نعيش طيلة أكثر من ستة عقود في ظل عوالم من الأكاذيب, والحقائق, التي اختلطت معا علي نحو باتت تشكل سواتر كثيفة تحول دون السعي الجاد لبلورة رؤي جادة تدفع بنا إلي تصفية مواريث من التمجيد المفرط لمصر. كدلالة علي إحساس شبه جمعي وعميق بالعجز وعدم الإنجاز, وتراكم الفشل, وتدهور مستويات ونوعية المورد البشري المصري- والاستثناءات حاضرة من الكفاءات والمواهب اللامعة ولكنها محاصرة ومستبعدة من الحضور الفاعل في المؤسسات السياسية والقومية!-, وهو الأمر الذي يفسر ضمن أسباب وعوامل تكوينية آخري حالة الضعف النخبوي في الدولة العميقة! ورموزها ودعاتها والمساندين لها. ان الخطابات النخبوية السياسية والمهنية التكنوبيروقراطية والدينية- الإسلامية والمسيحية في عمومها- تشير إلي تراجع في بنياتها ومنطوقها ومرجعياتها الإيديولوجية والفقهية واللاهوتية, وضعف معلوماتها, ورؤاها... إلخ, وهو ما يعكس تراجع دور وفاعلية المؤسسات الدينية الكبري. هذا الولع الجامع بامتلاك الحقائق المطلقة- وفق تعبير مراد وهبة ذائع الصيت المفارقة للواقع الموضوعي والتاريخي لمصر وإقليمها وعوالمها التي تحركت وتفاعلت في سياقاتها وضغوطها وتعقيداتها, يشير إلي أزمة كبري! نخب وجماهير عاشت ولا تزال علي صناعة الأساطير والأوهام ومن ثم تزييف متبادل للوعي, وفي ظل تدهور التعليم, والتكوين المهني والتخصصي, ومعه مستويات الحياة الاجتماعية, والاقتصادية ومن ثم, بدت مسافات الوعي بين النخب والجماهير متقاربة أثر قانون الفساد, وضعف مستويات أجهزتها البيروقراطية والتكنوقراط, علي الدولة وأجهزتها وتحولها إلي كيان أسطوري غامض, يبدو وكأنه كلي القدرة والفعالية, والتأثير اعتمادا علي فائض القوة المشروع المحتكر بواسطة الدولة بينما واقعها شئ آخر تماما! هيبة أسطورية وخوف مساوق لها, عاش عليه غالب المصريين, علي نحو أدي إلي كبح إبداعهم وقمع حرياتهم العامة والشخصية,. تناسل الخوف الأسطوري من الدولة وأجهزتها القمعية, وأدي إلي نمو وتمدد ثقافة الخوف والنفاق والكذب لدي الجمهور... الخ! حتي تم نزعه من جوانحنا عبر الاحتجاجات الثورية! جاءت الانتفاضة الثورية الأولي في25 يناير2011, واضطرابات وفشل إدارة المرحلتين الانتقاليتين الأولي والثانية والأخطاء التاريخية القاتلة تتراكم من غالب النخب السياسية, من الإخوان المسلمين والسلفيين والجماعات الإسلامية السياسية الأخري, والمؤسسات الدينية, ونخبة الدولة العميقة العميقة جدا جدا؟!- ومعهم النخب السياسية الأخري الليبراليين, واليساريين, والقوميين, وسواهم...! ومعهم بعض نجوم وطلائع القوي الثورية الجديدة الشابة! من تشظ وتشرذم, ونقص الخبرات, وضعف الرؤي السياسية وسيطرة لغة الشعارات الصاخبة, واللهاث وراءها! بين هؤلاء وأولئك كانت المواهب والكفاءات اللامعة, تحاصر من قبل غالب النخب السياسية وخطاباتها الصاخبة, وسلوكياتها السياسية المضطربة مما أدي إلي تفاقم الأزمات وتكالبها. ترك جميع الأطراف السياسية القضايا والمشكلات الحقيقية وراءهم وانساق غالبيتهم- من جميع المدارس الإيديولوجية- إلي الصراع علي التصريحات, والحضور في قلب المشاهد الإعلامية والتلفازية, بقطع النظر عن مصالح الأمة والدولة علي نحو أدي إلي وضع الدولة العميقة واتباعها, والسلطويين الجدد من الأخوان ومشايعيهم- لخرائط طريق معتمدة من الإدارة الأمريكية وربما مخططة, ومؤيدة بأدواتها! ترك الجميع المجتمع والدولة مستباحين للمال السياسي الحرام, والأيادي السوداء من رجال الاستخبارات الخارجية المعادية ومن لف لفهم- تعبث بأمن ومستقبل البلاد من25 يناير إلي ما قبل30 يونيو.2013 صارعت النخب بعضها بعضا, وداخلهم كان البعض يسعي إلي مكانته ومصالحه الشخصية, أو العائلية, وإلي حضوره في قلب السياسة التلفازية/ المرئية... سعي محموم/ ولا يزال من غالبهم كي يتحولوا إلي نجوم في البرامج الحوارية وغيرها, وليس علي الأرض وبين الناس إلا بعضهم فقط, أو بعض التنظيمات ذات القوانين السرية الصارمة كالإخوان, التي سعت مع السلفيين لمصالحها السياسية فقط في الوصول إلي السلطة تحت مظلة من التلاعب بالشعارات الإيديولوجية والدينية والوطن والأمة غائبان أو غائمان في عقلهما السياسي/ الديني المضطرب! تاريخ من فشل غالب النخب السياسية في الدولة العميقة! جدا! جدا!, وفي إطار الإخوان والجماعات الإسلامية, وما يسمون بالليبراليين واليساريين والقوميين؟ وبعض نجوم الثورة من الشباب! الجميع يحتاج إلي وقفة مع الذات أين أخطأوا في حق بلادهم؟ وفي حق شعبهم الذي ترك لكي يظهر بعضا من أفضل ما فيه علي المستوي الحضاري, وأيضا غالب سوءاته الخطيرة التي ظهرت وبوضح, ولا تحتاج إلي إشارة أو رصد, أينما وليت وجهك يظهر السوء والباثولوجيا الاجتماعية المتوطنة في قلب بعض الاهتراءات في التراكيب الاجتماعية, والثقافة السياسية, وأنماط التدين الطقوسي والشكلاني الكاذب, بينما الجرائم وأنماط الفساد المعمم والكذب والمداراة والإدعاءات وراء أقنعة وسواتر من اللغة الدينية في الحياة اليومية وفي الوظيفة العامة, وفي التعاملات بين الناس بعضهم بعضا! بينما يختفي وراءها الزيف والدنايا والمصالح الصغيرة أو الكبيرة! نحتاج إلي وقفة ذاتية وجماعية حول ما فعلناه بأنفسنا وبالآخرين, وبدولتنا وبلادنا, وأحزابنا, وما يسمي مجازا بالمجتمع المدني, وما وراءه من خطايا وتمويلات وخطابات كاذبة تتدثر باللغة الكونية, وهي لا تعدو سوي كلمات وفقاعات تتري واحدة وراء آخري, دونما فاعلية في حياتنا أو ومسئولية وراء طرحها! تواطوءات وتأمرات من الكل إزاء الكل والناتج الأعظم هو فشل الدولة والأمة ونجوم النخبة السياسية الفاشلة واللامعة بخيباتها! نحتاج إلي وقفة لكي لا تتحول الموجة الثانية للانتفاضة الثورية العارمة في30 يونيو2013 إلي هبة جماعية, سرعان ما تنكسر قوادمها بفعل خارطة طريق مختلة, ووزارة بها عوار في التشكيل والإرادة والعزم السياسي, ومعها فشل آخر كبير لقيادة الإخوان المسلمين, وتزمت بعض قادة الحركة السلفية, وبدء تحول بعض قادة تمرد إلي نجوم تلفازيين جدد, سرعان ما يخبو وهجهم, ويتحولون إلي دخان في الهواء ومعهم نجوم الإنقاذ ومؤتمراتهم وتصريحاتهم المتلفزة! وقفة جادة وحاسمة كي نخرج من النفق المظلم لجمهورية الفوضي والدولة العميقة والأكاذيب والأوهام! وقفة تاريخية لأن أجيال عديدة أراها جاهزة وذات إرادة وعزم ومضاء سياسي علي القيام بالموجة الثالثة الحاسمة والجازمة لهدم جمهورية الدولة العميقة وعقل المنظمات السرية الإسلامية, وبقايا كومبارسات الدولة التسلطية! وقفة حاسمة وجادة ووطنية قبل طوفان نوح السياسي الذي يلوح في الأفق! لمزيد من مقالات نبيل عبدالفتاح