طالبت دراسة أزهرية حديثة بالإسراع في صياغة ميثاق شرف دعوي تحت رعاية المؤسسات الدينية( الأزهر, الأوقاف, الإفتاء) ينهي فوضي الفتاوي المثيرة للجدل, ويمنع غير المتخصصين من الجرأة علي الدين والتصدي للفتوي وإثارة البلبلة بين عامة الناس. وطالبت الدراسة التي أعدها الداعية أحمد ربيع الأزهري, عضو مكتب رسالة الأزهر والخطيب بأوقاف القاهرة, بتبني خطاب ديني جديد يعظم من مقاصد الشريعة, والتي تحفظ علي الناس كرامتهم وأمنهم وأموالهم وأعراضهم, ويؤكد حرمة الدماء, وخطورة إشعال الفتنة الطائفية بين المسلمين والأقباط, ويبرز المنهج الإسلامي في الرحمة والتسامح ويتصدي لدعاوي التكفير والعنف المستشري في المجتمع, وينشر ثقافة الحب في المجتمع. كما طالبت الدراسة بصياغة خطاب ديني جديد يؤسس لقيم إدارة الاختلاف والحوار وبناء القيم والأخلاق والرفق والتسامح والمحبة كمسلك دعوي لتغير هذا المشهد, ويحذر من تهمي التكفير والتخوين التي انتشرت بلا دليل ولا بينة بين المصريين, ويحول دون الاجتراء علي القامات والعلماء من أبناء مصر حتي لو اختلفنا معهم, وكذلك التحذير من تصفية الحسابات والمكائد بين بعض المؤسسات والقوي السياسية, والحفاظ علي الأزهر الشريف كمؤسسة كبري تعبر عن ضمير الأمة. ويؤسس لقيمة المحاسبة كمدخل لقيم بالغة الأهمية يحتاجها المجتمع الآن وهي المصالحة, والمصارحة, والمسامحة, والمناصحة بين كل طوائف وتيارات المجتمع, والمناصرة بين جميع المصريين لنجاة مصر وسفينة البلاد من هذا الظرف التاريخي الفارق, والمثابرة علي البناء لأن البناء أصعب من الهدم. أمانة الفتوي وشروط المفتي وحول سبل القضاء علي فوضي الفتاوي, وحاجتنا الي خطاب دعوي جديد يقول الدكتور عباس عبداللاه شومان وكيل الأزهر والأمين العام لهيئة كبار العلماء الأزهر, إن مسئولية الإفتاء من أعظم الأمانات التي يمكن أن يتحملها بشر, ومن رحمة الله بنا أنها مسئولية خاصة يبتلي بها بعض خاصة الأمة وليس جميعها, وخطورة الإفتاء أنها صناعة تطبيقية عملية, فليست مجرد أقوال تصدر عن الإنسان ثم ينساها الناس بعد فترة من الزمان وينقطع أثرها, حيث إنها تتعلق بأفعال المكلفين وترسم طريقا تسلكه الأقوال والأفعال لتكون علي وفق مراد الشارع من دون خلل أو انحراف بداية, أو تصحح الخلل إن وقع, وتبعة ذلك كله علي المفتي الذي يصدر الفتوي, والمستفتي الذي يتلقفها, فإن صدرت الفتوي متسقة مع شرع الله ومنضبطة بضوابطها فقد برئت ذمة المفتي, فإن التزم بها المستفتي برئ هو أيضا, وتحقق الهدف من الإفتاء, وإن أخل أحدهما فإن كان المفتي فقد تحمل وزرها ووزر من ضلله بفتواه ومن اتبع خطأه إلي يوم الدين, ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلي يوم القيامة. وإن كان المستفتي هو الذي أخل بها أثم هو, وسلم من أفتاه. ويضيف الدكتور شومان قائلا: إن الإفتاء أخطر وأعظم من القضاء, لأن أثر الفصل القضائي غالبا لا يتعدي الخصوم, والخلل فيه لا يضر إلا بمن وقع عليه الظلم, بخلاف الفتوي فقد تضر بالأمة بأثرها, وقد تتجاوز جيلها إلي أجيال تتوارثها, وإذا كان رسولنا قد قال في القضاة: القضاة ثلاثة: واحد في الجنة, واثنان في النار, فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضي به, ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار, ورجل قضي للناس علي جهل فهو في النار وهذا يفسر عزوف الكثيرين من صحابة رسول الله عن التصدي للإفتاء علي علمهم وورعهم, فلربما تنقل المستفتي بينهم حتي يفتيه أولهم حين يعود إليه بفتواه من غير أن يفتيه من طاف بهم فيفتيه وهو كاره, ولذا فإنه لمن المستغرب ما نلاحظه هذه الأيام من فوضي الإفتاء, وتصدي غير المؤهلين لإصدار فتاوي في بعض أمور قد تحتاج إلي اجتهاد جماعي, ولا يقوي عليها مؤهل للإفتاء فضلا عن هؤلاء الذين لا يعرفون أسماء العلوم المؤهلة للإفتاء ناهيك عن إتقان محتواها, وأكاد أجزم أن بعضا من هؤلاء لا يستطيع بيان الفرق بين علم الفقه, وعلم أصول الفقه, ولا بين القواعد الفقهية, والقواعد الأصولية, وهو لا يحسن العربية, ولا يعرف آيات الأحكام في كتاب الله, ولا أحاديث الأحكام في سنة رسول الله, ولا الوقائع التي أجمع سلفنا الصالح علي أحكامها, ولا طرق الاستنباط, او الوقوف علي أقوال المجتهدين وفهم مرادها. ويطالب الدكتور شومان بالاستعانة بميثاق شرف ينهي فوضي الإفتاء يرتكز أولا علي منع غير المؤهلين بالعلوم الشرعية من مصادرها المعتمدة, والحاملين لرخصة إفتاء يصدرها الأزهر بالتعاون مع دار الإفتاء من إصدار الفتاوي العامة, وثانيا: الفصل بين سلطة الإفتاء وسلطة القضاء, فبعض الفتاوي التي تصدر في أيامنا تفتئت علي سلطات القضاء, حيث إن الفتوي هي إظهار لحكم الشرع, وليس إسقاطه علي شخص أو جماعة, فعلي سبيل المثال حين يصدر المفتي فتوي تتعلق بالاستشهاد يجب أن يقول: من قتل ظلما أو دفاعا عن نفسه أو ماله أو عرضه فهو شهيد, ولا يحكم علي شخص بعينه أنه شهيد, لأن هذا خارج دائرة الإفتاء وهو هنا في علم الله, وحين يفتي بحرمة حمل السلاح أو استخدامه للتعبير عن الرأي يجب أن يمتنع عن الحكم علي فصيل من الناس أنه وقع في هذا الحرام, لأن هذا يحتاج إلي إثبات من جهات التحقيق والقضاء, وهذا خارج دائرة الإفتاء. وحين يفتي بجواز قتل المعتدي إن لم يندفع بغير القتل لا يسقط الحكم علي بعض الناس, وحين يفتي بالكفر من يرخص لهم في إصدار هذا الحكم الخطير لا يسقطه علي أسماء وإنما يبين الفعل المكفر, ويترك إسقاطه علي الناس للقضاء, وهكذا, والناس يلاحظون أن هذا البند مختل في زماننا اختلالا كثيرا, وثالثا: يجب علي المفتي الفرد عدم الاعتداء علي سلطة مفتي الدولة, فلا يجوز للأفراد إصدار الفتاوي المتعلقة ببداية الشهور ونهاياتها, ولا المبيحة أو المحرمة لمعاملات أو تشريعات تصدرها الدولة, وللمؤهل إن يفتي في المسائل الفردية المتعلقة بالأفراد أو طائفة محدودة, ورابعا: تجرد الفتوي عن الهوي والميل القلبي وما ينطق عن الهوي. إن هو إلا وحي يوحي فلا يجوز أن تطوع النصوص من القرآن والسنة لتأييد معتقد سياسي أو حزبي, كما نراه جليا في بعض الفتاوي الصادرة في أيامنا, وخامسا: إن بعض المسائل يجب ألا تصدر إلا عن اجتهاد جماعي, كمسائل الجهاد, والتكفير, وقتال البغاة, والنوازل المستجدة التي تهم العامة, كتوريث المسلم من قريبه الكافر لاسيما في بلاد الغرب, وكيفية الصيام والإفطار حين يطول الليل أو النهار أكثر مما هو معتاد, وأمثال ذلك, وسادسا: اختيار الزمان والمكان المناسبين لإصدار الفتاوي, فبعض الفتاوي وإن كانت حقا لا ينبغي إصدارها إن لم تكن حاجة الناس ماسة لها, لأن بعض الناس قد يستغلونها استغلالا خاطئا, ومن ذلك فتاوي التكفير, وإباحة الدم والمال التي يصدرها الناس في هذه الأيام, والتي يفتقر معظمها إلي أساس سليم تبني عليه, ويفتقر كثير ممن أصدروها إلي مؤهلات الإفتاء, مما يجعلها والعدم سواء. من جانبه يطالب الدكتور محمد أبو زيد الأمير عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالمنصورة, بأن تكون هناك ضوابط لمن يقوم بالفتوي, وإن لم تتوفر لديه مؤهلات الإفتاء يحرم عليه أن يتعرض للفتوي وإلا وقع في إثم عظيم, وإن لم يتوقف عن الإفتاء ينبغي علي ولي الأمر أن يعذره تعذيرا بليغا رادعا له وزجرا لأمثاله. وأضاف الدكتور أبو زيد الأمير قائلا: من أفتي الناس وليس أهلا للفتوي, فهو عاص آثم, ويلزم علي ولي الأمر أن يمنعه من ذلك لأن أمر الفتوي خطير وعظيم وقد حرم الله تبارك وتعالي القول في الدين بغير علم فقال تعالي: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا علي الله ما تعلمون وفي الآية الكريمة رتب الله المحرمات بادئا بأخفها وهي الفواحش, مبينا ما هو أشد, فكان الإثم والبغي والظلم ثم بكبيرها وأن تقولوا علي الله ما لا تعلمون وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلي الله عليه وسلم: من أفتي بغير علم كان إثمه علي من أفتاه ومن هنا يعلم خطر الفتوي بغير علم, ويتعين علي من يقوم بالإفتاء أن يعمل علي تأكيد القيم الدينية والأخلاقية والمثل العليا وأن ينشر الحقيقة المجردة في خدمة الحق والخير وأن يسعي إلي تقوية الأوامر الإنسانية وتعميق التفاهم والتفاعل بين أفراد المجتمع.