اعتاد كثير من الناس الخوض في أعراض الآخرين علي وجه التسلية. فلم يراعوا الحرمات التي عظمها الإسلام. وحذرنا الرسول. صلي الله عليه وسلم. من انتهاكها في خطبة الوداع. فقد أخرج الشيخان من حديث أبي بكره : أن النبي. صلي الله عليه وسلم. قال : "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام". واكتفي الإسلام بتحريم الخوض في أعراض الآخرين بغير حق. وجعلها من الكبائر العظام في الآخرة. ولم يشأ أن يجعل لها عقوبة محددة في الدنيا حتي يتكارم الناس فيما بينهم. ويحترم بعضهم بعضاً بالخلق التلقائي وليس بسيف القانون. فلا نملك علي الخائضين في أعراض الناس إلا الصبر بالنصيحة والموعظة بالحسني والتربية بالرفق. لأن تغيير مثل تلك العادات القبيحة يحتاج إلي صبر وطول زمن. قال تعالي : "وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها" [طه : 132]. وقال تعالي : "ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين" [النحل : 125]. وفي حال اليأس من الإصلاح الأدبي أو الأخلاقي فإنه يجب علي داع الإصلاح أن يتحول عن أولئك الذين رفضوه. لأنه ربما كان تركهم للفضيلة بسبب شخصه. فلا يجوز أن يكون عائقاً بينهم وبين رجاء توبتهم وصلاحهم. قال تعالي : "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين" [الأعراف : 199]. وعلي هذا المصلح الذي يترك مجالس الجهالة أن يحيل إليهم مصلحاً آخر أكثر منه صبراً. وأحسن منه حكمة. لأن تقويم الاعوجاج الاجتماعي فرض كفاية لا يسعنا تركه. قال تعالي : "لعن الذين كفروا من بني إسرائيل علي لسان داود وعيسي بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون" [المائدة : 78 . 79]. وما كانت خيرية هذه الأمة الإسلامية إلا بالتناصح كما قال تعالي : "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" [آل عمران : 110]. وعلي مجالس الغيبة ومساعي النميمة أن تحذر مقت الله وغضب الله. وأن يهب منها رجل رشيد أو امرأة رشيدة يذكرهم أو تذكرهم بقول الله تعالي : "إنما المؤمنون اخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون. يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسي أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسي أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون. يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم. يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" [الآيات : 10 13]. وليعلم كل أحد من البشر صغيراً أو كبيراً. ذكراً أو أنثي أو غنياً. مسلماً أو غير مسلم أن الله تعالي قد تعهد بإنصافه من نفسه ومن غيره. لأن الإنسان أكرم مخلوق علي الله. والله هو الحق. وقد أخرج ابن ماجة من حديث ابن عمر. قال : رأينا النبي. صلي الله عليه وسلم. يطوف بالكعبة ويقول : "ما أطيبك وأطيب ريحك. ما أعظمك وأعظم حرمتك. والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله تعالي حرمة منك. ماله ودمه وأن يظن به إلا خيراً".