فعلتها المعارضة في الكونجو وحققت انتصارا كبيرا على حكومة كابيلا التي قادت البلاد نحو حافة الهاوية, بعد أن أعلنت تأجيل الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في العام القادم ,لتتصدر أخبار الكونغو الديمقراطية صفحات الجرائد ووسائل الإعلام بسبب الإحتجاجات والإضرابات التي سادت البلاد على مدار أيام متصلة أسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى . كانت الأزمة قد بدأت بعدما أقر مجلس النواب في الكونجو تعديلا لقانون الانتخابات يتيح للرئيس "كابيلا" البقاء في الحكم إلى ما بعد انتهاء ولايته في عام 2016 متطلعا بذلك إلى الترشح لولاية ثالثة وهو ما ينافي دستور الكونجو الديمقراطية الذي لا يسمح سوى بولايتين رئاسيتين فقط . وأراد كابيلا من خلال ذلك التعديل السير على خطى العديد من الرؤساء الأفارقة الذين لجأوا إلى إعادة كتابة دساتير بلدانهم للتخلص من القيود التي تلاحق بقاءهم في السلطة . وإتخذت حكومة "كابيلا" حجة القيام بتعداد سكاني جديد للبلاد لإقرار هذا القانون كي تتم الانتخابات المقبلة في مناخ يسوده الشفافية, مما يتطلب حيزا زمنيا كبيرا يتجاوز سنوات عدة وهو الأمر الذي اعتبرته المعارضة ومنظمات المجتمع المدني مناورة من النظام الحاكم لتأخير موعد الانتخابات متهمة الرئيس كابيلا بسعيه نحو الترشح لولاية ثالثة. وكان الرئيس "جوزيف كابيلا"( 43 عاما) قد اعتلى سدة الحكم في الكونجو عام 2001 في أول انتخابات ديمقراطية حرة منذ استقلالها عن بلجيكا في عام 1960, وذلك بعد وفاة والده "لوران كابيلا" الزعيم المتمرد الذي طرد موبوتو بقوة السلاح في 1996 والذي اغتيل في يناير 2001. وقد تسببت هذه التطورات الأخيرة في قيام المعارضة بالدعوة إلى مظاهرات حاشدة ضد مشروع القانون الإنتخابي الجديد لتنطلق بعدها الشرارة الأولى للإحتجاجات في إنتفاضة عارمة للمتظاهرين مرددين عبارة " اذهب يا كابيلا " مما أدى إلى إشتعال العاصمة كينشاسا . وحتى بعد أن اشتبكت الشرطة مع المتظاهرين وقامت بإطلاق الأعيرة النارية في كافة أرجاء المدينة مما أسفر عن سقوط العديد من القتلى والجرحى من بينهم طلاب بعدما إقتحم الحرس الجمهوري والشرطة الحرم الجامعى, و لم ينل ذلك من عزيمة المتظاهرين شيئا مما اضطر الحكومة إلى قطع الاتصالات عبر شبكات الإنترنت والرسائل الهاتفية القصيرة في محاولة لإعادة الأمور إلى نصابها والسيطرة على الوضع المتأزم . ومن جانبها لم تقف الكنيسة الكاثوليكية مكتوفة الأيدي, فقد كان لها موقف داعم للمعارضة بعد أن رمت بثقلها وراء تأييد الإحتجاج ضد الرئيس جوزيف كابيلا فقامت بإغلاق مدارسها, داعية المواطنين إلى القيام باحتجاجات سلمية ضد تأجيل الانتخابات , وتعد الكنيسة الكاثوليكية من اكبر المؤسسات التي لها تاثير ومكانة كبيرة في دولة الكونجو. وتعد هذه الاضطرابات الأحدث من نوعها وسط القارة الافريقية المبتلاه دائما بالاضطرابات والحروب المتعددة إذ تعد الكونجو من أفقر بلدان العالم وتعاني من مشاكل عدة بعد أن عاشت حروبا بين الفترة 1996 و2003 علاوة على العقود التي عاشتها تحت ديكتاتورية موبوتو سيسي سيكو الذي قام بعمليات نهب شاملة للثروات الوطنية. ومع فشل الحكومة في السيطرة على الموقف قام مجلس الشيوخ بعد أربعة أيام من الإحتجاجات الدامية بعقد جلسة طارئة له أقر فيها إلغاء هذا القانون . وتجدر الإشارة الى أن معظم أعضاء مجلس الشيوخ بمن فيهم أعضاء الحزب الحاكم قد أبدوا معارضتهم لهذا القانون معتبرين أن الحكومة تخاطر بزعزعة إستقرار البلاد , إلا أنه يمكن القول أن قرار مجلس الشيوخ لا يعد وحده كافيا لإلغاء مقترح هذا القانون حيث يجب أن تقوم لجنة برلمانية بالتوفيق بين قراري المجلسين وهو ماحدث بالفعل مؤخرا حيث أقرت اللجنة عدم ربط إجراء الانتخابات الرئاسية بإجراء التعداد السكاني ولا سيما في دولة مثل الكونجو ذات المساحة الشاسعة علاوة على حرمانها من بنية تحتية تخدم شعبها المحروم من الأساسيات اللازمة للحياة الكريمة .