لم تعد بيانات الشجب والاستنكار لجرائم الإرهاب التى دأبت مؤسساتنا الدينية على إصدارها ، بعد أن طالت اليد الآثمة لخوارج العصر كل شىء فى ربوع مصر والوطن العربي، تحت مسميات متعددة وحجج واهية وفتاوى باطلة! ولم نعد نملك رفاهية عقد المؤتمرات وإصدار البيانات والتوصيات وتسيير المظاهرات والقوافل الدعوية والظهور على شاشات الفضائيات بعد كل حادث أثيم لإبراء الذمة وغسل اليد فور الانتهاء من تكفين الشهداء انتظارا لوقوع كارثة أخرى. علماء الدين يؤكدون أننا بحاجة إلى تحرك فاعل وملموس على أرض الواقع لتجديد الخطاب الدينى وإطلاق مراجعات فكرية جديدة لجماعات العنف والإرهاب، على غرار مبادرات نبذ العنف والفكر التكفيرى التى انطلقت فى السجون فى أواخر التسعينات؟ ولماذا لا يبادر رجال الدين بإطلاق مراجعات جديدة، وأن تنهض المؤسسات الدينية لممارسة دورها الحقيقى لمواجهة هذا الفكر الضال، ووقف نزيف الدماء، بعد أن جنحت غالبيتها إلى تبنى منهج العنف والقتل والحرق والتدمير، وإنقاذ آلاف الشباب الذين وقعوا ضحايا لهذا الفكر التكفيرى المنحرف.يقول الدكتور أحمد عمر هاشم، رئيس جامعة الأزهر الأسبق، إنه لا وقت للشجب والاستنكار وعلى الدولة أن تتحرك سريعا للقضاء على العنف والإرهاب والمحافظة على أبناء الوطن الواحد كما أن الدور الحقيقى للمؤسسات الدينية بكافة أنواعها ءن يكون علماؤها فى الصف الأول مع القوات المسلحة والشرطة والشعب، لأنهم يوضحون الحلال والحرام وخطورة الإرهاب على المنطقة بأسرها، فلابد من عودة الحوار الذى يستهدف الجماعات المتطرفة بإعادتها إلى الرشد والصواب، وقد بدأت بعض المحافظات استشعارا بهذا الواجب ووجهت محافظة البحيرة لعقد مؤتمر لهذا الحوار الأسبوع القادم، وقد رحبت بهذا وقلت هذا واجبنا نحن العلماء وأعضاء هيئة كبار العلماء، ورجال الأزهر، ونقوم بهذا الواجب فى هذه المرحلة الحالكة من عمر الوطن الذى لم تمر به مرحلة كهذه المرحلة، ويكون الحوار من حيث إعادة الجماعات الإسلامية إلى الصواب والمتطرفين إلى الرشد بحوار مفتوح يستهدفهم جميعا، وتكون البحيرة على رأس كل المحافظات، ثم تنطلق سائر المحافظات بعد ذلك لتحذو وتسير على نفس الخطى إن شاء الله. خطر العبث بالعقول
وفى سياق متصل أكد الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إنه فى ظل هذه الأفكار الضالة والتفسيرات الخاطئة التى تحتكر تفسير بعض النصوص لتحقيق أغراض هذه الجماعات فى العودة إلى السلطة أو اكتساب النفوذ أو الزعامة أو المال أو غيرها من المطالب الدنيوية التى لا ينبغى إقحام الدين فيها، فاننا بحاجة ماسة الى مراجعات فكرية كتلك التى قامت بها الجماعة الإسلامية حين تبين لها خطأ مسلكها وتابت وأنابت إلى طريق الحق، لكن مما ينبغى مواجهته فى هذه المرحلة الفارقة فكر العنف والفوضى والفرقة الذى تمارسه جماعات داعش والقاعدة وغيرها وأنصار بيت المقدس وأنصار الشريعة والحوثيون الذين يمارسون كل أنواع العدوان ضد الناس وتخريب الأوطان وسبى النساء والتهجير القسرى لبعض أبناء الأوطان (كما حدث فى العراق) وهو الأمر الذى يتعين معه أن تواجهه المؤسسات الدينية وعلى رأسها الأزهر الشريف مع المؤسسات الدينية فى عالمنا العربى من أجل رسم خطة عمل وفكر صحيح يجوب البلدان المختلفة كل فى بلده وموقعه، وخاصة الشباب منهم من أجل أمرين: أولهما، تصحيح الأفكار الضالة والتفسيرات الخاطئة لهذه الجماعات، بأسلوب يعتمد على المواجهة وتفهيم الشباب المراد بهذه النصوص وتفسيراتها الصحيحة عند العلماء الثقات والتى عششت فى أذهان بعض هؤلاء الشباب الذين غررت بهم هذه الجماعات.
وثانيهما: تقديم رؤية سديدة تستند إلى أصالة الإسلام وثوابته ومقاصده العليا فى الدين والحياة، بطريقة مبسطة يمكن أن تصل إلى العقول التى ليس لديها فكر متعمق عن علوم الإسلام، كما يجدر بمؤسسة الأزهر ونظيراتها فى البلدان العربية أن تبين الفكر الإسلامى الصحيح الذى لا يقيم خصومة بين الدين والوطن.
القوافل الدعوية فاشلة
ويؤكد الدكتور ناجح إبراهيم، القيادى بالجماعة الإسلامية وأحد القادة التاريخيين الذين أطلقوا مبادرة وقف العنف بالسجون أن القوافل الدعوية التى ينظمها الأزهر ووزارة الأوقاف فاشلة ولم تحقق أى نتائج حتى الآن، كما يجب إقامة نمط جديد لمعسكرات للشباب، حيث يستغرق كل فوج أسبوعا يحاضر فى هذا المعسكر أئمة الفكر الإسلامى الوسطى مع محاضرات فى التنمية البشرية وبرامج ترفيهية، على نمط معسكرات الشباب القديمة ولكنها إسلامية.
وأضاف: أن التكفير والتفجير وجهان لعملة واحدة، وإذا أردنا مواجهة فكر أنصار بيت المقدس فإن ذلك يكون بالوقاية وتحصين الشباب، فهناك مناطق يمكن أن يتكرر فيها ما حدث فى التسعينات، مثل الصعيد والمنطقة الغربية، وعلى الدولة أن تسعى مبكرا لهذه المناطق لوأد الفكر التكفيرى قبل أن يتوغل فيها، بعمل ندوات وورش عمل ومعسكرات دينية، وخاصة شباب الجماعات، بمعدل معسكر كل أسبوع. فالمراجعات الفكرية أمر شرعى يعنى الوصول إلى الحق فى مسائل عديدة انتهجناها وقلنا بها من قبل، ولما تبين لنا وجه الحق فيها سارعنا بمراجعة هذه القضايا حتى أعلنا وجه الحق والصواب فيها ووسطية وعدالة الحكم الشرعى الراجح فيها فمن أخذ بها وعلمها للشباب حتى لا يقعوا فيما وقعنا فيه فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم ومن تراجع عنها وعاد إلى سيرته الأولى فأمره إلى الله ولن يضر إلا نفسه.
ويؤكد الدكتور ناجح إبراهيم، أن الذين قادوا المراجعات الإسلامية بالسجون لم يتحولوا أو يحيدوا عنها، وإنما هؤلاء الذين يستبيحون الدماء الآن على الساحة مختلفون عن الجماعة الإسلامية، ويضيف قائلا: كان من المتوقع أن تنهى ثورات الربيع العربى موجات العنف والتكفير، ولكن ما حدث هو العكس تماما، حيث انتشر الفكر التكفيرى والعنف والتفجير بعد هذه الثورات وخصوصا فى مصر وليبيا وتونس واليمن، ويرجع ذلك إلى انهيار فى بعض منظومات الدولة وانتشار السلاح واختفاء دعاة الوسطية من الساحة وخوضهم المعترك السياسي، لتحقيق مصالح شخصية على مصالح الوطن، وكذلك تحول الخطاب إلى خطاب استقطابى وتكفيرى لجنى بعض المكاسب الشخصية على حساب المصلحة العامة وهى مصلحة الوطن، ظنا منهم بأن ذلك سيساعدهم على تحقيق آمالهم متجاهلين، أن ذلك سيترتب عليه انقلاب وانتشار للفكر التكفيري، من خلال الغض عن الخطاب التكفيرى الذى انتشر بصورة هائلة فى الفترة الأخيرة من خلال بعض وسائل الإعلام غير المسئولة ظنا منهم أنها ستفيد الحركات الإسلامية متناسين بان هذه الأفكار ستضر الحركات الإسلامية قبل أى حركة أخري.
إراقة الدماء لا تتوقف
ويتفق الدكتور عبدالفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، مع الدكتور ناجح إبراهيم فى أن القوافل الدعوية الأزهرية لم تحقق أيا من النتائج الايجابية المرجوة، ويطالب المؤسسة الدينية والقائمين عليها بأن يخففوا من هذه التصريحات التى إذا لم يجد الناس واقعا لها فى حياتهم فإن هذا يعود على هذه المؤسسة بالاتهام بعدم المصداقية، وهذا يذرى من شأن كل منتسب إلى هذه المؤسسة، فإذا كان هناك تصريح من بعض المنتسبين إليها أنه سيرسل قوافل دعوية إلى كل بلاد العالم لتصحيح صورة الإسلام فى نظر الناس، مع أنه عبارة عن موظف تابع لجهة معينة ليس بمقدورها ولا بمقدور الميزانية المخصصة لها أن ترسل نماذج من هذه القوافل تجوب أنحاء العالم لتصحح صورة الإسلام فى نظر الناس.
وأضاف: أنه يجب على المؤسسة القضائية فى مصر أن تراجع الأفراد المنتسبين إليها، لأن كثيرا من أفراد هؤلاء المنتسبين إلى هيئة القضاء فى مصر ينتسبون إلى بعض الجماعات ويجاهرون بذلك، وهذا الذى يبرر ويظهر ويجلى عدم صدور حكم بات على من سفك الدماء، برغم قيام الأدلة الدامغة على تورطهم فى ذلك، وطالب المؤسسة الرئاسية فى الدولة بأن تحيل كل قضايا الإرهاب إلى محاكمة عسكرية عاجلة، فمن ثبت إدانته بالقتل يجب تنفيذ الحكم عليه فورا، ويكون الحكم بالقتل، فإذا كان جريمة القتل لم تثبت فى حقهم فيجب حرمانهم من الجنسية المصرية وطردهم من الدولة.