التى لا تزال تروى الأرض العربية بدماء الضحايا الأبرياء، فيما يبدو كأنه كابوس ممتد يفرض حضوره على عالمنا العربى فى كل مكان، ودون قوة فاعلة رادعة فى شمول حضورها الذى يحارب فكرا منغلقا بفكر منفتح، ويعيد التيارات العقلانية إلى مسارها الحر، فتعيد للعقل العربى اعتباره وحريته، وللدين جلاله وسماحته، ويبدو أننا لن نصل إلى هذا الهدف فى زمن قريب. ويقودنى ذلك إلى الملاحظة الملازمة، وهى أننا نحاول تجديد الفكر الدينى والخطاب الدينى على السواء منذ سنوات غير قليلة، لكن النتيجة المتكررة هى الفشل الذى يتجلى فى تتابع محاولات لا تصيب أهدافها أو تحقق مراميها. أذكر أن دعوات تجديد الفكر الإسلامى وخطابه ازدادت قوة وتضاعفت أو تكاثرت عقب الجريمة الكبرى التى ارتكبتها القاعدة، عندما قامت بتدمير برجى مركز التجارة العالمى بنيويورك فى الحادى عشر من سبتمبر سنة 2001. وفى سياق الانتقام من القاعدة قامت الولاياتالمتحدة بالحرب على أفغانستان التى كانت مقرا للقاعدة، وفى الوقت نفسه، استغلت الولاياتالمتحدة المناخ المتعاطف مع مأساة تفجير برجى مركز التجارة العالمى، فأعلنت الحرب على العراق لإسقاط صدام حسين بالتعاون مع حلفائها، وتحت دعوى أن العراق يمتلك أسلحة نووية، وهو زعم لم تجد الولاياتالمتحدة دليلا عليه فى عملية الغزو التى بدأت فى العشرين من مارس 2003، وانتهت فى الخامس عشر من ديسمبر 2011. وفى مناخ الحرب العالمية ضد القاعدة، أو ما سمى الإرهاب الدينى، تسابقت الدول العربية الخاضعة للنفوذ الأمريكى فى إعلان الحرب على هذا الإرهاب الدينى، وما ظل يدعمه من فكر دينى متخلف، تتعدد أشكاله ومسمياته. وكانت النتيجة التفات نظام مبارك إلى ضرورة تجديد الخطاب الدينى، فى سياق محاربة الإرهاب الدينى. وهو ما أكده الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك فى خطاب ألقاه فى ذكرى المولد النبوى الشريف سنة 2002. وقد تولى وزير الأوقاف فى ذلك الوقت الدكتور محمود زقزوق الإعداد لأول مؤتمر عن “تجديد الخطاب الدينى” سنة 2003. وقد نشرت ملخصات الأوراق التى شارك بها المهتمون بالموضوع فى كتاب بالعنوان نفسه، وسرعان ما نفدت طبعته الأولى، وصدرت طبعته الثانية فى القاهرة 1424ه- 2003م. وقد قدّم الدكتور زقزوق للكتاب بقوله “إن عملية تطوير أو تجديد الخطاب الدينى تعد عملية مستمرة وليست وقتية أو موسمية، فالحياة متجددة باستمرار والمتغيرات من حولنا لا تكف عن الحركة. ومن الطبيعى أن يكون الخطاب الدينى مواكبا لظروف كل عصر ولما يدور فيه من متغيرات، وذلك بالتجديد المستمر فى أسلوب الخطاب الدينى وفى مضمونه حتى يستطيع أن يصل بالرسالة التى يريد توجيهها إلى عقول الناس وقلوبهم. أما إذا انفصل الخطاب الدينى عن واقع الحياة ومتغيرات العصر فإنه لن يجد من يلتفت إليه أو يعيره اهتماما”. وقد انطلقت أبحاث المؤتمر من التسليم بالمتغيرات الجذرية التى حدثت فى العالم، بحيث لم يعد فى مقدور أحد أن يتجاهلها، وانطلاقا من هذه المتغيرات كان لابد أن تتحرك المؤسسة الدينية لتواكب المتغيرات وتواجهها بالدرس العلمى الذى يهدف إلى صياغة برنامج موزع على أربعة محاور. الأول: نقد ذاتى للخطاب الإسلامى المعاصر، وذلك بما يعالج ضعف المضمون وضرورة تطويره بما يواكب العصر، ومعالجة ضعف الأسلوب بما يوازى تطور المضمون الذى يريد أن يرقى إلى تحدى العولمة، وينطوى ذلك على إبراز الجوانب الإنسانية فى الإسلام، وتأكيد القضايا الاجتماعية وتناولها بما يبرز الوجه الحضارى للإسلام. أما المحور الثانى فكان يتصل بأنواع الخطاب الدينى، ابتداء من خطبة الجمعة الموجهة إلى المسلمين، وانتهاء بالخطاب الموجه لغير المسلمين، والقائم على الاعتراف بالآخر واحترامه فى آن. ويدور المحور الثالث حول التحديات التى تواجه الخطاب الإسلامى المعاصر، مثل عدم الإحاطة بالتقنيات الحديثة والقضايا العلمية المستجدة، وذلك فى موازاة عدم ملاحقة المخترعات الحديثة التى تزيد - فى تسارعها- العبء والتحدى الواقع على صناع الخطاب الدينى، خصوصا فى دوائره التأويلية. ويأتى المحور الرابع خاصا بمقترحات الارتقاء بالخطاب الإسلامى المعاصر، خصوصا على مستوى إعادة تأهيل الدعاة، وتحديث مناهج جامعة الأزهر المتصلة بالدعوة والدعاة. وقد شارك فى كتابة بحوث المؤتمر شيخ الأزهر (المرحوم سيد طنطاوى) وعدد من علماء الأزهر وغيرهم من المثقفين، ومنهم الأستاذ السيد يسين ونبيل بدر ومصطفى الشكعة وأحمد فراج ونعمات فؤاد وصوفى أبو طالب. وكانت نوعية المشاركين دالة على أن تجديد الخطاب عملية ليست مقصورة على علوم الدين وحدها، وإنما تجاوزها إلى علوم الفكر والقانون والسياسة والثقافة بمعناها العام، الأمر الذى يؤكد أن الخطاب الدينى جزء من الخطاب الثقافى العام، وأن تجديده لا ينفصل عن عمليات تطوير المجتمع فى كل جوانبه التى توصل إلى التقدم فى كل مجالاته الممكنة. وهذا هو ما أشار إليه بوضوح الأستاذ السيد يسين عندما أكد فى ورقته أننا نواجه محنة فى الخطاب الفكرى المعاصر بكل فروعه وليس فى الخطاب الدينى فقط، فالمشكلة تتعلق- فيما يتصور- بعملية إنتاج المعرفة فى المجتمع المصرى، سواء فى المجال الإسلامى أو فى غيره. ودليل ذلك أن الجامعات المصرية فشلت فى إنتاج العقل النقدى، ونجحت نجاحا باهرا فى إنتاج العقل التقليدى الاتباعى. وهذه مشكلة كبرى تنطوى فيها مشكلة الخطاب الدينى الذى هو جزء من كل، فما دام الكل الثقافى أو المعرفى العام عاجزا عن إنتاج عقل نقدى مدنى، يستطيع أن يقبل أو يرفض على أساس عقلانى، فمن المنطقى أن يعجز الجزء الدينى عن أن ينتج عقلا نقديا فى مدى الفكر الدينى، وينتج بدل ذلك عقلا اتباعيا سلفيا، تقليديا بالمعنى السلبى لكل هذه الصفات. وتعنى أطروحة السيد يسين، فى هذا السياق، أن كل تقدم يحرزه المجتمع فى تأسيس وعى مدنى عام يتصف بالقدرة النقدية للعقل الذى لا يقبل أو يرفض اتباعا وتقليدا، وإنما على أسس موضوعية، هذا التقدم فى النهاية ينعكس على الفكر الدينى، ومن ثم على الخطاب الدينى، والعكس صحيح فى الوقت نفسه، وأعتقد أن هذا هو الحال الذى نعانيه، فانحدار الخطاب المعرفى فى المجتمع المصرى، ويشمل بالضرورة الخطاب العلمى، هو سبب من الأسباب الكامنة وراء تخلف الفكر الدينى الذى هو مشكلة معرفية فى آخر الأمر. ولا أظن أن الخطاب الدينى الذى تنتجه الجامعة الأزهرية يختلف جوهريا عن الخطاب المعرفى الذى تنتجه الجامعات المدنية. لكن تبقى ملاحظتان: أولاهما أن كل مشروعات تجديد الخطاب الدينى التى تبناها الدكتور محمود زقزوق، حين كان وزيرا للأوقاف، لم تستمر وتتواصل، ومن ثم لم يكتب لها النجاح. فالنظام السياسى فى زمن مبارك ما كان يمكن أن يمضى فى طريق تجديد الخطاب الدينى جذريا، أولا لأن مثل هذا الأمر لم يكن مطروحا على أچندته، ضمن الأولويات الملحة، أو التحديات التى كان لابد من مواجهتها مواجهة جذرية وحاسمة. ولذلك لم تجد دعاوى تجديد الخطاب الدينى آذانا مصغية فى نظام مبارك الذى كان حريصا على سلامته الذاتية وبقائه فى الحكم أكثر من حرصه على تثوير الفكر الدينى أو الخطاب المعرفى العام. والآن اختلف الوضع، وأصبح عندنا رئيس جمهورية يتبنى فى حسم تجديد الخطاب الدينى، بل يطالب بثورة فى الفكر الدينى، فهل ينجح فيما فشل فيه نظام مبارك والعوائق الداخلية والخارجية أكثر قوة وترسخا وخطرا؟ وهذا يقودنى إلى الملاحظة الثانية وهى ربط الخطاب المعرفى العام فى الجامعات المدنية بالخطاب الدينى الخاص فى المعاهد الدينية والكليات الدينية والنظر إليها جميعا بوصفها مؤسسات عاجزة عن إنتاج عقل نقدى أو خطاب دينى منفتح وعقلانى أو حتى خطاب معرفى مبتدع. وأعتقد أن هذا هو التحدى الأعظم لزمن عبد الفتاح السيسى، وعلى كل العقلانية المستنيرة المؤمنة بالدولة المدنية أن تكون معه فى مواجهة هذا التحدى الأعظم الذى هو الطريق الأهم لمستقبل أمتنا الواعدة، وإلا فلا مستقبل واعدا، ولا تقدم حقيقيا. لمزيد من مقالات جابر عصفور