يوما بعد يوم تزداد لدى القناعة التى تلامس اليقين أن قطار التغيير والتطوير وزلزال نسف جمهورية الفساد التى بناها مبارك وضربتها بعمق ثورة 25 يناير لم يصل بعد إلى المحليات، وتحسين أوضاع وأحوال محافظات مصر وسكانها التى تثبت الدولة المصرية المركزية فى القاهرة أنهم مازالوا بامتياز مواطنين من الدرجة الثالثة، حيث صارت محافظاتهم وأوضاعهم للأسف أسوأ مما كان قائما فى عهد مبارك، كما رأيت ومناسبة هذا الحديث هو زيارة خاطفة لعدة ساعات قمت بها اليومين الماضيين لمدينة المنصورة عاصمة محافظة الدقهلية.. ولقد رأيت ويا هول ما رأيت تلك المدينة التى تحولت إلى أحدى مدن القرون القديمة من حيث الإهمال والقذارة والتسيب وانعدام النظافة والاهتمام، وعدم التناسق والقبح فى المنظر والمشهد. حيث فاجأنى المنظر الذى روعنى ووجدت نفس أشاطر واعزى سكان هذه المحافظة التى كانت يوما، كما زرتها أخر مرة منذ عشر سنوات عروس دلتا مصر، بل لا أبالغ أنها كانت تضاهى مدن دول البحر المتوسط.. ولكن ماذا حدث... زحف إليها الإهمال والتردى ليضربها فى مقتل، ويجعلها مثل غالبية محافظات مصر من السوء والفشل والخلل والتراجع. وهذا يعكس بالطبع فشل الدولة وحكومة محلب الذى جعلت من القاهرة الاهتمام الأكبر والاخير فقط، وتركت غالبية محافظات مصر بهذه الصورة من التردى التى وصلت المنصورة، حيث هالنى ما رأيت فيها من جبال القمامة الشاهقة المترامية بكثرة فى كل مكان، والتى تفوق فى الحجم والمساحة خط بارليف للعدو الإسرائيلى، ومعظم شوارع المدينة المفتوحة بطنها وجنباتها وتراجع وتقليص أن لم يكن انعدام للمساحات الخضراء التى اشتهرت بها لسنوات، أما حالة المرور والسير، فحدث ولا حرج، حيث لم أر شرطياً أو رجل مرور وأمن واحدا طيلة ساعات الزيارة الأمر الذى عكس حالة الفوضى التى تغص فيها تلك المحافظة، ولا أبالغ أننى تمنيت يومها أن يهبط الرئيس السيسى أو رئيس الحكومة إبراهيم محلب على تلك المحافظة بزيارة خاطفة، ودون ترتيب مسبق مع مسئوليها ليروا هذا الجحيم والتردى الذى ضرب واصاب أروع وأجمل محافظات مصر فى سالف الزمان لاشك عندئذ سيقدم الرئيس السيسى على تقديم مسئولى هذه المحافظة، وفى المقدمة بالطبع محافظها الذى لم أعلم اسمه حتى اللحظة لمحاكمة عاجلة، حيث من الصعب لمسئول فى هذا المكان يجلس على كرسى المسئولية فى هذه المحافظة، ويمثل رئيس الجمهورية فى هذا الاقليم ويتقاضى الاف الجنيهات من مستحقات هذا الشعب وخزينة الدولة ويترك مكانا مهما فى مصر بهذا القبح والخراب والتردى. فى اعتقادى أن مسئولية الفشل هذه ليس مسئولية هذا المحافظ أو ذاك من العابثين القابعين فى غالبية محافظات الجمهورية، بل مسئولية الرئيس والحكومة فى المقام الأول لأنهم تركوهم فى أماكنهم دون أن يسارعوا بتغيير معظم إن لم يكن سائر محافظى محافظات مصر، خاصة أننا نسمع عن قصة تغييرهم واختيار الاكفأ منذ الساعات الأولى لتولى الرئيس السيسى مسئولية رئاسة الجمهورية. وما يحزن النفس أن تحدث فى مصر ثورتان ورئيس الآن يحظى بشعبية جماهيرية، كاسحة كالسيسى، وتفشل الدولة بكل مسئوليها ومؤسساتها فى ضرب فساد المحليات هذه أو تقوى على تحسين أحوال وأوضاع سكان الاقاليم وانتشالها من حالة الفقر والإهمال والنسيان التى تدوى فى ميادينها حتى صار وضع سكانها صعبا ومركبا للغاية وأصبحت الحياة فيها شرا مطلقا، كما سمعت من البعض. وحتى الآن لا أهداف ومطالب الثورتين فى مصر وصلت إلى هذه المحافظات وصار أهلها وسكانها وطرقاتها وأوضاعها نسيا منسيا، ولا شهر السيسى سيف العدالة والرقابة والمحاسبة ليجعل مسئوليها ومحافظيها يتحسسوا رقابهم طيلة الوقت حتى صارت أوضاعها نسخة من كتالوج عصر مبارك، وبالتالى فالمحليات واختيار المحافظين مسألة لم تعد تحتمل ترف التأجيل أو التسويف، ولابد من العلاج بالصدمة حتى يشعر أهالى هذه المحافظات أن ثمة تغييرا ورئيسا جديدا يحكم مصر حاليا. وبالتالى لابد أن يكون أساس هذا النجاح المرجو فى هذه المحافظات هو اختيار محافظين اكفاء يتمتعون بخيال وقدرة على التنفيذ والابتكار والابداع والبناء حتى لو كانوا من رجال القوات المسلحة أى يعرفون كيف يتواصلون مع الناس وينسفون أوضاعهم السيئة فمصر ليست القاهرة أو الإسكندرية فقط بل هناك 25 محافظة أخرى تحتاج إلى معاول البناء والانجاز، وأن يرى سكانها ضوءا فى نهاية النفق، ولا تنس يا سيادة الرئيس السيسى دوما أنكم ترشحت وتوليت المسئولية لقيادة أمة فى خطر ودولة فى أزمة. لمزيد من مقالات أشرف العشري