بعد أقل من شهرين من فوز حزبه في الانتخابات البرلمانية وفي محاولة لاثبات حسن النوايا وتهدئة المعارضة, جدد رئيس الوزراء الماليزي نجيب رزاق تعهده بالغاء قانون التحريض الذي ينتمي لفترة الاستعمار البريطاني ومواصلة الاصلاحات السياسية في البلاد. وقال رزاق في حديث لل'بي بي سي' الاسبوع الماضي' سنلغي القانون ولكننا نريد الحفاظ علي حالة السلام والوئام في ماليزيا'موضحا أن القانون, الذي أصدره الاحتلال البريطاني في عام1984 كاداة قمعية نافذة للتصدي لأي محاولة لانتقاد التاج البريطاني,لم يستخدم سوي ضد من يحاولون المساس باستقرار البلاد.وأشار رزاق إلي أن حكومته قد اثبتت حسن نيتها بالفعل اذ قامت بالغاء قانون الأمن الداخلي والذي كان يسمح باحتجاز المشتبه في تشكيلهم تهديدا للأمن الوطني لأجل غير مسمي ودون محاكمة.كما تم الغاء قانون آخر كان يحتم علي اصحاب الصحف تجديد رخصة الطباعة سنويا. ويري البعض أن حديث رزاق لل بي بي سي ربما يثير حفيظة المعارضة أكثر مما يهدئها حيث أن هناك تلميحا إلي امكانية الاحتفاظ ببعض البنود التي قد تضمن' السلام والوئام' مما يعني استمرار فرض الحصار علي حرية التعبير.وتري منظمة العفو الدولية ومنظمات حقوق الانسان أن حملة الاعتقالات التي شنتها السلطات الماليزية ضد رموز المعارضة, عقب ظهور نتائج الانتخابات وخروج مسيرات احتجاجا علي تزويرها,تؤكد أن الحكومة الماليزية تستخدم القانون لقمع المعارضة السياسية. واشار نشطاء بمنظمات حقوق الانسان إلي أن اللغة المستخدمة في صياغة بعض بنود قانون التحريض مطاطة للغاية وغير واضحة خاصة تلك التي تجرم استخدام كلمات قد تهدد بنشر الكراهية أو الازدراءأو الانقسام أو العداء بين الأعراق أو تللك التي تهدد بالانقلاب علي الحكومة. ومن جانبهم ادان عدد من ممثلي المعارضة أجندة رزاق الاصلاحية مشيرين إلي أنه لا توجد نية حقيقية من جانب الحكومة لالغاء قانون التحريض الذي ينتمي لعهد الاستبداد كلية.,وذلك علي الرغم من وجود نصوص كافية بالقانون الجنائي للبلاد تعاقب علي التحريض.ففي العام الماضي وقبل أشهر من اجراء الانتخابات تعهد رزاق بالغاء القانون واستبداله بما أطلق عليه' ميثاق الوئام الوطني'بما يسمح بمزيد من الحريات مع ضمان الحفاظ علي استقرار البلاد,وحتي الآن لم يذكر شيئا عن هذا الميثاق أو ما سيحتوي عليه من بنود وهو ما يثبت,علي حد قول نورال أنور ابنة زعيم المعارضة أنور ابراهيم, أن التعهد بالغاء القانون كان مجرد نفاق سياسي لكسب الأصوات. هذه الشكوك في نيات حكومة رزاق تهدد بعرقلة المصالحة الوطنية التي يصفها المحللون بأنها أكبر التحديات التي تواجه حكومة رزاق في الفترة المقبلة.فرئيس الوزراء يدرك تماما أن نجاح ائتلاف الجبهة الوطنية الحاكم في ماليزيا في البقاء في السلطة للفترة الثالثة عشر علي التوالي وحصوله علي أغلبية المقاعد في البرلمان في الانتخابات العامة التي أجريت في مايو الماضي كان فوزا بطعم الخسارة. فلأول مرة خلال44 عاما منذ توليه السلطة في البلاد في عقب الاستقلال في عام1957 فشل الائتلاف الحاكم في الفوز بخمسين في المائة في التصويت الشعبي حيث كشفت النتائج عن حصول الجبهة الوطنية علي47.5 من الأصوات فقط مقابل51 في المائة لتحالف المعارضة بزعامة نائب رئيس الوزراء الأسبق أنور ابراهيم.أما فيما يتعلق بمقاعد البرلمان فقد فاز الائتلاف الحاكم, الذي يضم13 حزباب133 مقعدا من بين اجمالي222 مقعدا بخسارة7 مقاعد مقارنة بانتخابات.2008 ووصف المراقبون اداء الائتلاف الحاكم في الانتخابات بأنه الأسوأ في تاريخه وحذروا من أنه قد يهدد مستقبل رزاق السياسي ويهدد فرص اعادة انتخابه زعيما لحزب' المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة' في الانتخابات التي ستجري في الخريف المقبل. واخطر ما كشفت عنه نتائج الانتخابات هو الانقسام الحاد ليس فقط بين العرقيات المختلفة في البلاد ولكن بين الحضر والريف.ففي حين اتهم تحالف المعارضة الائتلاف الحاكم بتزوير الانتخابات القي كثيرون بالائتلاف الحاكم وعلي رأسهم نجيب رزاق بتبعية ادائهم السيئ في الانتخابات علي ما وصفوه ب'التسونامي الصيني' و' الاستقطاب العرقي'أي تصويت نسبة كبيرة من الناخبين الذين ينتمون للأقلية الصينية والتي تمثل25 في المائة من سكان البلاد لمصلحة المعارضة. وبرر المحللون التسونامي الصيني بانه نتيجة طبيعية ورد فعل انتقامي علي عقود طويلة من السياسات التمييزية التي يطبقها الائتلاف الحاكم لمصلحة عرق الملايو ذي الاغلبية في البلاد.بينما يري محللون آخرون أن التصويت في الانتخابات جاء كاشفا للانقسام بين الريف والحضر.ففي حين يعد الريف معقلا للائتلاف الحاكم حيث الأغلبية من الملايو إلا أن الطبقة المتوسطة من الملايو في المدن قد ضاقت ذرعا بانتشار الفساد وعدم المساواة في الحقوق السياسية والاقتصادية تحت حكم الجبهة الوطنية خاصة مع ادراكها ان السياسات التمييزية لمصلحة الملايو تساعد علي توسيع نطاق الفساد والمحسوبية وبصورة غير مباشرة تكميم الأفواه.ولهذا جاء تصويت المدن لمصلحة المعارضة وهو ما يوضح أن أمام رزاق طريق طويل وصعبا لتحقيق المصالحة الوطنية التي ستضمن الاستقرار للبلاد وليس قانون التحريض.