لم تكن مناقشات المؤتمر الدولى الثالث والعشرين الذى نظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية أمس الأول بالقاهرة، تحت عنوان: »خطورة التكفير والفتوى بدون علم على المصالح الوطنية والعلاقات الدولية«، وقفا على كشف زيف التكفيريين الذين يستحلون الدماء والأعراض والأموال بغير حق ويفسدون في الأرض، استنادا إلى فتاوى مشبوهة وباطلة وآراء فقهية فاسدة. فقد تنوعت محاور وبحوث المؤتمر الذى شارك فى أعماله وزراء أوقاف ومفتون وعلماء من 41 دولة وإسلامية وأجنبية حول آليات مواجهة ظاهرة الفكر التكفيرى فى المجتمعات الإسلامية والعلاقة بين التطرف والإرهاب والتكفير والأسباب المؤدية لتلك الظاهرة المقيتة وموقف الدين الإسلامي من ذلك. واصدر المؤتمر عددا من القرارات والتوصيات الفاعلة لمواجهة التطرف كان من أهمها التنسيقُ بين وزارات الأوقاف ومؤسسات الإفتاء والمجامع العلمية والفقهية -في القضايا الكُبرى التي تهم الأمة بعيدا عن أية مؤثرات أو توجهات سياسية، وتأصيل وتجديد الفهمِ الشرعيِّ الصحيح للمُصطلحات الشائعة في المجتمع الإسلامي مثل: الجهاد، والحسْبَة، والولاء والبراء، ودار الحرب، ودار الإسلام، وطبيعة العلاقة بينهما، والحكم بما أنزل الله ، بما يتناسب مع معطيات العصر ومستجدات وفي ضوء الثوابت الراسخة، وتصحيح المفاهيم الخاطئة فيما يتعلق بها، حتى لا تحدُث بلبلة في المجتمع. ولكن المحور الأهم فى مناقشات المؤتمر تركز حول مخاطر الفتوى بغير علم، وسبل التنسيق بين دور الإفتاء الإسلامية لوضع ضوابط للحد من فوضى الفتاوى التى أدت الى اقتتال أبناء الدين والوطن الواحد. وأكد المفتون ووزراء الأوقاف والشئون الإسلامية بالدول العربية والإسلامية، أن الفتوى تحتاج إلى متخصص مؤهل لها، وأنه لا ينبغي لمن ليس أهلا لها أن يبتعد عن ساحة الفتوى، لأنه يعرض نفسه باقتحام مجالها وهو غير مؤهل لها لغضب الله من جهة، وقد تؤدي فتواه إلى مفسدة للفرد أو للمجتمع، لا يمكن تدارك آثارها. كما أوضح علماء الأمة الإسلامية أن ترك شيوخ الفضائيات يفتون بدون علم أشد خطورة لتوفير نافذة لهؤلاء يسيطر عليها الجهلة وغير المتخصصين الذين يفتون بدون علم، مطالبين الأزهر بالإسراع بإطلاق عدة قنوات متخصصة لنشر التدين الصحيح على يد العلماء وليس الجهلة، موضحين أن غلق الفضائيات الدينية جاء من باب درء المفسدة. كما طالبوا الإعلاميين بوضع ميثاق شرف إعلامي ينص على الاستعانة بالأزهريين فى مناقشة التخصص الديني. آداب المفتي والمستفتي ويرى الدكتور إسماعيل على عبد الرحمن، أستاذ أصول الفقه بجامعة الأزهر، أن حماية المجتمع من الفكر التكفيري تكمن في تحصين الشباب بتوجيه النصح والإرشاد لهم إلى وسطية الإسلام لأن أمتنا وسطية في كل شيء، وتحذيرهم من الغلو والتشدد في الدين حيث قال صلى الله عليه وسلم: »إن الغلو في الدين أهلك من كان قبلكم« وطالب بمراجعة المناهج الدراسية، وتوضيح خطورة كل فكر منحرف سواء أكان تكفيريا أو إلحاديا، وتخصيص برامج ثقافية من ناحية الإعلام والتحصين من هذا الفكر المنحرف . فتنة الفضائيات ويقول الدكتور سيف الدين رجب قزامل، عميد كلية الشريعة والقانون بالأزهر، إن التصدى للفتاوى المشبوهة والباطلة، بالإضافة إلى عدم السماح لغير المتخصصين بتناول موضوعات دينية فى وسائل الإعلام المختلفة، وقصر الرد على الفتاوى على خريجى جامعة الأزهر، والمشهود لهم بالكفاءة العلمية، بالإضافة إلى إنشاء شعبة فى الكليات الشرعية للفتاوى بعد الليسانس لمدة عامين. وأوضح، أن الناس في حاجة إلى الفتوى الصحيحة المستمدة من صحيح الدين ووسطيته لإصلاح حالهم وأداء الحقوق للآخرين، فالفتوى بغير الأدلة الشرعية - والمبنية على غير علم - تعتبر حراماً ومن الكبائر لأنها كذب على الله. كما طالب بضرورة نشر الوعي بأن المفتي بغير الحق هو ضال ومضل وعلى المجتمع اجتنابه، وبإيجاد قناة دينية تبث برامجها باللغات المختلفة غير العربية. وشدد على ضرورة أن يقوم الأزهر ورجاله بالتصدى للفتاوى المشبوهة والباطلة، بالإضافة إلى عدم السماح لغير المتخصصين بتناول موضوعات دينية فى وسائل الإعلام المختلفة، وقصر الرد على الفتاوى على خريجى جامعة الأزهر، والمشهود لهم بالكفاءة العلمية، بالإضافة إلى إنشاء شعبة فى الكليات الشرعية للفتاوى بعد الليسانس لمدة عامين. لا للتعصب وحول الأسباب المؤدية الى ظاهرة التكفير يقول الدكتور مصطفى محمد عرجاوي، عميد كلية الدراسات العربية والإسلامية بجامعة الأزهر، أن هناك أسبابا عامة وأخرى خاصة، فمن الأسباب العامة: الافتقار إلى التفكير فى القواعد والمقاصد الشرعية، مؤكدًا أن التعصب الأعمى للجماعة أو الطائفة أو المذهب هو من الأسباب المؤدية إلى ظاهرة التكفير، وأن ترك الشباب بلا رعاية فى بيئة غير سوية والمعاناة من الاضطهاد أو الشحن العاطفي غير المرشد، والفراغ بلا هدف منشود، وضعف المخزون المعرفى والشرعى، وضعف التواصل الفكرى بين العلماء وطلبة العلم، وكذلك الفقر والبطالة وما لهما من تداعيات على الأمة، وحجب العقل بالتلاعب على العواطف، كل هذا يؤدى إلى التكفير، وعن أسباب التكفير قديمًا قال : إن النزاع المسلح حول أحقية الخلافة وظهور العصبية القبلية أهم هذه الأسباب ، ثم تحدث عن الأسباب الخاصة المؤدية إلى التكفير قائلاً : إن الجهل والتقليد الأعمى واعتماد المذاهب الشاذة بالهوى، والسخرية من العلماء والاستهانة بهم، وانتشار الإلحاد ببعض المجتمعات يُعد من أهم الأسباب الخاصة. كما أن التأثير السلبي لبعض وسائل الإعلام بإثارة المشاعر، وتأجيج التعصب فى نفوس الشباب يؤدي إلى انتشار ظاهرة التكفير. وتوحيد لجان الفتوى في الدولة، وإنشاء هيئة للفتوى في القاهرة بشكل خاص تتكون من علماء الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء ولا يُسمح بالإفتاء إلا من خلالها أو من خلال فروعها المنتشرة في الدولة على أن يلتزم الجميع بعدم المخالفة للفتوى الصادرة من إدارة الهيئة بالقاهرة. متاجرة بالدين من جانبه يرى الدكتور حامد أبو طالب، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إن بعض القنوات سلكت سلوكا معيبا يمثل استغلالا للفتوى وحاجة الناس إليها للحصول على مبالغ كبيرة، وذلك بتخصيص أرقام هواتف خاصة محمولة أو موضوعة للاتصال ولكن أجر المكالمة كبير جدا بالنسبة للسعر العادي والمتصل لا يعرف ذلك، والأدهى والأمر أن متلقى السؤال لا يجيب مباشرة، وإنما يسأل عن اسم السائل وعمله وغير ذلك، ثم يحيله إلى شخص آخر ليطرح عليه السؤال، ثم يحيله إلى المفتى، كل ذلك بقصد استهلاك الوقت ورفع تكاليف الفتوى وهو نوع من المتاجرة بالدين.وأضاف فى بحثه الذي حمل عنوان »فتاوى الفضائيات حكمها وآدابها«، أمام المؤتمر الثالث والعشرين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، أن حكم فتاوى الفضائيات تعتريها الأحكام سواء بالنسبة للمستفتى أو المفتى أو مالك القناة. وحول ضوابط وشروط الافتاء يقول الدكتور عبد الله النجار عميد كلية الدراسات العليا بجامعة الأزهر، أن المفتي يجب أن يكون مدركا لفقه المقاصد والأولويات والواقع، فالشريعة الإسلامية فيها من المرونة ومن العموم ما هو معلوم لدى الفقهاء وأهم ما تتميز به الشريعة الغراء العموم والشمول والتجريد واليسر ورفع الحرج. وأكد الدكتور محمد أبو زيد الأمير، عميد كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر فرع المنصورة، بوجوب التثبت والتريث فى أمر الفتوى، مشيرا أن الفتوى الشرعية ليست مسؤولية المفتى وحده ولا المستفتى وحده وإنما هى مسئولية مشتركة بينهما وأن على المستفتى سؤال إلى أهل المختصين فى الفتوى حتى يتحقق له المطلوب من الفتوى وهو الوصول إلى الرشاد. وأضاف أنه لابد من وضع منهج علمى خاص بالتصدى للفتاوى الغريبة والشاذة وإبطالها ومعالجة سوء الفهم والاستنباط عند أصحابها، وإصدار ميثاق للفتوى نتواصى على التقيد به والدعوة للعمل بما فيه. ودعا وسائل الإعلام ضرورة العمل على تحرى الدقة فيمن تختاره للرد على أسئلة المستفتين، واستفساراتهم ولا تختار لهذا المجال غير أصحاب التخصص. تنسيق دولى لمواجهة التطرف وفي ختام أعماله اصدر المؤتمر عددا من القرارات والتوصيات الفاعلة لمواجهة التطرف كان من أهمها التنسيقُ بين وزارات الأوقاف ومؤسسات الإفتاء والمجامع العلمية والفقهية -في القضايا الكُبرى التي تهم الأمة بعيدا عن أية مؤثرات أو توجهات سياسية، وتأصيل وتجديد الفهمِ الشرعيِّ الصحيح للمُصطلحات الشائعة في المجتمع الإسلامي مثل: الجهاد، والحسْبَة، والولاء والبراء، ودار الحرب، ودار الإسلام، وطبيعة العلاقة بينهما، والحكم بما أنزل الله ، بما يتناسب مع معطيات العصر ومستجداتة وفي ضوء الثوابت الراسخة، وتصحيح المفاهيم الخاطئة فيما يتعلق بها، حتى لا تحدُث بلبلة في المجتمع. كما قرر المؤتمر فتح أبواب الحوار والتواصل بين العلماء والشباب، مع التأكيد -على بناء جسور الثقة بينهما من خلال العلماء باعتبارهم القدوة والشباب باعتبارههم عدة المستقبل. ومحو الأمية الدينية والفكرية لجميع أبناء العالم الإسلامي في سبيل تحصنُ شبابنا من أن تتخطفهم أفكار الجماعات المتطرفة على التشدد من جذوره لابد أن نقضي على التسيب من جذوره. وذلك بتفعيلُ النصوصِ الدستوريةِ التي أكدت أن الأزهر الشريف هو المرجعية في الشئون الإسلامية، والمسئول عن الدعوة الإسلامية في مصر. وكانت مرجعية الأزهر في دستور مصر الجديد حاضرة فقرر علماء الأمة مخاطبة وتوجيه المؤسساتِ العامةِ في الدولةِ إلى أهميةِ ما يَصدُرُ عن هيئةِ كبارِ العُلماءِ بالأزهرِ الشريفِ من مَواقفَ واجتِهادات، باعتبارِها صِمامَ الأمانِ في مواجهةِ فَوضى الإفتاءِ والآراءِ الشاذة. والعملُ على جَعْلِ التعريفِ بحقائق الإسلامِ ومقاصده ووَسَطيتِهِ مُقَررًا جامِعيًّا يُجنِّبُ الطلابَ مؤثِّراتِ الأفكارِ المتطرِّفَة. وتفويض الأزهرِ الشريفِ جامِعًا وجامِعَةً، ووَزارَةِ الأوقافِ عَقدُ نَدَواتٍ عِلمِيةٍ للتعريفِ بدَورِ العلماءِ والفقهاءِ المتخصصين، وباجتِهاداتِهمِ الفِقهية، ومَواقِفِهمِ الرِّيادية في حياةِ الأمة. وانتهى المؤتمر الى عقد سلسلَةً من الندَواتِ وَوِرَشِ العَملِ بالتعاونِ معَ الوَزارات ،تستوعِبُ جُغرافْيا الوطَن كله، ويُشارِكُ فيها العلماء في كلِّ التخصصاتِ، لامتِصاصِ ما قد يقَعُ فيه الشبابُ من أفكارٍ زائفَة، ورؤًى زائغَة، وتَشجيعِ الانتِماءِ الوطني. كما أطلق المؤتمر مبادرة لإقامةُ جُسورِ التعاونِ معَ اتِّحادِ الجامِعاتِ العربيةِ للتوافُقِ على هذِهِ الأهداف، والعملُ على رِعايتِها في مناهجِ التعليمِ حسَبَ ظروفِ كلِّ دولة. وإيجادُ قنواتٍ للتعاونِ معَ الأجهزةِ المماثلةِ في جامعةِ الدولِ العربية، ومُنظمةِ التعاونِ الإسلامي. وتفويض وزير الأوقاف المصري في تشكيل لجنة من أعضاء المجلس الأعلى للشئون الإسلامية من مصر وخارجها برئاسته لمتابعة تنفيذ هذه التوصيات،على أن تجتمع هذه اللجنة مرة في كل عام وكلما اقتضت الضرورة.