لنختلف نحن المصريين، كما نشاء، حول أي أمر أو شأن، لكن هناك خمسة حقوق يجب أن يقر بها، كل منا لآخر، وأن نتفق عليها، باعتبارها حقوقا لنا جميعا، لن يفرط أي منا في أي منها، لنفسه أو لغيره من المصريين، ولن نسمح لأي نظام سياسي يحكمنا، بأن يفرط فيها، أو يستخف بها. أولا: الحق في الحياة أول هذه الحقوق: حفظ الحق في الحياة، واحترام حرمة وقدسية الدماء، وحماية الكيان المادي والمعنوي للإنسان..قال تعالى: "وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيما".(النساء: 93). وعن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ وَيَقُولُ: مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ.. مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ.. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ مَالِهِ وَدَمِهِ وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلَّا خَيْرًا". (صحيح بمجموع طرقه، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب"). ثانيا: الحق في الحرية الحق الثاني هو الحق في الحرية.. فشهادة التوحيد شهادة تحرير للإنسان..والحرية والتحرر من أركان الرسالة الخاتمة للإسلام. والحرية صفة فطرية في الإنسان فطر الله الناس عليها. يولد بها الإنسان، ولا يحق لكائن أن يسلبه إياها، أو يعتدي عليها. قال تعالى: "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ".(البقرة:256). ينفي القرآن الكريم الإكراه في الدين ب"لا" النافية للجنس نفيا شاملا مستغرقا لجميع أنواعه، وصوره، وأفراده، ويترتب على ذلك النهي عنه، وترتيب العقاب عليه. جاء في كتاب "الولاية على البلدان"، أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال لعمرو بن العاص: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟" كان الناس هنا نصارى غير متدينين بالإسلام، لكنهم من خلق الله، الذين استحقوا التكريم بالحرية. ويتفرع عن حرية الاعتقاد الديني الحريات المدنية كافة، كحرية التملك والتصرف، والحرية الفكرية، والسياسية، وحرية الرأي والتعبير.. إلخ. ثالثا: الحق في المساواة: هو الحق الثالث لكل كائن، وليس لكل مصري فقط.. فالناس سواسية أمام الله تعالى، وإنما يتفاضلزن بأعمالهم. قال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".(الحجرات: 13). وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس: إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر، إلا بالتقوى".(ذكره الألباني في صحيح الترغيب). فالناس كلهم سواء في القيمة الإنسانية. ولا يجوز تعريض حياة شخص لخطر أو ضرر بأكثر مما يتعرض له غيره. وأي فكر أو تشريع أو وضع يسوغ التفرقة بين البشر على أساس الجنس أو العرق أو اللون أو اللغة أو الدين هو مصادرة مباشرة لهذا المبدأ الإسلامي العام، بحسب تعبير الدكتور محمد سليم العوا، في "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان". رابعا: الحق في العدل: قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ".(النحل: 90). وقال شيخ الإسلام إبن تيمية: "إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة". (مجموع الفتاوي). فالظلم سبب خراب البلاد، وهلاك العباد، فإذا كانت الدولة كافرة، لكنها تحكم بالعدل، تقوم الدولة، وتستمر طويلا، والتاريخ يشهد بهذا، وعلى العكس من ذلك، إذا بغى الحكام، وجاروا على العباد؛ لن تستقر الأوضاع بتلك البلاد أبدا. خامسا: الحق في تحقيق الذات: لكل فرد الحق في أن يختار ما يلائم مواهبه، وقدراته. قال -صلى الله عليه وسلم-: "اعملوا فكل ميسر لما خُلق له".(رواه الشيخان). فلكل فرد الحق في الحصول على كفايته من ضرورات الحياة.. من طعام وشراب وملبس ومسكن، وما يلزمه من صحة بدنه من رعاية، وما يلزم لصحة روحه وعقله من علم ومعرفة، في نطاق ما تسمح به موارد الأمة. قال -صلى الله عليه وسلم-: "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، فمن ترك دينا أو ضيعة (ذرية ضعافا يخشى عليهم الضياع) فعليَّ، ومن ترك مالا فلورثته".(رواه الشيخان). وللمجتمع أن يساعد كل فرد فيه على العمل، والنبوغ، وتحقيق الذات. ولفقراء الأمة حق مقرر في مال الأغنياء، نظمته الزكاة. قال تعالى: "وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُوم ٌ* لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ".(المعارج:24- 25)، وهو حق لا يجوز تعطيله، ولا منعه، ولا الترخص فيه. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد