كان الله في عون الأستاذ الإمام د. أحمد الطيب في معاركه إزاء هؤلاء الذين يحاولون تغيير طبيعة الأزهر وتراثه الوطني والديني الوسطي والإصلاحي. يبدو أن بعضهم يستخدم بعض وقائع الإهمال والفوضي لأهداف لا علاقة لها بالإصلاح والتصدي للإهمال والبلادة وعدم المسئولية في جذورهما في تركيبة الدولة وثقافة غالب المصريين! إذا تركنا جانبا ما يراد للأزهر فسنواجه ذات الذهنية القديمة التي تركز علي ظاهر الحدث دون التعمق في تقصي جذوره في مجاله وسياقاته وأطرافه.. إلخ, من هنا يعاد إنتاج الأزمات وتتفاقم في تطوراتها ويتعذر مواجهتها أو إيجاد حلول في العمق لها.. وهكذا مئات بل والآلاف من واقعات الإهمال الصحي, ولا أحد يبحث أسبابها العميقة وتطوراتها, وكيف يمكن التصدي لها, في العشوائيات, في الجريمة وتطوراتها.. في كل تفاصيل وثنايا الحياة اليومية المصرية المختلة, تواجه الإهمال وغياب حكم القانون وثقافته, بل وخراب الضمائر والأرواح. حادثة تسمم بعض طلاب جامعة الأزهر هي تعبير عن أحد وجوه ثقافة الفوضي والإهمال التي وسمت الكثير من ممارساتها في المجالات الغذائية والصحية والرقابة عليها. أوضاع غذائية وصحية لا تؤدي سوي إلي انتشار الأمراض بجميع أنواعها ومخاطرها, وعلي الجانب الآخر تردي مستويات الخدمات الصحية, وضعف الكفاءات الذي بات يمثل أحد نواتج سياسة تعليمية تتسم بالضعف والاختلال الجسيم! وانتشار الوساطات والمحسوبية وأشكال من الفساد والخروج علي القانون.. إلخ. غياب ثقافة المسئولية, وشيوع ثقافة الإهمال التي تجذرت في غالب بنية الدولة وهياكلها, ولدي قطاعات واسعة من الموظفين العموميين الذين يفتقرون إلي التكوين الوظيفي الجاد, والتدريب وإعادة التأهيل من مرحلة لأخري, مع انتشار الكسل والبطالة المقنعة وأشكال من الفساد باتت تشكل جزءا من صور الوظيفة العامة في مصر. والأخطر أن هذه الأشكال المنحرفة وغياب المسئولية شاعت عقب الانتفاضة الثورية, لأن الذين يديرون دولاب الدولة وأجهزتها يفتقرون إلي ثقافة الدولة والرأسمال الخبراتي الذي يكتسب من فهمها والتعامل معها وفي إطار مؤسساتها وشبكاتها المعقدة, وبيروقراطيتها العتيدة والمتخلفة أيضا.! وأيضا تسمم طلاب الأزهر مجرد مثال علي الإهمال في الإشراف الغذائي والصحي في عديد من مناحي حياتنا ومؤسساتنا في الدولة وفي القطاعين العام والخاص, وكل الأمور الخطيرة والضارة بالصحة العامة للمواطنين لا أحد يهتم بها إلا استثناء! من هنا الواقعة الخطيرة تمس جميع مرافق الدولة وهيئاتها الرقابية, ولابد من التصدي الحاسم لفشل الأجهزة الرقابية علي الغذاء والصحة الوقائية وغيرها أمام استمرار ثقافة الفوضي وغياب المسئولية التي ستدفع نحو انهيارات وراء أخري علي نحو ما نشاهد يوميا. المساءلة والقرارات الحاسمة مطلوبة وهو ما فعله الأستاذ الإمام الدكتور أحمد الطيب, الرجل ذو الكفاءة الرفيعة والمسئولية, وروح التجديد والإصلاح في مؤسسة عريقة تحتاج إلي تطويرات كبري كي يتصدي لمواجهة إرث من الاختلالات تراكم عبر الزمن في السياسة التعليمية التي يحاول تطويرها, ولكنه يواجه بجماعات الضغط والمصالح التي تحتاج إلي التصدي لها, ولكن ذلك يحتاج إلي إرادة سياسية وقرارات جريئة من الدولة! مؤسسة دينية رفيعة المكانة والمقام تتطلب التجديد المؤسسي وفي سياسات التعليم والتنشئة والتكوين لكوادرها, ومن ثم طلابها كي تستطيع مواجهة تحديات عصرنا المعقد الذي لم يعد ينتظر أحدا لكي يواكبه, وذلك لكثافة التغيرات والتحولات ذات الطابع الكوني! أسئلة وإشكاليات ومشكلات من نمط فريد تواجه الخطابات الدينية الإفتائية والكلامية والدعوية... إلخ في إطار سوق دينيا كونيا وإقليميا ووطنيا لم تعد كما كانت في الماضي! لم تعد أسئلة عصرنا وتعقيداته هي ذات أسئلة الماضي ومن ثم لم يعد مجديا ولا فاعلا للأجيال الجديدة من أبنائنا أن يعاد إنتاج بعض الآراء والتفسيرات والتأويلات التي سادت في بعض مراحل تطور الفقه والإفتاء والوعظ, ومن ثم لم تعد ذهنية الحفظ كافية لتشكيل عقل وذاكرة رجل الدين وأدواته, وإنما إعمال العقل الإصلاحي الذي يحاول الاجتهاد. أعتقد أن الأستاذ الإمام الأكبر د. أحمد الطيب يحاول أن يتصدي لمشكلات معقدة, وفي ظروف الفوضي والاضطراب التي يستفيد منها ذوو الأهواء والمصلحة, ويريدون صرف الإمام عن مهمته الجليلة ليتفرغ للتصدي لبعض الفخاخ الصغيرة, والمشكلات التي تتفجر هنا وهناك كنتاج لتاريخ من الأزمات والمشكلات الممتدة في الدولة والأزهر والمجتمع. إن وصول بعضهم إلي حرم الإمام للتظاهر رافعين شعارات مطبوعة عقب الحادثة علي نحو ما أشارت بعض المصادر الإعلامية يشير إلي أن وراء الأكمة ما وراءها! إن السعي إلي تغيير الأستاذ الإمام, ومحاولة تغيير طبيعة الأزهر الوسطي سواء من خلال فرض هذا الاتجاه أو ذاك هو انقضاض علي تاريخ المؤسسة العريقة وتراثها الفقهي والتفسيري والتأويلي والدعوي والافتائي الوسطي والإصلاحي! إن محاولة الضغط علي الأستاذ الإمام بتوظيف ثقافة إهمال دولة وسياسات, وموظفين وغالب الشعب هو أمر مرفوض خاصة في ظل إهمال تاريخي مستمر, وهي سياسة تؤدي إلي تدمير للمؤسسات الوطنية العتيدة! إنها محاولة لكسر إحدي أدواتنا الناعمة في الإقليم ومناطق ومجالات أخري في عالمنا! اتركوا الأستاذ الأكبر يسعي بالاجتهاد والعقلانية والإيمان الحي بالقيم الإسلامية العليا والفضلي, كي يساعد علي تطوير الأزهر واستعادة دوره وبناء الجسور بين المدارس الفكرية والسياسية, وبين أبناء الأمة المصرية من المسلمين والأقباط علي نحو ما فعل وبعض صحبه الكرام. اتركوا للرجل المجال والفرصة كي يحقق ما فشل فيه من في السلطة والمعارضة معا! نقلا عن الأهرام