سوريا, الإفلاس الحكومي, التجسس.. ثلاث كلمات كانت كفيلة بإزاحة الرئيس الأمريكي باراك أوباما من المركز الأول في الترتيب السنوي لتصنيف مجلة فوربس الأمريكية لأقوي الشخصيات تأثيرا في العام, بعد أن ظل متربعا علي عرشها سنويا منذ أنشئت عام2009, عدا عام2010 عندما تصدرها الزعيم الصيني هو جين تاو, ليحل أوباما في المركز الثاني تاركا الأول ل ثعلب روسيا فلاديمير بوتين الذي استطاع بسهولة منقطعة النظير كسب شعبية واسعة في الآونة الأخيرة بفضل نجاح سياسته الخارجية في تجنيب سوريا ضربة عسكرية أمريكية علي خلفية استخدام السلاح الكيماوي في هذا البلد. كما حقق نتائج قوية في تعزيز عمل الحكومة تفوق ما حققه نظيره الأمريكي وصار بوتين أكثر تأثيرا من أوباما بسبب تعزيزه لسيطرته علي روسيا في الوقت الذي كانت فيه فترة رئاسة أوباما بطة عرجاء بدأت علي ما يبدو في وقت مبكر بالنسبة لرئيس يشغل مدتين رئاسيتين. المتابع لسياسة بوتين في الآونة الأخيرة يلاحظ أنه يسعي لإعادة روسيا بمجدها وعظمتها وبدا ذلك جليا في نجاحه في أن يقول لا في وجه أمريكا كل مرة وفي كل المحافل, وبعكس زعماء أمريكا أثبت للعالم أنه لا يترك أصدقاءه في المعركة وتمسك بالرئيس الاسد حتي النهاية. ولكن ما هي الأسباب التي أدت إلي تدني شعبية أوباما وجعلت رئيس أكبر دولة في العالم يحل في المرتبة الثانية وكأنه ممثل مساعد أو ممثل دور ثاني بعد أن كان هو البطل الوحيد في جميع الأفلام؟ بات سلوك أوباما الغريب الذي يعرض العالم لخطر التحول إلي بؤرة بالغة الخطورة صادما حتي بالنسبة إلي أولئك الذين يشعرون بالقلق حيال تعامل هذا الرئيس الأمريكي مع أزمة الأسلحة الكيماوية السورية. أولا, ولد أوباما شعورا بالحيرة تجاه تصريحات الرئيس الأمريكي العلنية, فبإستثناء جيمي كارتر, حرص كل الرؤساء الأمريكيين خلال القرن الماضي علي ألا يلزموا أنفسهم بأي خطوة لم يعنوها حقا, ففي الدبلوماسية العالمية تحمل العبارة تكلمت الولاياتالمتحدة ثقلا خاصا, ونتيجة لذلك صارت الكلمة الأمريكية ملزمة للولايات المتحدة. لكن أوباما استنفد مخزون الثقة هذا, حيث قلل هذا الرجل, الذي يحب رنة صوته, من قيمة هذا الالتزام في خطاباته وظهوره المتكرر علي شاشة التليفزيون, فرسم خطوطا حمراء سرعان ما اختفت, نادي بأن علي الأسد أن يرحل ولم يحرك ساكنا لتحقيق ذلك, ووعد بتسليح الثوار السوريين إلا أن السلاح لم يصل اليهم, قرر اطلاق حمم صواريخه لتدمير دمشق في ضربة قال إنها محدودة أو ضيقة, ولكن عندما تأمل النتائج الخطيرة التي يمكن أن تترتب عليها قرر الذهاب إلي الكونجرس للحصول علي تفويض لم يستطع نزعه, فراح يجوب العالم مستجديا مساندة هذا ومباركة ذاك, حتي تراجع عن قراره ليس كرها في الحرب فهو يخوضها من السماء يوميا في افغانستان واليمن عبر طائرات الدرونز, ولا حقنا للدماء فعدد ضحايا ضربات هذه الطائرات في البلدين يفوق الستة آلاف شهيد, وانما خوفا ورعبا من التورط في حرب مفتوحة علي كل النهايات والمفاجآت. وكانت المبادرة الروسية التي رسمت معالم الحل في الافق بسرعة مذهلة واسهمت مباشرة في التقاط الرئيس اوباما طوق النجاة من مواجهة لم يعد متيقنا من حسم نتائجها, ليقلب بوتين الطاولة علي أوباما ويرسم صورة لروسيا كصانع سلام وللولايات المتحدة كمروج للحرب بمبادرة وضع الأسلحة الكيميائية السورية تحت السيطرة الدولية. لم يكن كيماوي سوريا هو السبب الوحيد في ازدياد شعبية بوتين وتراجع شعبية أوباما, بل ساهمت قضية إفلاس الحكومة الأمريكية وفشلها في التعامل مع الأزمة في تراجع أسهم الرئيس الأمريكي بعد أن دخلت قضية إغلاق الحكومة الفيدرالية مرحلة معركة تكسير عظام وعناد بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري والذي تمسك كل منهما برؤيته, مما أدي إلي خسائر بمليارات الدولارات يسددها دافع الضرائب الأمريكي, إضافة إلي إغلاق جزئي للحكومة الفيدرالية ألقي بظلاله علي المتنزهات والمتاحف الوطنية والمكاتب الفيدرالية التي أصبحت بلا رواد, وأجبرت ما يقرب من مليون موظف علي أخذ إجازة إجبارية من دون راتب لأول مرة منذ17 عاما, وحتي البيت الأبيض بات يعمل ب25% من موظفيه. فشل الجمهوريون والديمقراطيون بشأن تمرير قوانين تمويل الحكومة في الكونجرس منذ أن وقف اليمين المحافظ للجمهوريين ضد خطط الرئيس أوباما وإدارته بشأن قانون الرعاية الصحية المعروف بإسم أوباما كير, وفي الوقت الذي سيطر فيه شبح الإفلاس علي أوباما كان بوتين ينتشل روسيا من الرمال المتحركة التي كانت تغوص فيها بعد الحقبة السوفياتية علي مدار أكثر من عقد من الحكم, فرجل الكي جي بي الخفي أعاد للروس الثقة بالنفس في بلد بدا علي شفا الانهيار في إحدي فتراته الصعبة. ومن فضيحة الإفلاس الأمريكي إلي فضيحة التنصت التي كشفتها وثائق سنودن والتي تسببت في عاصفة من الغضب الدولية تجاه أمريكا التي نصبت نفسها ك أخ أكبر وراحت تتنصت علي العالم أجمع الحلفاء قبل الأعداء بحجة مكافحة الإرهاب, صحيح أن الوثائق كشفت تورط دول أخري في التجسس ولكن تشدق أمريكا المستمر بالديمقراطية وحرية التعبير جعلها تنال نصيب الأسد من الهجوم ووجدت إدارة أوباما نفسها في موقف لا تحسد عليه. وفي النهاية نجد أن بوتين يغامر لعله يستعيد أمجاد الإتحاد السوفيتي في السيطرة علي العالم, وأوباما يجتهد وهو المدرك أنه يريد أن يترك بصمة في الحقبة الأخيرة من عهده الثاني, إنه السباق بين أحلام السطوة وبريق البصمة التاريخية, بكلمات أوضح: المنطقة مقبلة علي شبه حرب باردة روسية- أمريكية ستستخدم فيها كل أنواع الأسلحة الاقتصادية والدبوماسية والأمنية. والمؤكد أن الخاسر الأكبر في مثل هذه الحرب ستكون شعوب المنطقة, لأنه حين تتواجه الفيلة فوق الميدان يكون العشب أول من يدفع الثمن.