هل تحتاج المناهج الدينية فى مدارسنا وجامعاتنا إلى مراجعة شاملة وإعادة تقييم للكتاب والمدرس القائم على العملية التعليمية، خاصة فى ظل وجود توجهات فكرية للمدرسين وبعض أساتذة الجامعات الذين ينشرون التطرف ويعبثون فى عقول أبنائنا الطلاب؟! وإذا كانت مصر تواجه تحديا حضاريا واجتماعيا وأخلاقيا غير مسبوق يتطلب التركيز على التنشئة السليمة، فكيف يمكن مواجهة العنف والتطرف والإرهاب، وتقديم برامج توعية للطلاب تدعو إلى العمل البناء وليس الهدم، وحماية عقولهم من الإرهاب والتطرف، والأفكار الهدامة التى تنعكس سلبيا على الوطن. الأزهر الشريف بادر بإطلاق قوافل للتوعية الدينية بالمعاهد والكليات الأزهرية لتحصين الطلاب من الفكر المتطرف وتنمية حب الوطن فى وجدانهم . وعلماء الدين يؤكدون أن التصدى للعنف والإرهاب يبدأ من المدرسة، ويطالبون بأن تكون مادة التربية الإسلامية أساسية فى كل مراحل التعليم المختلفة وحتى التعليم الجامعى وليست إضافية، وذلك لتوعية الطلبة بأمور دينهم ونشر الفكر الوسطى المعتدل، وأن يكون المكلف بتدريس هذه المادة من ذوى الاختصاص ويتمتع بالأسلوب الحسن والعلم الواسع. وصياغة مناهج وأنشطة طلابية تعزز المفاهيم الوسطية، وتنبذ ظواهر العنف والتشدد التى تنعكس على النشء الحالي. كما طالبوا بإخضاع المناهج الدينية لإشراف هيئة كبار علماء الأزهر، لتخريج أجيال تتمتع بفكر وسطى لا يعرف الغلو والإرهاب والتطرف، وأن تكون مصدراً لتدين الشباب ونشر الأخلاق وتدعيم أواصر الوحدة الوطنية وذلك بجعل مادة للثقافة المشتركة مع غير المسلمين حفاظاً على الوحدة الوطنية. توعية بالمعاهد الأزهرية ويقول الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر، لقد تم البدء فى تنفيذ برنامج مكثف بجميع أنحاء الجمهورية، للعمل على مواجهة الفكر التكفيري، وذلك بزيادة أنشطة القوافل الدعوية وعدم اقتصارها على عقد الندوات وخطب الجمع، وعقد لقاءات مع الطلاب وإلقاء كلمات توجيهية تنمى حب الوطن، وتحث على طلب العلم فى طوابير الصباح فى المعاهد الأزهرية، وداخل قاعات المحاضرات بالجامعة للوقوف على مشكلات الطلاب عن قرب. وقال إن فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، أطلق أمس الأول حملة للتوعية الدينية والثقافية بالمعاهد الأزهرية وكليات جامعة الأزهر بعنوان: «حب الوطن من الإيمان»، وتهدف إلى تحصين الشباب بالمنهج الأزهرى ضد الأفكار المتطرفة والشاذة وتصحيح المفاهيم الملتبسة. وذلك بمشاركة وكيل الأزهر، ورئيس الجامعة ونوابه وعمداء الكليات، ورئيس ووكلاء قطاع المعاهد، وأمين عام مجمع البحوث ووعاظ الأزهر، وسيشارك فى بعضها قيادات ودعاة وزارة الأوقاف بالتنسيق مع الوزير، وكذلك التنسيق مع وزارة التربية والتعليم لزيارة المدارس التابعة لها، بالإضافة إلى الأنشطة الدعوية المعتادة، لتحصين أبنائنا من تسلل المجرمين الإرهابيين بأفكارهم إليهم. وحول منهج عمل تلك القوافل أوضح الدكتور محيى الدين عفيفي، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، والذى ترأس إحدى قوافل التوعية الدينية بالمعاهد الأزهرية بمدينة نصر ، ان عمل القوافل يتضمن إلقاء كلمات فى طابور الصباح يتم خلالها حث الطالبات على أهمية القراءة والمعرفة فى حياتهن، ولأجل تنمية شخصية خريجات الأزهر، وأثر ذلك على تكوين العقلية العلمية التى تجعل طلاب وطالبات الأزهر على درجة من الوعى والحصانة العلمية التى تحول دون الاستجابة للشبهات والإشاعات التى تريد النيل من مكانة مصر ومكانة الأزهر. وكذلك حث الطلاب والطالبات على أهمية حب الوطن، وأن حب الأوطان من الإيمان، وبين أن الولاء لمصر لا يتنافى مع الولاء للدين، وأن حب الوطن واجب دينى ووطني، ويتحقق ذلك بالقراءة والمعرفة والعمل الجاد الذى يسهم فى دفع مسيرة التنمية والبناء. وأضاف: إن قوافل التوعية الثقافية انتشرت فى عدد من الأماكن فى محافظاتالقاهرة والجيزة والقليوبية فى عدة مناطق بها، وستتوالى القوافل الثقافية للوعاظ والأئمة فى كافة أنحاء الجمهورية، لأجل توعية وتحصين الطلاب والطالبات من الأفكار التكفيرية والمتطرِّفة ولبيان المعالم السمحة للإسلام، وتحرير المفاهيم الملتبسة. من جانبه قال الدكتور محمد أبو زيد الأمير ان هؤلاء التلاميذ أمانة عندنا فقد استودعهم آباؤهم لكى يتعلموا العلوم الشرعية والعربية فى الأزهر الشريف، وناشد المدرسين مضاعفة الجهد، وإثراء انتماء الطلاب لمواقعهم التعليمية وحب الوطن الذى يعيشون على أرضه ويستظلون بسمائه. وأن يكونوا خير مثال لطلاب مصر ويلتزموا المنهج الوسطى الأزهري؛ فهو حصن حصين لهم ولأسرهم. تطوير المناهج ويؤكد الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، أن مادة التربية الدينية لها أهمية كبيرة فى تخريج جيل واع بأمور دينه وخاصة النشء والأطفال فى المدارس، واعتبارها مادة أساسية فى المناهج الدراسية وخاصة فى هذا العصر الذى تكاثرت فيه الجرائم والمفاسد وظهور الفئة الضالة الذين يستحلون الدماء. وأضاف: إن اعتبار مادة التربية الإسلامية مادة إضافية أدى إلى تهاون كثير من الطلاب وأوليائهم بها وبأهميتها، حيث بات معظم الطلاب يعتبرونها ساعة مخصصة للهو واللعب فضاعت أهميتها وضاعت هيبة مدرسها. وطالب هاشم باحتساب مادة التربية الدينية من المواد التعليمية الأساسية التى يحاسب عليها الطالب مطالبا بضرورة إعادتها إلى سابق عصرها وأكد الدكتور عبد الفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إن مرد ضعف مادة التربية الإسلامية فى المدارس والجامعات, يرجع إلى هؤلاء الذين يتم اختيارهم لوضعها هم من أهل الثقة والشهرة, وليسوا من أهل الكفاءة, ومناط اختيارهم أولا وآخرا شغله لمنصب مرموق فى مؤسسة أو وزارة أو نحو ذلك, وترتب على ذلك عدم مراعاة واضعى هذه المناهج لمستوى من تدرس لهم, ومدى استيعابهم لمادتها, بل إن الكتب التى تحتوى على المادة العلمية لهذه المناهج والتى هى من تأليفهم تعج بالأخطاء التى لا يقع فيها عامي, وذلك بدوره أفرز الخلل بين التلاميذ الذين وقعوا فريسة للتطرف والإلحاد، وتزايدت أعدادهم فى المجتمع الآن. وأوضح أن علاج التطرف الفكرى ينبع من المواجهة والتصحيح, ومقارعة الحجة بالحجة, وأدب الحوار, وتصحيح الفكر من قبل علماء متجردين لا يباشرون هذا العمل ابتغاء عرض الدنيا, بل رغبة فيما عند الله سبحانه, والدين. وفى السياق ذاته أكدت الدكتورة عبير خلف، أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر ضرورة أن تكون مادة التربية الإسلامية مادة للرسوب والنجاح يحاسب عليها الطالب فى المدارس والجامعات، وأن يكون القائمون على وضع المادة من علماء الأزهر المشهود لهم بالوسطية والبعد عن الغلو والتطرف، وتشكيل لجنة تحت إشراف الإمام الأكبر شيخ الأزهر وان تخضع كل مادة مقررة على الطلاب للتنقيح، وأن يضاف إلى المنهج الدراسى فى كل مرحلة فصل كامل عن حرمة الدماء وتوضيح أن هؤلاء المتطرفين بعيدون كل البعد عن الدين الإسلامى وكل الأديان السماوية. كما يجب على المعلم أن يكون قدوة حسنة لهؤلاء الطلبة محذرة من أن التناقض بين القول والفعل يهدم الثقة فى المادة نفسها. ومن جانبها أكدت الدكتورة فاطمة الزهراء سالم محمود، أستاذ أصول التربية المساعد والسياسات التعليمية، بكلية التربية بجامعة عين شمس وعضو لجنة التعليم بالمجلس الأعلى للثقافة، ضرورة أن يكون تدريس التربية الإسلامية فى المدارس والجامعات وفق الأساليب العصرية والمتطورة التى تواكب مستجدات الأحداث وان يخضع المعلم الذى يدرس هذه المادة الحساسة إلى متابعة مستمرة.ولكن ما نراه الآن هو عكس الحقيقة نجد من يدرس مادة التربية الدينية فى المدارس والجامعات صاحب فكر يريد أن يبثه على الطلبة، وهو اخطر بكثير من الحروب بالأسلحة لان الحروب الفكرية تولد جيلا متشددا متطرفا يفسد ويقتل فى الأرض بحجة الأفكار التى تعلمها من هؤلاء المخربين الذين كثروا الآن نتيجة الأوضاع التى نعانى منها على مدار أعوام فى مناهج التعليم الخاطئة والتى لم تطور منذ أمد بعيد وهو ما نعانى منه الآن. وطالبت الدولة والمسئولين فى التعليم بمراجعة كل المقررات الدينية فى كافة المراحل وتنقيتها واختيار معلمين لهذه المادة لوقف الفكر المتطرف مع مراعاة أن يكون هناك تقويم مستمر للطلبة والمدرسين القائمين على التدريس من خلال الاختبار الموضوعى للنتائج التى تحققت بين فترة وأخرى لقياس مدى التغير والتطور الفكرى بين الطلاب مع مراعاة وجود تخطيط أكثر ملاءمة للبرامج وفقا لنظام علمى صحيح يكون قادرا على توصيل المعلومة بشكل سلس واضح وصحيح فى تدريس التربية الإسلامية وتعليم القرآن الكريم وفق الاتجاهات الحديثة فى طرق التدريس مع المتابعة المستمرة من خلال العلاقة بين المعلمين والطلبة. وأضافت: إن هذا المنهج لا يكفى وحده بدون تأهيل القيادات، والعاملين، والأفراد على أهمية وجود الثقافة التى تعنى الوعي، والتفاهم، والوقوف على أرضية مشتركة لا الخلاف، والاختلاف من أجل إشعال الفتن، والتناقض، والتضارب فى الأقوال، ونشر ثقافة حرية وأدب الاختلاف والتعامل مع الآخر، والتربية على الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومعنى المشاركة السياسية واحترام مؤسسات الدولة من أجل حفظ النظام والأمن للفرد والمجتمع، والثوابت والمبادئ الأخلاقية التى لا تهاون فيها.