من المعروف أن إقبال الأجانب على الدراسة فى الجامعات البريطانية يحقق لها دخلا يصل إلى 7 مليارات جنيه إسترلينى سنويا، لكن هناك ما هو أهم من ذلك بالنسبة لبريطانيا، وهو أن إقبال الأجانب على الدراسة فى جامعاتها يمثل بالنسبة لها قوة ناعمة، لأن رؤساء دول ورؤساء وزارات فى 27 دولة تعلموا وتخرجوا من جامعات بريطانيا، وأن هؤلاء الرؤساء يعتبرون رصيدا طويل الأجل لأنهم يتفهمون بريطانيا وثقافتها وتاريخها ومكانتها وينقلون ذلك إلى بلادهم. كما وصفت ربيكا هيوز، رئيسة قطاع التعليم العالى فى بريطانيا، بأنهم جزء أساسى من تمكين بريطانيا من مهمتها فى العالم ومن معرفتها بالكيفية التى سيفهم بها العالم بريطانيا الأن ومستقبلا، كما أنه يكسب بريطانيا التعاطف من شعوب دول هؤلاء الرؤساء سواء فى قرارتها أو ما قد يصيبها من أحداث. وهناك تقرير للمجلس الثقافى البريطانى يقول أن واحد من كل سبعة من قادة الدول فى العالم قد درسوا فى بريطانيا، ومن بينهم الملك هيرالد ملك النرويج الذى درس فى جامعة أكسفورد، والرئيس الإيرانى حسن روحانى، ورئيس وزراء أستراليا تونى أبوت، ورئيس وزراء بلجيكا أليو دى ريبو، والملكة مارجريت الثانية ملكة الدنمارك، ورئيس وزراء فنلندا أليكسندر ستاب، ورئيس وزراء المجر فيكتور أوربن، ورئيس أيرلندا ميشيل هيجنز، والملك عبد الله الثانى ملك الأردن، والأمير ألبرت الثانى أمير موناكو، والرئيس السورى بشار الأسد، ورئيس زيمبابوى روبرت موجابى، وغيرهم الكثير. ومن المعروف أيضا أن من بين الزعماء العرب الذين درسوا فى بريطانيا فى الماضى، السلطان قابوس سلطان عمان، والملك حسين ملك الأردن السابق، واللذان درسا فى كلية ساند هيرست العسكرية البريطانية. ورغم هذا الاعتزاز البريطانى بالعدد الكبير من الزعماء الذين درسوا بها، فإن هناك الأن قلقا فى الدوائر التعليمية البريطانية حول مدى اجذاب الطلاب الأجانب للجامعات البريطانية. وقد أظهرت الإحصاءات الأخيرة أن هذا المركز الذى تتمتع به بريطانيا قد تتفوق عليها فيه الجامعات الأمريكية والكندية والأسترالية. وبالرغم من أن التعليم الحالى فى بريطانيا يتمتع بسمعة تاريخية عالية، جذبت كثيرا من الشخصيات التى أصبحت قيادات عالمية، فإن هناك الأن تركيزا على محاولة الارتقاء بالتعليم البريطانى أكثر مما هو عليه، ليظل يمثل مركز جذب للأجانب. وفى مقارنة بين المنافسة بين الجامعات البريطانية والأمريكية، أظهرت تقارير أجراها عدد من مراكز الأبحاث والمجالس المتخصصة ومنها تقرير للمجلس الثقافى البريطانى، أشار إلى أنه على الرغم من أن 34% من رؤساء الدول فى العالم قد درسوا فى الولاياتالمتحدة، مقابل 31% منهم درسوا فى بريطانيا، إلا أن نسبة الخريجين من الجامعات فى كلا البلدين تكشف أن الجامعات البريطانية قادرة أكثر بعشرة أضعاف من جامعات الولاياتالمتحدة على تخريج زعيم أو رئيس دولة، وأن واحدا من بين كل 50 ألف خريج من جامعات بريطانيا يصبح رئيسا لدولته، فى حين أن فى الولاياتالمتحدة فإن فرصة من يصبح رئيس دولة من بين خريجى جامعاتها، هى واحد من بين كل 500 ألف خريج. ومن الواضح أن العدد الكبير للطلاب الأجانب الذين يدرسون فى جامعات بريطانيا، يعتبر دليلا على الإقبال على الدراسة هناك، إقتناعا منهم بأنها لا تزال تمثل أعلى مستوى تعليمى فى العالم، بالإضافة إلى أن من تعلموا فى بريطانيا قد إقتربوا كثيرا من معالم الثقافة البريطانية فى مختلف المجالات الفنية والأدبية والثقافية والعلمية، بحيث أصبحوا أكثر إقترابا من الثقافة البريطانية وفهمها، وهذا هو أحد أهم مكاسب بريطانيا، بأن الذين تعلموا فى بريطانيا وعادوا إلى بلادهم يمثلون قوة ناعمة لهم فى دول العالم. إن أكثر ما يجذب الأجانب إلى التعليم فى بريطانيا، يكون فى البداية مستوى الدراسة بجامعاتها، لكنهم فى فترة الدراسة ينغمسون فى الحياة البريطانية بشكل عام، ففيها تراث ثقافى قديم تأثر به العالم، خاصة فى مجالات الأدب والرواية والمسرح، وهى مجالات جاذبة لكل من يعيش فى بريطانيا من الأجانب، فيكفى أن العالم كله شرقا وغربا، مازال يردد اسم وليم شكسبير، ويعرض أعماله ويدرسها فى كلياته المتخصصة، وكذلك الحال فى المجالات الثقافية الأخرى. وهذا الثراء الثقافى يترك تأثيره على من يدرسون فى بريطانيا، سواء أصبحوا رؤساء دول أو مواطنين عاديين، وهذا بالضرورة أحد مكونات القوة الناعمة لبريطانيا.