بعث د. بهجت فرني برسالة صريحة في مقاله الأسبوع الماضي تحت عنوان «الجيش والسياسة ما الجديد» مفادها أن عجلة التاريخ والسياسة يديرها الجيش منذ عام 1952م وحتى هذه اللحظة، جاء مصطلح السياسة تابعا لمصطلح الجيش، وتساءل ما الجديد؟ وسؤاله بالغ الدقة ، يدل على حنكة منهجية ودبلوماسية لكنه جاء مجتزئا لحصره الظاهرة في العالم الثالث في عالم قال عنه إنه شهد تغيرات صورها في ملامح عصر العولمة وثورة المعلومات مؤكداً أن هناك سباقا عالميا يؤطر للجميع، والزج بمصر ومقارنتها ببعض الدول العربية أو دول العالم الثالث ظالمة منذ بدايتها. سأحاول أن أفند لماذا مصر لها خصوصية عصية على الفهم أحيانا خاصة لدى المستشرقين و الجيش المصري ليس كجيوش العالم الثالث، فلم يقع انقلاب يوليو 1952 طمعاً في سلطة وتسارع توابعها حولها إلى ثورة، ومن ثم فالمقارنة بجيوش تونس وسوريا والعراق وليبيا واليمن في غير موضعها ووجود رئيس من مؤسسة بعينها لا يعني أن الدولة خضعت لمنظومتها. فالقضية هي اختيار نظام حكم بعينه نعم كان شمولياً في عهد عبد الناصر برغم أن رؤساء حكومات عهده ووزرائها كانوا من التكنوقراط. ،حاول السادات تصحيح المسار بتعددية فوقية لكنها تقوقعت أمام حزب الرئيس، ما لبث أن قزمها مبارك تماماً، فمن ندين؟رأس النظام أم السياسة (الأحزاب) التي عجزت عن منافسة الإخوان والسلفيين (حديثي السياسة) ومن قبلهما الحزب الوطني غير الديمقراطي، وشهدنا عجز السياسة حتى عند تقديم قيادة شعبية تنافس مرسي على الرئاسة وهو القادم من المجهول ، وكانت المأساة التي شهدتها مصر لعام كامل تحت كبوة الإخوان. ألم تكن مصر فريدة حتى فيما سمي الربيع العربي؟ هل هناك شباب شعب قام بثورتين وخلع رئيسين في عامين في ظل موت كامل للسياسة والأحزاب. وأعنى بالشباب هنا المستقبل، لكن هذا المستقبل الذي حرك المياه الآسنة ودفع ثمن الحرية شهداء ومحاكمات لتطهيرها، بحث عن السياسة فوجدها تحجرت مكانها لم تبرحه منذ تأسيسها ، كان الجيش على موعد مع المستقبل عندما غابت السياسة، ولم يكن من مفرٍ من أن يكون الجيش هو الملاذ وبرغم أخطائه في الانتقالية الأولى لكنه نجح في عدم الاستدراج إلى حرب أهلية. أما الاستدعاء الثاني للجيش فجاء بمطالبة الشعب، وهو ليس تاجراً فاشلاً بل كان تاجراً ذكيا.. ولم يكن موت السياسة فقط بل كان الحس الوطني دافعا ومطالبا باستدعاء جيشه ولأنه يدرك أنه ليس جيش نخبة أو طبقة أو حزب بل هو جيش وطني منذ أن أسسه محمد علي باشا لا يثور إلا دفعاً لظلم جائر منذ وقفة عرابي وحتى الآن . من هنا كان وصف الوطني معنى ومغزى، فالجيش من القائد العام إلى آخر جندي كونه قطاعا رأسيا لشرائح مجتمعية عرضية يمثل كل طبقاته وفئاته ، هذه التوليفة الوطنية غير موجودة في عالمنا الثالث. إن وجدان كل جندي في الجيش المصري يعلنها صراحة قولاً وفعلاً مصر أولاً. أنا أوافق أن ما طرحه د. بهجت إنما يدعو للمراجعة... وتساؤله ما الجديد؟ قد يفهمه باحث مدقق هو ماذا بعد ثماني أعوام؟و ماذا بعد السيسي؟ خاصة أن الدستور حدد دورتين، خاصة وأن الشعب لن يقبل أو يرضى بتعديل دستوري على غرار ما تم في دستورين سيئى السمعة على التوالي 1971م 2005م ، بشأن انتخاب الرئيس وإجابة السؤال الذي عرضته في صيغتين أن مستقبل النظام السياسي سيحدده من جاء بالسيسي إلى سدة الحكم والرئيس يدرك ذلك تماماً، وأزعم أن الإدارة السياسية تفكر من الآن في ذلك، فلن يقبل الشعب توريثا مؤسسيا ، كما لم يقبل توريثا عائليا، ورغم أن خبرتي في إدارة الأزمات جعلتني متشائماَ دائماً ، بهدف البحث عن أمل للخروج من الأزمة، إلا أن هذه المرة متفائل من خلال مؤشر جاء بتكليف كل وزير أن يكون له مساعدين من الشباب، والمتوقع وهذا تنبؤ وقراءة لشخصية الرجل أن الرئيس يفكر في نائب له، ولكن الأمر يحتاج بعض الوقت، ولن يقول الرجل ما قاله مبارك أنه لم يعثر على نائب طوال ثلاثة عقود . لقد استدعت السياسة الجيش بحثاً عن المستقبل وليس العكس، أما الجديد الذي يسأل عنه د. بهجت فهو: رفضنا لدولة الإرهاب التي جاء بها الإخوان.وهو إصرارنا على دولة مدنية. وهو خريطة مستقبل حظيت بموافقة أغلبية الشعب، وهو مشروع قناة السويس الجديد، وهو المصري الذي قرر أن يتحمل مسئولية اختياره وجلب تحويشة العمر ليشتري بها شهادات (مشروع القناة). وهذا هو الجديد الأهم . أما الجديد القادم فهو مجلس نواب محترم بلا فلول .. بلا إخوان بلا متشددين .. وعندها سيكون لنا حديث آخر. لمزيد من مقالات د. عبد الغفار الدويك