لا يزال الجدل يحتدم في موسكو حول صمت الاوساط الغربية بشأن ما طرحته موسكو من مواقف "متميزة" حول السبل الرامية الى مكافحة الارهاب في اعقاب الحادث الذي تعرضت له المطبوعة الباريسية الاسبوعية "شارلي ابدو". وكان سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي انتقد تقاعس الغرب تجاه مكافحة الارهاب،وإن تحرج الاشارة صراحة الى دور هذا الغرب في "تفريخ" الارهاب ورعايته، في الوقت الذي اشار فيه الرئيس الشيشاني رمضان قادروف الى عدم مشروعية تجاهل ادانة رسومات "شارلي ابدو" المهينة للرسول، والاستمرار في سياسات "الكيل بمكيالين". غير ان موسكو الرسمية سرعان ما كشفت عن مواقفها تجاه هذه القضايا، وإن كان على نحو غير مباشر ، من خلال ما نشره الكسي بوشكوف رئيس لجنة الشئون الخارجية لمجلس الدوما حول "حاجة اوروبا الى قانون لحماية مشاعر المسلمين". وفي تصريحات أدلى بها الى قناة تليفزيون "روسيا -24" الاخبارية الفضائية الرسمية قال بوشكوف ان اوروبا وعلى حد اعتقاده في حاجة الى استصدار مثل هذا القانون فضلا عن تحديد الاليات اللازمة للحيلولة دون التطاول ضد الرموز الدينية. واضاف " انه إذا أصرت أوروبا على اعتبار انه من الممكن إهانة النبي، والتمادى في السخرية من الإسلام، والاستمرار في الترويج لحق رسم المقدسات الإسلامية بشكل غير لائق، فان ما كل ما تبذله الاجهزة الامنية الخاصة لديها لمكافحة الإرهاب، لن يسفر عن اية نتائج ملموسة". وكانت موسكو الاجتماعية كشفت عن انها لا تستطيع السكوت على الارهابيين ايا كانت مبرراتهم لارتكاب فعلتهم الحمقاء، حسب تعبير الرئيس الشيشاني رمضان قادروف. واستطرد ليقول ان احدا لا يملك الحق في التطاول على الرموز الدينية بحجة "حرية الرأي" نظرا لان ذلك يعد جريمة في حق الملايين من المتدينين، ومن واجب الدولة ان تتخذ كل ما في وسعها لحماية هذه الحقوق. وتوعد الرئيس الشيشاني رئيس تحرير محطة "اذاعة صدى موسكو" الكسي فينيديكتوف بالحساب والعقاب جزاء اعلانه عن استطلاع رأي حول مشروعية ممارسة "حرية" الكلمة والتعبير، بما في ذلك الحق في اهانة الرموز الدينية ، وهو ما اثار الكثير من البلبلة في الاوساط السياسية والاعلامية، في الوقت الذي اتهمت فيه اوساط دينية وسياسية هذه "الاذاعة" المعروفة بموالاتها لاسرائيل والتوجهات الغربية بايواء اشد المعادين للاسلام والحقوق العربية. وفي ذات الاطار ضرب آخرون مثالا على رياء ونفاق الاوساط الاوروبية ما سبق واقامت الدنيا ولم تقعدها بشأنه، يوم ظهر من حاول التشكيك في "جرائم الهولوكوست" ودشنت القوانين التي تُجَرٍم ذلك. ومن المعروف ان روسيا كانت بادرت واقرت القانون الذي يكفل لمواطنيها حق حماية مشاعر المتدينين فيها سواء من معتنقي الاديان السماوية او الوضعية. وفيما تداولت وكالات الانباء العالمية نقلا عن صحيفة "هاارتس" الاسرائيلية،خبرا يقول ان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند طلب من رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو عدم زيارة باريس للمشاركة في "مسيرة الوحدة" التي جرت احتجاجا وادانة للارهاب ، اشارت مصادر سياسية في موسكو الى ان مشاركة نتانياهو بدت كاهانة لذكرى الكثيرين ممن راحوا ويروحون ضحية لممارساته الارهابية وسياساته التي تنتهك بشكل مباشر الكثير من حقوق الفلسطينيين ولا سيما حق الحياة على ارضهم التاريخية. وكان الرئيس الشيشاني قادروف عاد مجددا الى التهديد بمحاسبة المسئولين من "اذاعة صدى موسكو" عن تاجيج المشاعر المتطرفة. وفى معرض تعليقه على مسيرة الزعماء والقيادات العالمية في باريس احتجاجا على حادث "شارلي ابدو"، انتقد قادروف هؤلاء القادة والزعماء الذين قالوا انهم لم يحركوا ساكنا تجاه مقتل مئات الالوف من ابناء افغانستانوسوريا ومصر وليبيا واليمن والعراق. واعاد قادروف الى الاذهان صمت هؤلاء تجاه الكثير من العلميات الارهابية التي اسفرت عن مصرع ابيه ورفاقه في العاصمة غروزني، الى جانب مقتل المئات من اطفال مدرسة بيسلان، وكذلك ضحايا مسرح دوبروفكا في موسكو وغيرها من الاعمال الارهابية التي شهدتها روسيا خلال السنوات الاخيرة . وفيما توعد الرئيس الشيشاني الارهابيين بالقصاص، قال انه شخصيا سوف يلاحق أي من تسول له نفسه اهانة الرسول الكريم واي من الرموز الدينية الاسلامية. واعلن قادروف نفسه "أشد المعادين للارهاب"، وانه سوف يبذل قصاري جهده من اجل مكافحته حتى لو كلفه ذلك حياته. واشار الى انه من المستحيل حماية امن العواصم الاوروبية، اذا ما لم ينتفض العالم باسره لادانة الارهاب أينما كان، واذا لم يقف في وجه من يرعى ويدعم الارهابيين بامدادهم بالاسلحة والاموال في العديد من البلدان تحت ستار "الوقوف الى جانب المعارضة" في هذه البلدان في اشارة سافرة الى ما يجرى في سوريا وحولها. وكان قادروف توعد ايضا الملياردير اليهودى ميخائيل خودوركوفسكي الذي كان اعلن عن دعوته الى الصحف والمطبوعات العالمية "اعادة نشر الرسوم المسيئة للرسول" في اطار تاييده لما يصفه "بحق وحرية التعبير"، متجاهلا ان من يدعو الى ذلك يؤيد ضمنا التطاول على حقوق من تسئ اليهم ممارسة مثل هذه "الحريات" غير المحدودة او المقيدة باطار اخلاقي على اقل تقدير. وفي اطار ردود الافعال على تصاعد الحملات الرامية الى الدفاع عن المطبوعة الباريسية "شارلي ابدو" ، تواصلت في موسكو التصريحات التي تندد بما وصفه المسئولون الروس بانه "رد فعل غير مقبول" من جانب من يحاول تصوير ما فعلته الاسبوعية الفرنسية بانه "اقرار لحرية الكلمة وحق التعبير". ومن هذا المنظور اعلن دميتري روجوزين نائب رئيس الحكومة الروسية المسئول عن قطاع المؤسسة العسكرية الصناعية "ان الإرهاب شر لا يمكن تبريره، لكن استبدال حرية الكلمة بحرية الإهانة أمر غير مقبول". وكان روجوزين كتب في حسابه على موقع "تويتر": "الإرهاب شر ولا توجد مبررات له، لكنه لا يجوز استبدال حرية الكلمة بحرية إهانة مشاعر الاخرين". ومن جانبه قال روشان عباسوف نائب رئيس مجلس المفتين في روسيا، ان استمرار "شارلي ابدو" في نشر الرسوم المسيئة للرسول "رد غير مقبول" على تصرفات الإرهابيين، لأنه يجرح مشاعر المؤمنين في العالم" . ومضى المسئول الديني الروسي ليقول: "نحن نعتقد في أن نشر هذه الرسوم امر غير مقبول، وندعو الأمة المسلمة الى عدم الانسياق وراء هذه الاستفزازات. كما نعتقد أن وسائل الإعلام عليها الالتزام بشرفها المهني". ومن اللافت في هذا الشأن ان موسكو كثيرا ما اعلنت في اكثر من مناسبة وزمن، عن ضرورة التعاون في مجال مكافحة الارهاب في نفس الوقت الذي ينغمس فيه شركاؤها وخصومها في الغرب في تغذية ورعاية الحركات الارهابية منذ اعلنوا عن تحالفهم "غير المقدس" ضد السوفييت في افغانستان، ووقفوا وراء تاسيس "القاعدة" و"طالبان" وتمويلهما ودعمهما بالاسلحة والعتاد العسكري ومنه "السوفييتي" الذي كانت موسكو ساعدت به دول عربية بعينها، لمواجهة "الغزو السوفييتي" لافغانستان في ثمانينيات القرن الماضي. ويقول مراقبون في موسكو ان الدول الغربية التي ترفع اليوم لواء "حرية التعبير"، تتناسى ما قامت به في الامس القريب مع بعض الدول العربية، لتغذية بؤر التطرف وخلق مناخ العنف في عدد من البلدان العربية وشمال افريقيا تحت ستار "ثورات الربيع العربي"، الى جانب دعم الحركات والتنظيمات الارهابية المناهضة للنظام السوري، مثل "جبهة النصرة" وتنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام "(داعش)، على نحو يصدق معه القول العربي المأثور .." ما أشبه اليوم بالبارحة!".