حذر علماء الدين من تفشي ظاهرة الاستغلال السياسي للأطفال, مؤكدين أن استخدامهم في المظاهرات والاعتصامات وإلباسهم الأكفان والدفع بهم ليكونوا شهداء, يعد خروجا عن القانون والشرع ويتنافي مع حقوق الإنسان, ويصنع أجيالا عنيفة تهدد أمن واستقرار المجتمع. وأكد علماء الدين أن مثل تلك السلوكيات تنشئ جيلا بأكمله يحمل مشاعر سلبية تجاه المجتمع الذي يعيش فيه, ويغرس فيهم السلوك الانحرافي, مما يجعلهم قنابل موقوتة في قلب الوطن طالبوا جميع مؤسسات الدولة والقوي السياسية والحزبية ومنظمات المجتمع المدني, بالتصدي لتلك الظاهرة, وعدم ترك الأطفال والشباب فريسة للأهواء والمصالح الشخصية, والضرب بيد من حديد علي كل من تسول له نفسه استخدام الأطفال في تلك الأفعال المشينة, التي تتنافي مع مقاصد الشريعة الإسلامية. ويري الدكتور عبد الفتاح إدريس, أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر, أن استخدام الأطفال في المظاهرات والاعتصامات وإلباسهم الأكفان, مخالف لشرع الله, وان جلب الأطفال عن طريق أبائهم إلي هذه الميادين يعرضهم للخطر والهلاك ويؤثم من جلبهم إلي ميادين الاعتصام باعتباره غير أمين علي الأطفال, كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: كلكم راعي وكلكم مسئول عن رعيته فالرجل راعي في بيته والمرأة راعية في بيتها وهي مسئولة عن رعيتها. وأكد أن ما يحدث الآن في مواضع الاعتصام في الميادين التي تتعرض للغاز المسيل للدموع وطلاقات الخرطوش والرصاص ودرجات الحرارة المرتفعة وانتشار الأمراض والأوبئة في هذه التظاهرات المكتظة وجلب الأطفال بهذه الطريقة وتلقينهم شعارات معينة ينادون بها يعتبر قضاء علي صوره وبراءة هؤلاء الصغار, موضحا أن الرسول الكريم أمر بان يترك هؤلاء الأطفال يعيشون فترة لهوهم ولعبهم, ولهذا كان نصحنا الرسول الكريم من كان له صبيا يتصابي له وان ينزل إلي عالمه لإدخال البهجة والفرحة لدي الطفل. وتساءل الدكتور عبد الفتاح إدريس, قائلا: أين نحن من حديث الرسول الآن وكيف ندفع بهؤلاء الصغار لجعلهم ساترا لهؤلاء والدفع بهم الي الميادين ليروا تلك الوجوه العابثة التي لا يصدر منها إلا الصراخ والعويل والعبارات البذيئة التي يفقد معها هؤلاء براءتهم؟ وأضاف قائلا: ان ارتداء هؤلاء الصغار الأكفان وتلقينهم عبارات بأنهم مشروع شهداء يعد قمة الإجرام ويدل علي ان الذي دفع بهم اجهل من الجهل لشرع الله, وذلك لان من المتفق عليه بين جميع الفقهاء وأهل العلم, أن الصغير ليس أصلا للجهاد, لو فرضنا أن الذي يفعلونه هؤلاء المخبولون جهادا لان الأطفال سواء ذكورا أو اناثا لا يشرع في حقهم الجهاد وهؤلاء لو قتلوا لا يكونوا شهداء باتفاق الفقهاء, كما أن الذين يقتلون في هذه التظاهرات لا يعدوا شهداء باتفاق العلماء, بل من قتل وهو يفسد في الأرض وفارق الحياة وهو متلبس بمعصية الله تعالي لا يوصف بالشهادة. وطالب الدكتور عبد الفتاح إدريس مؤسسات الدولة المعنية بعدم الوقوف مكتوفة الأيدي معصوبة الأعين, أمام من وصفهم بالمجرمين الذين يرتكبون هذه الأفعال الإجرامية في حق الإنسانية, مؤكدا ان من يعرض هؤلاء الصغار للموت ووضعهم في مثل هذه المشاهد التي شاهدها العالم عبر الفضائيات, لا يكون أمينا عليهم ويجب نزع الولاية منه عليه شرعا, كما طالب بنوع الولاية من أولياء أمور هؤلاء الصغار الذين يشاركون في التظاهرات لأنهم يعرضونهم لجميع أنوع الجرم. إهدار لطفولتهم من جانبه قال أحمد عمر هاشم, عضو هيئة كبار علماء الأزهر, أن التغرير بالأطفال من أكبر الجرائم الإنسانية في حق الوطن, ولا يصح بأي حال من الأحوال أن تستغل طفولتهم البريئة في مظاهرات واعتصامات وراءها أهواء مشبوهة وضياع للعمل وضرب للمصلحة العامة في مقتل, فالمصلحة العامة تقتضي أن نرعي هؤلاء الأبناء وأن نوفر لهم فرص التعليم والعمل, لا أن نفسدهم ونتجه بهم إلي طريق الشر والتعرض للفتن والمتاهات التي لا تنتهي. ويري الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر أن الإسلام أحاط الطفولة بسياج من الرعاية والعناية, فراعاها من بدايتها, وعد التشريع الإسلامي الاعتداء علي الآدمي الصغير من الجرائم التي يوقع علي فاعلها أشد العقوبات التعذيرية من حبس وتغريم, ومن القواعد الفقهية في هذا, أن المتسبب كالمباشر, بمعني أن الذي يدفع صبيا لأعمال إجرامية يعد شريكا له في الجرم, وعليه أثمه, لأن الصبي لا يؤخذ شرعا علي تصرفاته العدوانية او الإجرامية. وطالب بمحاسبة الذين يستخدمون الأطفال ويقتلون طفولتهم, ويغرسون فيهم الانحراف الخلقي والفكري ليحولوا آدميتهم إلي مشروع إجرامي يعيث فسادا في الأرض. وأكد أن استغلال الأطفال والصبيان في أعمال غير لائقة من التظاهرات وحمل الأكفان, كلها تعود بالعواقب الوخيمة علي المجتمع بأثره في الحاضر والمستقبل, ويعد اغتيالا معنويا للطفولة, ويجعل منها آداة يتم التلاعب بها لتحقيق مصالح ضيقة, وتشكل انحرافا عن نموذج الإسلام في تربية الأبناء, ويجعل من الطفولة قنبلة موقوتة, تتفجر في جسد المجتمع. وأوضح الدكتور عبد الغفار هلال, الأستاذ بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية,أن أستخدام الأطفال كدروع بشرية في المظاهرات يخرج عن نطاق المشروع ويرفضه الدين وذلك حفاظا علي أرواحهم وعلي طفولتهم البريئة لأن المظاهرات هي من خصائص الكبار, والتي اشترط الإسلام الخروج فيها دون الإضرار بالآخرين ويعلنون مطالبهم من خلال لافتات تعبر عن أرائهم ومطالبهم المشروعة ولا يهاجم فيها أحدا سواء باللفظ أو بالفعل ولا يهاجم المؤسسات سواء الخاصة أو العامة, ولا يعتدي علي أحد ولا يحمل بها سلاحا أو موادا حارقة تضر بالآخرين إلي آخره. وقال ان تعرض الطفل وهو في هذه السن المبكر لمثل هذه الأشياء التي ليست من اختصاصاته والبعيدة عن اهتماماته, غير جائز شرعا, لأن المطلوب هو الحفاظ علي الطفل من أي خطر يتهدده وغير سليم اجتماعيا لأن الطفل يحتاج إلي تلقي النواحي التربوية التي تؤهله لان يكون انسانا مستقيما في المستقبل, وذلك يكون بكونه تحت رعاية ومظلة الأسرة, لا أن يقف في الشارع عرضة للعديد من المخاطر والأهوال في المظاهرات والتي تربي فيه الخوف والرعب وتؤثر عليه من الناحية النفسية والجسدية وقال ان مثل هذا السلوك, غير حضاري وغير انساني ولا يعبر عن حضارة أو فكر. واذا كان علماء الدين يؤكدون حرمة استغلال الاطفال في المظاهرات والاعتصامات, فان خبراء النفس يحذرون من الآثار السلبية للدفع بالأطفال في المظاهرات, وتقول الدكتورة تهاني عبد الهادي أستاذة الصحة النفسية بجامعة عين شمس علي ضرورة ألا نغفل دور العوامل البيئية والوسط الإجتماعي الذي يعيش فيه الفرد في تشكيل ونمو شخصيته ومن ثم فإن تعرض الطفل للخبرة الصادمة في المظاهرات هو موقف يحرك العوامل الساكنة ويستفذ ما لديه من عقد وانفعالات مكبوتة, ونجد أن كل مرض نفسي أساسه في الطفولة ومن ثم يقوم الفرد بتمثيلها في الكبر, حيث ان الخبرات الصادمة الأليمة في الطفولة تؤدي إلي الحساسية النفسية لمواقف الإحباط والنقد فيستجيب الفرد لها استجابات شاذة فكلما كانت الخبرة الصادمة عنيفة مثل موقف الأطفال في المظاهرات كلما كان تأثيراها في إحداث المرض شديد وتمهد هذه الخبرة العنيفة المظاهرات الإصابة بالعديد من الاضطرابات النفسية والانفعالية والأمراض الاجتماعية ومنها القلق والفصام والوسواس القهري والبارانويا والتفكك وعصاب الحادث, فعصاب الحادث الذي يكون الحادث نفسه عامل مرسب لدي الشخص ويكون في شكل هستيري وخاصة عندما يكون هناك رغبة لا شعورية في الحصول علي مكسب ثانوي مثل التعويض المادي الذي يحصل عليه أطفال الشوراع كما يخلق هذا العمل بداخل الفرد صراع بين الدوافع والمعايير الاجتماعية والقيم الخلقية وبين الانحرافات السلوكية والجنسية التي تنتج جيلا من الجانحين.