من يطلع علي مشروع دستور3102 يجد أنه قد ألقي علي كاهل الدولة بمجموعة من الالتزامات باهظة التكاليف, لم يسبق أن تحملتها الدولة المصرية في تاريخها الحديث. وعلي سبيل المثال فإن الدستور قد ألزم الدولة بوضع نظام صحي شامل لجميع المصريين, وتوافر خدمات التأمين والضمان الاجتماعي للمصريين يشمل حالات العجز عن العمل والشيخوخة والبطالة, وتوافر معاش مناسب لصغار الفلاحين والعمال الزراعيين والصيادين, وأيضا إعادة تخطيط العشوائيات, وتوفير البنية الأساسية والمرافق لها مع كفالة الحق في المسكن الملائم والأمن الصحي لكل المواطنين مع التزام الدولة بتوفير الغذاء الصحي والكافي والماء النظيف لكل موطن, وأيضا النهوض بالقري المصرية, ولا جدال في أن الالتزامات السابقة تمثل قمة في الرقي, وهي تحقيق آمال عريضة للشعب المصري. كيف نحصر موارد الدولة سواء كانت موارد عينية أو مالية أو بشرية وسواء أكان مصدرها من داخل المجتمع أو من خارجه, وكيف يمكن مواجهة وإزالة التعارض بين الاهداف, وكيف يمكن تحقيق النمو المتوازن لمختلف قطاعات الاقتصاد القومي, ومنها القطاعان الصناعي والاستثماري بما يخدم الخطة؟, وكيف يمكن زيادة الدخل القومي في مصر, وتحقيق نموه ثم استخدامه في تحقيق الأهداف التي نص عليها الدستور؟, وما هو المدي الزمني اللازم لتحقيق أهداف الدستور الجديد, وهل يأتي ذلك من خلال خطط خمسية أو ثلاثية؟, وكيف يمكن تفعيل القانون رقم232 لسنة0691 في شأن التخطيط والمتابعة؟. وقبله القانون رقم141 لسنة5591 وهما يحددان أبعاد الإطار العام الذي يحكم الخطة الاقتصادية والاجتماعية في الدولة وذلك من خلال شمولها ومدتها وأهدافها, وإذا كانت وزارة التخطيط تقوم باقتدار بتنفيذ أحكام القانون232 لسنة0691 إلا أن الأمر بات جد مختلفا جدا بعد الإعلان عن مشروع الدستور الجديد, فأصبحت مصر في حاجة إلي خطة شاملة, وإلي فكر اقتصادي جديد يلبي ويفي باستحقاقات الدستور الجديد, كما أن مصر عليها الآن إعلان حالة التعبئة الاقتصادية العامة.. لكل هذه الأسباب ولغيرها مما لا تسمح به مساحة النشر فإننا نقترح الدعوة فورا إلي ما نسميه المؤتمر الاقتصادي ليتم تشكيله من عدد05 إلي07 من أكفأ القيادات الاقتصادية والنقدية في مصر بمختلف إتجاهاتها ومشاربها, لتتولي خلال09 يوما وضع الخطة الاقتصادية التي ينبغي أن تسير عليها الدولة المصرية, مع تحديد المنهج والغايات والوسائل, لتجيب عن السؤال الخالد, وهو كيف يمكن تحقيق النمو المتوازن لمختلف قطاعات الاقتصاد القومي المصري؟ مع تحديد الأولويات, لتحقيق الاستحقاقات الدستورية التي سوف يستفتي عليها الشعب المصري. وقد نري أنه بغير هذه الخطة الاقتصادية بالمفهوم المتقدم فإن إنفاذ أحكام الدستور الجديد يصبح أمرا عسيرا, وبلا دليل أو ضابط, فالنجاح الاقتصادي ينبغي أن يتوازن مع الجناح السياسي, والوطن لا يحلق إلا بهما معا, مع التنويه إلي ما يتردد بقوة من أن أحد أهداف حرب7691 كان وأد التقدم في مصر التي كانت قد وضعت خططا اقتصادية جادة تقود فعلا لا قولا إلي التقدم, فكان أن خشيت الإمبريالية العالمية علي مصالحها في المنطقة. من جهة أخري فإنه سوف يكون علي المؤتمر الاقتصادي أن يضع الهوية للاقتصاد المصري, ويحدد الشكل الاقتصادي والمرجعية والتوجه العام للاقتصاد في مصر, وكان هذا التوجه قد صادف كثيرا من الدول الأوروبية, كما واجه مصر بعد ثورة يوليو..2591 أما هذه الدول الأوروبية. فكان مفكروها قد هجروا النظم الرأسمالية الموغلة في استغلال البشر, كما هجروا النظم الشيوعية الموغلة في قسوتها, فأخذوا يختارون بين نظم اشتراكية, أما ثورة يوليو2591 فقد تمسكت في المرحلة الأولي( من عام2591 حتي عام1691) بالنظام الرأسمالي مع محاولة إصلاحه من الداخل, بما لا يسمح للرأسمالية من السيطرة علي الحكم, ثم في المرحلة الثانية من عام1691 فقد اتجهت مصر إلي الاقتصاد المختلط. يبقي الآن أن نؤكد أن تحديد موعد09 يوما للمؤتمر لينهي أعماله خلالها هو أمر مقصود, والهدف منه إعداد برنامج اقتصادي اجتماعي مدروس برشد وعناية, بحسبان أنه وفقا لنص المادة641 من الدستور الجديد فإن الوزارة الجديدة سوف تقدم إلي مجلس النواب برنامجها فور تشكيلها لتحصل علي ثقة المجلس... ومن جانبنا فإننا نري أنه يستحيل علميا وعمليا علي حكومة مستجدة أن تقدم لمجلس النواب بمجرد تشكيلها برنامجا جادا ورصينا, بل سيأتي مثل هذا البرنامج, الذي سوف يتم إعداده في أيام معدودة صوريا يعتمد علي العبارات العامة والشعارات المرسلة, فتدور مصر في حلقة مفرغة, وتضيع علي الشعب المصري فرصة حقيقية لاحت له للتقدم المدروس من خلال المنهج الرشيد, ومن أجل هذا فإن الرأي عندنا أن الدعوة إلي المؤتمر الاقتصادي بالمفهوم المتقدم يصبح أمرا حتميا, حيث لا يكتمل الدستور الجديد إلا بتحديد الخطة والآلية العلمية لتنفيذه.. وبهذا المنطق وحده تتحقق المصالح العليا للوطن.. لمزيد من مقالات المستشار محمود العطار