تحت كل شبر في أرض مصر تجد تاريخاً. ويخضع الكشف عن خباياه إلى المصادفات أو تدقيق الباحثين وعزمهم في إظهار الحقائق أو مايتبقى منها بحكم الزمن. ومن ضمن هذه الحقائق التي عمل الزمن عمله في إهمالها – خاصة في إطار إهمال بعض المسئولين - مكان قبر الرحالة السويسري الشهير يوهان لود ڤيج بوركهارت (1784- 1817) بمقابر باب النصر بالقاهرة . التعريف بالرحالة ولد بوركهارت عام 1874 بسويسرا من أب سويسري وأم انجليزية . عاش ووالداه في انجلترا بعد احتلال امبراطور فرنساسويسرا. درس اللغة العربية في جامعة كامبريدج وكان عالما لامعا بحيث عرض خدماته على الجمعية البريطانية لاستكشاف افريقيا ورئيسها السير جوزيف بانكس، لاكتشاف نهر النيجر من الشرق، اي من بلاد السودان وليس من المحيط الاطلنطي. فوافقت الجمعية بشرط ان يقضي سنتين في الشام كي يتقن خلالهما العربية وعادات الناس حتى يتزود بالمعلومات قبل القيام بمهمته الخاصة بنهر النيجر. بدأ بوركهارت بالاقامة في حلب وزار مدينة البتراء الاردنية فكان بذلك أول أوروبي يراها منذ مئات السنين، واول من رسم لوحات للتعريف بها. ثم وصل الى القاهرة عام 1812 و اتصل بمحمد علي باشا. وسافر جنوبا في النيل حيث كان يسجل الملاحظات عن الناس وعن الآثار القديمة ومعبد ابوسمبل ثم واصل المسير حتى مدينة شندي بالسودان. وبعد ذلك – بدلا من ان يتجه غربا الى نهر النيجر – اتجه شرقاً الى ميناء سواكن الواقع على الساحل الغربي للبحر الاحمر. وعبر البحر الأحمر إلى الجزيرة العربية رغبة منه في التعرف على بدو الجزيرة ومكة والمدينة، حيث أسلم وأدى فريضة الحج و سمى نفسه «إبراهيم بن عبد الله» وقبل ان يغادر هذه المنطقة كتب كتابين عن مكة والمدينة ، وعن بدو الجزيرة العربية والوهابيين. وفي النهاية بعد ان سافر شمالا الى سيناء كي يزور جبل سيناء، كان عليه أن يبدأ رحلته الاستكشافية الخاصة بنهر النيجر، ولكن كان ذلك بعد فوات الأوان ... حيث عاد إلى النوبة وانتظر قدوم أي قافلة متجهة إلى تشاد، لكن القوافل كانت قد مرت في الفترة التي قضاها في الجزيرة العربية، فخشي أن تتهمه الجمعية الافريقية بالكسل والفشل فأصيب بالإحباط ومات بالدوسنتاريا في أرض مصر عام 1817 عن عمر يناهز الثالثة و الثلاثين سنة. وانتهت مهمته بالفشل نتيجة لحبه ارتياد الاماكن المجهولة للأوروبيين، ولعدم التزامه بتعليمات الجمعية .
موضع القبر
بعد بحثٍ في المصادر العربية والانجليزية عن مكان قبر بوركهارت في القاهرة ، تخبرنا جريدة «اللستريتد لندن نيوز» في عدد 25 ابريل عام 1874 بوجوده في مقابر باب النصر بالقاهرة . وكان لوالدي محقق التراث الاسلامي «محمد فتحي ابو بكر» الفضل في إرشادي لمكانه حيث كان يحقق مخطوطا عن المقابر الأثرية والأضرحة بالقاهرة منذ عشر سنوات. يقع قبر بوركهارت في مقابر الصوفية بباب النصر على مقربة عشر دقائق سيرا على الاقدام من باب القرافة وضريح سيدي نجم الدين . يقع القبر داخل مبنى مربع عليه قبة مرتفعة على شكل مثلث ومكتوب على مدخلها الخالي من الزخارف : «هنا يرقد الرحالة السويسري الشيخ ابراهيم المهدي ولد عام 1199 ه في لوزان .توفي عام 1232 ه في القاهرة» . ومما يؤسف له أن قبر العلامة ابن خلدون على مقربة من ذلك المكان قد دهسته جرافات محافظة القاهرة عام 1999 لتوسعة الطريق الواصل بين الدراسة وباب الشعرية . وعبثا حاول المحققون لفت نظر المسئولين في وزارة الثقافة وقتها الى خطورة ذلك ، إلا أن صوت الإهمال والاستخفاف من المسئولين وقتها كان أعلى من ضمائر الغيورين على السياحة ...فذهب قبر ابن خلدون ورفات صاحبه مع الرياح ...فنرجو من المسئولين الاهتمام بقبر الرحالة بوركهارت حتى لا يلحقه مصير العلامة المسلم الذي وضع أسس علم الاجتماع وأن يلحقوه في خريطة السياحة الأثرية.