طالب علماء الدين, بميثاق شرف إعلامي جديد للحد من التجاوزات وتلافي السلبيات التي وقع فيها الإعلام بمختلف صوره منذ ثورة25 يناير إلي الآن, وأن يكون هذا الميثاق واقعا وحقيقة وليس مجرد شكل أو ديكور يتردد ذكره في المنتديات واللقاءات الرسمية. كما طالبوا بتفعيل مواثيق الشرف الصحفي والإعلامي ووضع ضوابط أخلاقية ومهنية يرتقي بها أصحابها ويحاسب من يحيد عن الصواب حتي لا يسيء إلي المجموع. واعتبر علماء الدين أن التناقضات والازدواجية التي وقع فيها العديد من وسائل الإعلام, كانت سببا رئيسيا في فرقة المصريين وزيادة حدة الخلافات بينهم علي المستوي الشعبي وليس علي مستوي النخبوي والسياسي فحسب. ويري الدكتور زكي محمد عثمان, أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر, أن ما مرت به مصر منذ25 يناير2011, مرورا ب30 يونيو الماضي, حتي الآن, كشف عن خلل بين وعوار شديد في تشخيصنا وتحليلنا للأحداث وتناول الإعلام له وكان كل ما تشهده الساحة أقرب إلي التكهنات والتخمينات منه إلي الحقائق والعرض الأمين للمعلومات, وبالإجمال كما يقول فإن أحدا من الفريقين أو الفرق المختلفة علي الساحة السياسية لم يكن موضوعيا وصادقا في عرض قضيته ونقد الطرف الآخر, بل اعتمد كل طرف علي تسخير ما لديه من آلة إعلامية بحسب إمكاناته للهجوم علي الآخر والنيل منه قبل عرض ما يراه صوابا من وجهة نظره. وأشار الدكتور زكي عثمان, إلي أن الإعلام من أشرف المهن التي يفخر بها المسلم, إذ إنه يعد صورة من صور الدعوة التي جاء بها الأنبياء والرسل, فالدعوة قامت علي الإعلام من خلال الأذان في الناس وإقامة الصلاة, وهذه كانت أول رسالة إعلامية للخلق, ويخطئ من يظن أن الإعلام مجرد مهنة يرتزق منها البعض فحسب, بل الإعلامي كالداعية ينير الطريق لمن حوله ويؤجر علي ذلك من الله سبحانه وتعالي قبل جهة العمل, وإن أضل غيره كان له من الوزر نصيب, بل وقد يحمل وزر غيره إن تعمد التشويه وكتم الحقائق. فالكلمة أمانة في أعناق صاحبها, أمانة علي من يقول وأمانة علي من يسمع ويكتب وينقل, ومن ثم فلا يجوز لأحد لاسيما المشتغلين بالإعلام أن يخون هذه الأمانة أو يفرط فيها طمعا في سلطة أو مال أو ابتغاء مرضاة بشر, بل يجب الحرص علي التزام الحق مهما كانت المتاعب, والنبي صلي الله عليه وسلم يقول: لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه. ممارسات خاطئة ولفت الدكتور زكي عثمان إلي أن الإعلام وقع في كثير من الممارسات الخاطئة منها: التناقض أحيانا, والأخبار الكاذبة, ففي اليوم الواحد قد نجد أكثر من خبر غير صحيح سرعان ما كان يصدر ثم نجد تكذيبا له, وكذا إخفاء الكثير من الحقائق والمغالطة في الإحصاءات, بالإضافة إلي اللدد في الخصومة السياسية بإصدار الاحكام المسبقة علي بعض الناس وتعميم الاتهامات دونما التثبت من حقيقتها, والتشنيع ببعض الأطراف ونسبة أعمال إجرامية أو تدمير وتخريب إليها دونما دليل قاطع أو تحقيق يؤكد ذلك. أضف إلي ذلك ما تعمدته بعض وسائل الإعلام من إبراز لسباب وشتائم وجرح لمشاعر الناس والخوض في أعراضها وحياتها الشخصية بدليل ومن غير دليل, فضلا عن امتهان لقامات وشخصيات ورموز كبيرة لاينبغي الطعن فيها اتفقنا او اختلفنا معها, فكل هذه الممارسات تحتاج إلي تسليط الضوء عليها لمدارستها وتقويمها فيما بعد. من جانبه يؤكد الدكتور علوي أمين خليل الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بالأزهر, أن الإعلام في أزمة حقيقية لم يفلح بسببها في التعاطي مع الواقع الذي تعيشه مصر الآن, فلا أحد يقول الحق, فإما متحامل وإما متعاطف, وكلا الفريقين لا ينقل الحقيقة كما هي بتجرد وموضوعية, والأصل في الإعلام أن يكون كالقاضي محايدا أمينا فيما ينقله ويصوره للمشاهد والقارئ, كما هو لا كما يريده الإعلامي وفق توجهاته. وأشار علوي أمين إلي أن تناول الإعلام لأحداث الثلاثين من يونيو وما بعدها لم يخل من تناقضات, ففي الوقت الذي تجابه فيه الدولة نظام الإخوان بالملاحقات القضائية وغيرها, نسمع عن المصالحة, عن أي مصالحة نتحدث؟!. وقال إنه كان من الأولي أن يركز الإعلام علي المنهج الحقيقي الذي يتبناه هذا التنظيم عبر تاريخه الطويل لكشفه للناس ويصبح المواطن نفسه هو الحكم علي ممارساتهم. وأضاف: علي الإعلام أن يكون أمينا مع القارئ والمشاهد ويوضح الحقائق ويشرحها لمن يجهلها حتي يعي المواطن حقيقة ما يدور حوله, أما الحاصل الآن فهو أن الإعلام لا يحترم عقلية المشاهد فيهول له الهين ويهون عليه الأمر الجلل, ويجد المشاهد نفسه حائرا بين الاستنتاج والتخمين أو يضطر لأن يعطي عقله وأذنه لمن يلبس عليه الحقائق, وفي النهاية يبقي الجميع لا أحد يعلم شيئا. ولعل ذلك ما حدث في الشارع المصري وأسهم بشكل كبير في انقسام جموع الشعب حتي من ليست لهم انتماءات سياسية أو حزبية, فلم يعد هناك مصدر إعلامي بعينه يمكن أن نثق فيه لينقل الحقيقة كاملة بموضوعية ونزاهة وشفافية. الإعلام المصري وبرغم كل ما به من تجاوزات فإن الداعية والباحث الإسلامي الدكتور عبد الله كامل, يري أن الإعلام المصري كان الأقرب لعرض الحقائق, في مقابل إعلام آخر غير وطني, كان يتعمد التهويل وتشويه الحقائق لمصلحة أجندات خارجية غير وطنية. ويري عبد الله كامل, ضرورة مجابهة الإعلام الذي يعمل لغير مصلحة الوطن, والتأكيد علي ميثاق الشرف للإعلاميين كافة بمختلف أنواعهم, مشيرا إلي أن الصدق وحسن العرض هما مدار أي إعلام ناجح, فإذا كنت صادقا ولم تحسن العرض لن يلتفت إليك أحد, وكذا إذا أحسنت العرض وفقدت المصداقية فلن يعبأ بك أحد, لأنك في النهاية تكون قد بعدت عن الهدف الأساس الذي ترنو إليه, لاسيما في ظل عالم السماوت المفتوحة والتقنيات الحديثة والمنافسة الشديدة الموجودة في المجال الإعلامي.