حياة الإنسان في هذه الدنيا تقوم علي أمور خمسة حفظ النفس والعقل والدين والمال والنسل وتعد هذه الضروريات الخمسة مهمة له من حيث هو إنسان. كما تعد أصولاً راسخة لحقوقه العامة التي ينادي بها المجتمع الإنساني في العصر الحديث والتي لا تتوافر الحياة الإنسانية الرفيعة إلا بها. ولاشك في أن تحقيق هذه المطالب الخمسة يحقق للإنسان مصلحة حقيقية في دينه ودنياه. ومن هنا جاءت الشرائع السماوية للمحافظة عليها. كما أن الشرائع الوضعية تحاول أن تحققها. وهذه الضروريات الخمس حقوق أساسية كفلها الإسلام للإنسان والتي تتمثل في الآتي: * حفظ النفس: لقد كرم الله تعالي الإنسان وفضله علي كثير من مخلوقاته. قال تعالي: "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا" سورة الإسراء: .70 واستخلفه سبحانه وتعالي في الأرض. وحمله مسئولية عمارتها. ولن يستطيع الإنسان أن يؤدي واجبه ويتحمل مسئولياته ويقوم بحق هذه الخلافة إذا لم يأمن علي حياته. "والحق في الحياة مكفول لكل البشر بلا استثناء. بصرف النظر عن أجناسهم وألوانهم ومعتقداتهم. لا فرق في ذلك بين غني وفقير أو حاكم ومحكوم. ولا فرق بين الرجال والنساء. فالمرأة لها حق الحياة كالرجل تماماً بتمام. قال صلي الله عليه وسلم: "إنما النساء شقائق الرجال". والعدوان علي فرد واحد يعد عدوانا علي البشرية كلها. لأنه جزء من هذا الكل قال تعالي: "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا" سورة المائدة: .32 وحرمة النفس المؤمنة أعظم عند الله من حرمة الكعبة. كما جاء في قول النبي صلي الله عليه وسلم مخاطباً الكعبة: "ما أطيبك! وأطيب ريحك! ما أعظمك وأعظم حرمتك! والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك". وقال صلي الله عليه وسلم: "لزوال الدنيا أهون علي الله من قتل مؤمن بغير حق". * حفظ العقل: وإذا كان الإنسان في حاجة إلي حفظ نفسه وحمايتها فإنه في حاجة إلي حفظ العقل الذي به الفهم والإيمان والإرشاد إلي الطريق المستقيم. وبه يتميز الإنسان عن الحيوان. وقد نوه الإسلام بشرف العقل وعول عليه في أمور العقيدة والمسئولية والتكليف. ولا تأتي الإشارة إلي العقل في§ القرآن الكريم إلا في مقام التعظيم والتنبيه إلي وجوب العمل به والرجوع إليه. وذلك ما يؤخذ من جميع الآيات القرآنية التي وردت الإشارة فيها إلي العقل. وقد وعي رجال الفكر الإسلامي القيمة الكبري التي يسبغها الإسلام علي العقل فوصفه الإمام الغزالي بأنه" أنموذج من نور الله" ووصفه الجاحظ بأنه "وكيل الله عند الإنسان". إن من العدوان علي العقل تقديم الزاد الثقافي الفاسد له ومنع مصادر التثقيف السليم عنه. أو القيام بعمليات غسيل مخ لمن يراد أن ينقادوا لهم كالقطيع. أو غير ذلك من وسائل أخري تهدف إلي الإضرار بالعقل الإنساني علي أي نحو. لقد رفض الإسلام التبعية الفكرية والتقليد الأعمي. وقد حذر النبي عليه الصلاة والسلام من التقليد الأعمي للآخرين قائلاً: "لا تكونوا إمعة تقولون: إن أحسن الناس أحسنَّا وإن ظلموا ظلمنا. ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا". ومن حق الإنسان أن نكفل له حرية التفكير والتعبير عن رأيه وطرح وجهات نظره دون حجر علي رأيه أو مصادرة لفكره. بشرط أن تكون هذه الحرية مسئولة. ولا تعتدي علي مقدسات أو معتقدات الآخرين. وإلا أصبحت الأمور فوضي لا ضابط لها ولا نظام. وأخيراً فقد حرم الإسلام العدوان علي العقل الإنساني بأي شكل من الأشكال. ومن ذلك عدوان الشخص نفسه علي عقله بتدميره عن طريق تعاطي المخدرات التي تفسده وتشل فاعليته. وتضر بالتالي بالمجتمع الذي يعيش فيه. * حفظ الدين: يعد الدين في ذاته حاجة فطرية للإنسان من حيث هو إنسان. ومن عرف علماء الأديان الإنسان بأنه "كائن متدين" لأنه الكائن الوحيد من بين كل الكائنات الذي يميل إلي التدين بطبعه. فالتدين خاصة من خواص الإنسان. وتشترك الأجناس البشرية كلها في الغريزة الدينية. وهذا ما جعل أحد المفكرين الغربيين "برجسون" يقول: "لقد وجدت وتوجد جماعات إنسانية من غير علوم وفنون وفلسفات. ولكنه لم توجد أبداً جماعة بغير ديانة". وحاجة الإنسان إلي الدين ليست مجرد إشباع نزعة فطرية لديه مثل بقية حاجاته الأخري. وإنما هو. فضلاً عن ذلك. في حاجة إلي الدين لأنه منهج للهداية ومرشد للسلوك ومهذب للنفوس بما يشتمل عليه من توجيهات الهيئة صادرة من خالقه الذي يعلم علم اليقين ما يصلح هذا الإنسان وما يفسده. "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" سورة الملك آية: .14 ولذا عندما نعد من الحقوق الأساسية للإنسان: حماية عقيدته الدينية. فإننا نركز علي نزعة فطرية أصيلة في نفس الإنسان لا تستقيم حياته بدونها. ومن هنا نري في عالمنا المعاصر مقدار ما يعانيه الإنسان في العصر الحديث من تمزق نفسي بسبب الفراغ الروحي. الأمر الذي يجعله كالمعلق بين السماء والأرض لأنه يفتقد الأساس الراسخ الذي يركن إليه. ويفتقد الإيمان الذي يملأ جوانب نفسه بالسكينة والطمأنينة.