في مكتب الأمين العام لنقابة الأطباء, حيث ذهبت مطلع الأسبوع, تحلق أجواء أزمة كادر الأطباء في المكان. وحتي قبل أن تصل الي المكتب يستقبلك علي مدخل مقر النقابة دار الحكمة حديثو التخرج معتصمين ساخطين علي ما وصفوه بمماطلات وزارة الصحة في وعودها إبعاد المحسوبية والوساطة والفساد عن توزيع أطباء التكليف داخل كل محافظة, وبالاجمال فإن المشكلات اليومية تحاصر قيادة النقابة الجديدة, ومعها هموم موروثة لعشرات الآلاف من الأطباء المرتبطة بلا شك بمصير ملايين المرضي وبخاصة من الفقراء ومتوسطي الحال. وقد سبق لي اثارة هذا الموضوع علي صفحات الأهرام في عدد8 نوفمبر2011, وأجدد ذلك اليوم بمناسبة الجمعية العمومية الطارئة للنقابة يوم الجمعة المقبل7 فبراير لبحث مستقبل الاضراب من أجل كادر الأطباء. دخل الي غرفة مكتب الأمين العام للنقابة, طبيب شاب تخرج في عام2006 ويعمل في مستشفي تابع لوزارة الصحة ولا يتجاوز اجمالي أجره الشهري1200 جنيه, كان عاتبا علي مجلس النقابة الجديد عتاب الصادق الحريص, قال إن المجلس متهم بعدم الحسم في مسألة الإضراب من أجل كادر الأطباء وأن أعضاء المجلس من تيار الاستقلال تنكروا لوعودهم, ومعها تراث جماعة أطباء بلا حقوق التي نادت بالإضراب منذ فبراير.2008 وعندما استمعت الي أدق تفاصيل الأزمة من الدكتور أحمد بكر عضو مجلس نقابة القاهرة, أدركت أن المجلس الجديد أصبح ومبكرا تحت ضغوط من كل حدب وصوب, فمن جانب هناك زملاء هذا الطبيب الشاب, الأكثر حماسة للتصعيد في الإضراب انطلاقا من جمعية7 فبراير, ومن جانب آخر هناك أطباء جماعة الإخوان وكوادرها النقابية المهزومة, وهي تعمل الآن بتكتيكات إحراج المجلس الجديد والمزايدة عليه, وببساطة فقد انتقل الإخوان فجأة من دور كسر الاضرابات الذي مارسوه علي مدي السنوات الماضية الي التحريض علي التصعيد وتوريط المجلس الجديد في اضراب أضخم قد لا تتوافر له فرص النجاح, فيما ترفع قيادات الإخوان النقابية اليد عن دعم الاضراب عمليا وعن تنفيذه علي الأرض كما جري في محافظتي المنوفية والفيوم مع يومي الإضراب الجزئي1 و8 يناير2014, وحيث يسيطر الإخوان علي مجلسي نقابتيهما الفرعيتين, ولا يكتفي الإخوان بهذا, بل يزعمون أن الإطاحة بهم من السلطة وحل مجلس الشوري أوقف في اللحظات الأخيرة تمرير مشروع قانون كادر الأطباء, وأمامي تقرير لجان الشوري المختصة في يونيو2013 بشأن تنظيم الكادر الفني والمالي لأعضاء المهن الطبية, ومع أن التقرير يقر بأن تحسين دخول العاملين في مجال الصحة هو عمليا تحسين للمنظومة الطبية وتخفيف للأعباء عن المواطن المصري, بحيث لا يلجأ للعلاج علي نفته, ومع أنه يؤكد أن دخول العاملين بالصحة متردية للغاية ودون حد الكفاف, ويستشهد بصرخة نقيب الأطباء السابق الدكتور حمدي السيد بأن ثمانين في المائة من أطباء مصر دون خط الفقر, إلا أن الجداول المقترحة المرفقة بالتقرير جاءت دون آمال الأطباء ومختلف العاملين بالصحة, بل وتجاهلت مقترح مشروع قانون اتحاد النقابات الطبية ذاته المقدم إلي مجلس الشعب في الأول من مايو.2012 إلا أن أخطر جبهات الضغط علي مجلس النقابة الجديد تأتي من جانب الحكومة الحالية, وقد اضطر المجلس إلي تعليق التفاوض مع وزارة الصحة في17 يناير2014, وببساطة لأن الحكومة مصممة علي تجاهل مطالب الأطباء المشروعة, بل وعلي توجيه التفاوض نحو نظام جديد للحوافز لا يمس أساسي الأجر وتحت مسمي الكادر. والأخطر والأغرب أنها تماطل في تسليم نقابة الأطباء قاعدة بيانات الأجور علي نحو يسمح بالتحقق من افتراض مفاده أن إعادة توزيع دخول العاملين في قطاع الصحة الرسمي وسد سبل الفساد كفيلان بتوفير اعتمادات مالية لتمويل كادر الأطباء الجديد العادل, وخلاصة ما يراه تيار الاستقلال ومعه قطاع واسع من شباب الأطباء أن الحكومة الحالية سارت وتسير علي نهج الحكومات السابقة في المماطلة والتسويف, بل وانعدام الشفافية. وإذا كان يحق لنا اعتبار فوز تيار الاستقلال بمكوناته المتعددة( أطباء بلا حقوق+ أطباء استقلال الجامعات+ جمعيات أطباء التحرير+ مستقلون) بأغلبية مجلس النقابة العامة وأكبر نقابتين فرعيتين( القاهرة والإسكندرية) وقرابة نصف مقاعد النقابات الفرعية الأخري بمثابة بارقة أمل علي تحولات ما بعد ثورة25 يناير علي صعيد المجتمع المدني بأسره, فإنه لا مصلحة لعاقل في إفشال مجلس نقابة الأطباء الجديد وتيار الاستقلال, ولا مصلحة في الاستمرار في إنكار حقوق الأطباء ومعها حق المرضي في خدمة مجانية أو شبه مجانية لائقة طبيا وإنسانيا, ولا مصلحة في أن يغادر البلد المزيد من خيرة أبنائها وكفاءاتها في وقت نحن في أمس الحاجة إلي جهودهم. كما لا مصلحة لعاقل أو منصف في مهاجمة أطباء يسعون لحقوقهم ولحقوق المرضي بإطلاق شعارات الثورة المضادة وحماية سوء الإدارة والفساد من قبيل لا للمطالب الفئوية, ويكفي أن هؤلاء الأطباء وهم قمة النظام التعليمي من حيث اشتراط أعلي الدرجات في شهادة الثانوية العامة, ومن حيث عدد سنوات الدراسة الجامعية تتواري أي أجور العاملين منهم في الدولة خجلا وبؤسا إزاء أجور فئات أخري مميزة واصلت دراستها وشقت طريقها بمجاميع علي الحركرك. حقا.. أصبح من الملح مساعدة مجلس نقانبة الأطباء الجديد ومعه فرص تطور النقابات المهنية كلها والمجتمع المدني بأسره, ولن يكون ذلك إلا بإنقاذ الأطباء.. والمرضي أيضا.