هذا الشعار كان المفتاح الأصلح والشعار الأمثل الذى سارت عليه ماليزيا للعبور من ناقوس الخطر الذى تمر به غيرها من الدول المتقدمة والنامية، لتصير نموذجاً تحتذى به بقية الدول الآسيوية المجاورة، وكذلك الدول العربية والإسلامية التى تبحث عن حلول لتحقيق الاستقرار والتنمية على حد سواء. ومن خلال تطبيق بعض القوانين الصارمة التى يراها البعض نوعا من الحكم الاستبدادى وتقييدا للحريات، أغلقت ماليزيا قبل أيام ملفا كاد أن يزرع الشقاق فى مجتمعها ويؤدى إلى توتر أجواء السلم مسببا خسائر اقتصادية لا حصر لها قد تؤثر سلبيا على عجلة التنمية فى البلاد. فقد أثار مؤخراً حكم صدر بالسجن لمدة عشرة أشهر ضد الطالب الماليزى صفوان أنانج بتهمة التحريض ضد الحكومة والمطالبة بإقالتها خلال مسيرة العام الماضى غضب المعارضة والجماعات الحقوقية فى البلاد، وسط مخاوف من تجدد إجراءات القمع ضد منتقدى الحكومة، وما يترتب عليه ذلك من تأثير سلبى على حرية التعبير. ورغم أن إدانة صفوان لم تكن هى الأولى فى تاريخ المحاكمات السياسية المتعلقة بالتحريض على الحكومة الماليزية، فإن الحكم أحيا الأصوات المعارضة للسبب القانونى وراء هذا الحكم، وهو قانون «التحريض على العصيان» لعام 1948، والذى كانت السلطات الاستعمارية السابقة قد سنته لتكميم الأفواه وكبح المعارضة السياسية ضد حكمها لشبه الجزيرة. ورغم حصول ماليزيا على الاستقلال عام 1957، فقد ظل هذا القانون المثير للجدل سارياً بعد الاستقلال، وتم تفعيله بعد أحداث شغب مختلفة شهدتها البلاد. ويجرم هذا التشريع أى خطاب يمكن أن يثير الكراهية أو الازدراء أو السخط ضد الحكومة. كما تحمل الإدانة عقوبة قصوى تصل إلى ثلاث سنوات فى السجن أو غرامة قدرها ما يعادل 1600 دولار أمريكى أو كليهما. ولأنها مازالت تعطى الدروس للآخرين فى كيفية بناء الدولة المدنية المعاصرة، وإقامة نظام اتحادى متماسك، وخلق هوية وطنية جامعة بين قومياتها وطوائفها المختلفة، وتطبيقاً لمبدأ سيادة القانون، سعت ماليزيا إلى تهدئة الرأى العام والمعارضة على وجه الخصوص. وتعهدت بإلغاء القانون المثير للجدل وسن مشروع قانون «الوئام الوطنى» بدلا منه، والذى يهدف إلى تعزيز الوئام الوطنى وتحقيق مبدأ «الوحدة هى القوة»، وهى العبارة التى تتخذها ماليزيا شعاراً لها. ولكنها فى الوقت نفسه، أصرت على استمرار القانون وتطبيقه على الجميع لحين تغييره. وكما كان متوقعاً، أدانت المعارضة الماليزية أجندة الإصلاح السياسى لهذا القانون، واعتبرته ضربا من النفاق مادام أن قانون »الوئام الوطني« سيحل محله. وفى المقابل، بررت السلطات الماليزية لجوءها إلى قانون التحريض »القديم« فى التعامل مع واقعة »صفوان« بالقول إنه ما زال يمثل أداة حيوية لتقويض التعليقات، أو الأفعال التى تهدد بإذكاء الصراع العنصرى فى تلك الدولة متعددة العرقيات. ولم تتوقف ماليزيا عند هذا الحد، بل تعهدت بإجراء عدة إصلاحات سياسية منها: سحب قانون الأمن الداخلى الصادر عام 1960 والذى يسمح لقوات الأمن والجهات التنفيذية باعتقال المشتبه فيهم أو من يعتقد أنهم يشكلون تهديداً على الأمن الوطنى لأجل غير مسمي. ومن خلال هذه القبضة الحديدية التى اتبعتها ماليزيا فى سياستها، إلى جانب تبنى عدة استراتيجيات فعالة ذات طبيعة إنمائية، والتى كانت تهدف إلى خدمة الوحدة الوطنية فى الوقت نفسه، استطاعت هذه الدولة الواقعة فى جنوب شرقى آسيا خلال أقل من ربع قرن أن تنتقل من مجتمع بدائى يتسم بانخفاض مستوى المعيشة وتنوع أصوله العرقية والدينية والثقافية، ومن بلد كان لا ينتج سوى المطاط، إلى كيان صناعى وتكنولوجى مزدهر يتسابق مع أكبر دول العالم، إذ شهد طفرة اقتصادية هائلة وخضع لتطور سريع نجح خلاله فى تقديم نموذج فى التعليم، وتنمية الموارد البشرية، والسياحة، وجذب الاستثمارات الأجنبية، حتى أصبح نموذجاً يحتذى به وله تجربته الخاصة التى اعتبرها «معجزة». وبلغة الأرقام، ووفقاً لآخر إحصائيات، حققت ماليزيا معدلات نمو وصلت إلى 9% لسنوات طويلة. ولم يكن معدل التضخم فيها يزيد عن 3 أو 4% سنوياً. كما استطاعت من خلال الوحدة الداخلية التى تعد من أهم أسرار نجاح تجربتها، القضاء شبه الكامل على شبح الفقر، حيث لا يتجاوز نسبته فيها 1% من السكان. كما يبلغ متوسط دخل الفرد أكثر من 14 ألف دولار سنويا. ورغم وجود جانب مظلم ومشكلات أخرى غير معلنة تواجه ماليزيا مثل انتشار الفساد والجريمة، فإنها تسعى دائماً إلى إظهار الجانب المضيء والمبهر، وهو ما يعد درساً آخر لم تدركه دول كثيرة من أجل الوصول إلى ما هو أفضل بين غيرها من دول العالم. وهكذا، طبقت ماليزيا القانون بصرامة، واختارت الحفاظ على هيبة الدولة لا إرضاء المعارضة والمنادين بفتح باب الحريات على مصراعيه، ولا الذين يهتفون باسم «صفوان». وحتى تعديل القانون، يبقى الحال على ما هو عليه، مهما كانت أصوات المعارضين والمنتقدين فى الداخل والخارج.