غدا.. "الصحفيين" تحتفل بميلاد رواد المهنة وتكرم الحاصلين على الماجستير والدكتوراه    سعر الدينار الكويتي أمام الجنيه اليوم الثلاثاء 30-4-2024 في مصر    تصالح مخالفات البناء.. "الإجراءات والمتطلبات"    اليوم.. نظر استئناف دعوى إثبات نسب طفل ل"اللاعب إسلام جابر"    سعد الدين الهلالي يرد على تصريحات زاهي حواس حول وجود الأنبياء في مصر    انهيار أسعار الفراخ اليوم نهاية أبريل.. البيضاء نزلت 20 جنيه    مجلس الشيوخ يستأنف جلساته العامة اليوم    صعود مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    بكاء ريهام عبد الغفور أثناء تسلمها تكريم والدها الراحل أشرف عبد الغفور    ختام عروض «الإسكندرية للفيلم القصير» بحضور جماهيري كامل العدد ومناقشة ساخنة    «طب قناة السويس» تعقد ندوة توعوية حول ما بعد السكتة الدماغية    حقيقة نشوب حريق بالحديقة الدولية بمدينة الفيوم    اليوم.. محكمة جنح القاهرة الاقتصادية تنظر 8 دعاوى ضد مرتضى منصور    الجيش الأمريكي ينشر الصور الأولى للرصيف العائم في غزة    مقتل 3 ضباط شرطة في تبادل لإطلاق النار في ولاية نورث كارولينا الأمريكية    اندلاع اشتباكات عنيفة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال في مخيم عسكر القديم شرق نابلس    مباراة من العيار الثقيل| هل يفعلها ريال مدريد بإقصاء بايرن ميونخ الجريح؟.. الموعد والقنوات الناقلة    ظهور خاص لزوجة خالد عليش والأخير يعلق: اللهم ارزقني الذرية الصالحة    تعرف على أفضل أنواع سيارات شيفروليه    تعرف على أسباب تسوس الأسنان وكيفية الوقاية منه    هل أكل لحوم الإبل ينقض الوضوء؟.. دار الإفتاء تجيب    العميد محمود محيي الدين: الجنائية الدولية أصدرت أمر اعتقال ل نتنياهو ووزير دفاعه    حبس 4 مسجلين خطر بحوزتهم 16 كيلو هيروين بالقاهرة    نيويورك تايمز: إسرائيل خفضت عدد الرهائن الذين تريد حركة حماس إطلاق سراحهم    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    لتلوثها ببكتيريا برازية، إتلاف مليوني عبوة مياه معدنية في فرنسا    محلل سياسي: أمريكا تحتاج صفقة الهدنة مع المقاومة الفلسطينية أكثر من اسرائيل نفسها    حماية المستهلك: الزيت وصل سعره 65 جنيها.. والدقيق ب19 جنيها    تعرف على موعد إجازة عيد العمال وشم النسيم للعاملين بالقطاع الخاص    موعد عيد شم النسيم 2024.. حكايات وأسرار من آلاف السنين    شقيقة الأسير باسم خندقجي: لا يوجد أى تواصل مع أخى ولم يعلم بفوزه بالبوكر    نظافة القاهرة تطلق أكبر خطة تشغيل على مدار الساعة للتعامل الفوري مع المخلفات    د. محمود حسين: تصاعد الحملة ضد الإخوان هدفه صرف الأنظار عن فشل السيسى ونظامه الانقلابى    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30 أبريل في محافظات مصر    العثور على جثة طفلة غارقة داخل ترعة فى قنا    أستاذ بجامعة عين شمس: الدواء المصرى مُصنع بشكل جيد وأثبت كفاءته مع المريض    مفاجأة صادمة.. جميع تطعيمات كورونا لها أعراض جانبية ورفع ضدها قضايا    السجيني: التحديات عديدة أمام هذه القوانين وقياس أثرها التشريعي    بمشاركة 10 كليات.. انطلاق فعاليات الملتقى المسرحي لطلاب جامعة كفر الشيخ |صور    حكم الشرع في الوصية الواجبة.. دار الإفتاء تجيب    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لي نصيباً في سعة الأرزاق وتيسير الأحوال وقضاء الحاجات    ميدو: عامر حسين ب «يطلع لسانه» للجميع.. وعلى المسؤولين مطالبته بالصمت    مصدران: محققون من المحكمة الجنائية الدولية حصلوا على شهادات من طواقم طبية بغزة    المتحدث باسم الحوثيون: استهدفنا السفينة "سيكلاديز" ومدمرتين أمريكيتين بالبحر الأحمر    تصريح زاهي حواس عن سيدنا موسى وبني إسرائيل.. سعد الدين الهلالي: الرجل صادق في قوله    «هربت من مصر».. لميس الحديدي تكشف مفاجأة عن نعمت شفيق (فيديو)    عفت نصار: أتمنى عودة هاني أبو ريدة لرئاسة اتحاد الكرة    الأهلي يفعل تجديد عقد كولر بعد النهائي الإفريقي بزيادة 30٪    ضبط 575 مخالفة بائع متحول ب الإسكندرية.. و46 قضية تسول ب جنوب سيناء    بعد اعتراف أسترازينيكا بآثار لقاح كورونا المميتة.. ما مصير من حصلوا على الجرعات؟ (فيديو)    ليفاندوفسكي المتوهج يقود برشلونة لفوز برباعية على فالنسيا    توفيق السيد: لن يتم إعادة مباراة المقاولون العرب وسموحة لهذا السبب    إيهاب جلال يعلن قائمة الإسماعيلي لمواجهة الأهلي    تقديم موعد مران الأهلى الأخير قبل مباراة الإسماعيلى    درجات الحرارة المتوقعة اليوم الثلاثاء 30/4/2024 في مصر    تموين جنوب سيناء: تحرير 54 محضرا بمدن شرم الشيخ وأبو زنيمة ونوبيع    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    أخلاقنا الجميلة.. "أدب الناس بالحب ومن لم يؤدبه الحب يؤدبه المزيد من الحب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصفوة السياسية والثقافية مسئولة عن الوضع الراهن‏..‏
والسياسة أثرت سلبيا علي المؤسسات الدينية وأفقدتها استقلاليتها
نشر في الأهرام المسائي يوم 08 - 09 - 2010

ما دور التعليم الديني في تفاقم المسألة الدينية المصرية الراهنة وفق توصيفك السابق؟
بالمناسبة المسألة الدينية ليست قصرا علي الحالة المصرية‏,‏ وإنما هي حالة عامة تشمل غالب الدول والمجتمعات العربية والإسلامية‏.‏
التعليم الديني لا يختلف كثيرا عن التعليم العام والجامعي وما بعده‏,‏ نحن نواجه خطرا داهما منذ عقد الستينيات في نظمنا التعليمية التي تعتمد علي تقاليد الحفظ والتسميع والتلاوة والتكرار للكتب المدرسية‏,‏ والمقرر داخلها في كل سنة دراسية علي الطلاب والذي يتضاءل من عام لآخر‏,‏ ومنذ السنوات الأولي حتي في إطار التعليم الجامعي‏.‏ نحن أمام وجه من وجوه العقل النقلي‏,‏ لا العقل النقدي في سياسة ومناهج التعليم السائدة والمستمرة‏,‏ رغما عن الشعارات التي يرفعها بعض وزراء التعليم‏,‏ والتعليم العالي‏.‏ وزيرا وراء آخر‏,‏ وحكومة وراء أخري‏,‏ ولم نر تطويرا‏,‏ وإنما سمعنا مجموعة من الخطب العصماء عن التطوير وإصلاح التعليم فقط‏!‏ خذ مثلا هذا السؤال ما الذي حدث منذ مقالات د‏.‏ لويس عوض عن تدهور التعليم المصري عموما‏,‏ وفي مناهج تدريس تاريخ مصر في المرحلة الفرعونية مثلا ?‏ وتخلفها عما‏?‏ يدرسه الطلاب في فرنسا وبريطانيا‏,‏ وذلك في مرحلة التعليم الابتدائي بل وما يدرسه الطالب المصري في الإعدادي والثانوي؟ هل لديك أو لدي وزراء التعليم وحكوماتهم المتعاقبة إجابة عليه؟
كانت الصورة كارثية ولا تزال‏!‏ ما الذي يدرسه الطالب المصري في التعليم العام والأزهري والأكليريكي‏?‏ عن استمرارية التاريخ المصري؟
منذ حكومة المرحوم د‏.‏ محمود فوزي ورصده لأزمة التعليم في بلادنا ومقارناته بالتعليم في اليابان ونهضتها الكبري‏,‏ وتراجعنا وتدهورنا‏,‏ والأمور لا تزال كما هي ولم تتغير أوضاع التعليم‏,‏ وزادت الأمور سوءا علي سوء مذاك‏.‏
ماذا عن التعليم داخل الأزهر الشريف؟
التعليم الأزهري كان دائما موضعا لانتقادات بعض المجددين والمصلحين الأزهريين‏,‏ من أيام إمام المجددين الشيخ حسن العطار وترشيحه ودفعه لرفاعة رافع الطهطاوي للسفر إلي باريس‏,‏ إلي الإمام المجدد محمد عبده‏,‏ إلي الأستاذ العميد طه حسين‏,‏ ونقده لذهنية وثقافة العنعنات وتعليم الذاكرة الحافظة‏,‏ ثم محاولات الإمام الأكبر مصطفي المراغي التي تكسرت علي أيدي التيار المحافظ‏.‏
ثمة مشروع للتطوير قاده المرحوم د‏.‏ محمد البهي وزير الأوقاف وكان من كبار المثقفين والعلماء المصلحين لتطوير الأزهر والجامعة تحديدا وتم في المرحلة الناصرية‏,‏ وهو مشروع يحتاج إلي دراسة علمية مدققة لمعرفة لماذا لم يحقق غالب الأهداف المرجوة من ورائه؟ نحتاج إلي معرفة ما الذي حدث؟ أين العطب‏,‏ ولماذا؟ وإلي أين من هنا إذا استمرت الأوضاع الراهنة؟ لأننا نحتاج إلي أزهر شامخ‏,‏ وعلماء مجتهدين ومجددين في علوم الدين وأصوله وفلسفته؟
هل هناك علاقة لأزمة التعليم عموما والديني بالسياسة؟
بالطبع نعم‏,‏ التنشئة التعليمية هي إحدي أنماط التنشئة الاجتماعية‏,‏ والتنشئة السياسية‏.‏ نعم أقول لك أن التعليم المصري السائد يكرس قيم الطاعة‏,‏ ومن ثم الموالاة‏.‏ السياسة الديمقراطية‏,‏ أو سياسة الحرية تصنع عالما من الحريات‏,‏ والأهم عقل الحرية ونفسية الحر الذي لا يقبل القهر ولا الخضوع‏.‏ ومنذ مطالع النهضة المصرية الحديثة‏,‏ كانت الحريات الفكرية والسياسية‏,‏ تشكل بيئة حاضنة للتجديد الديني والفكري والفلسفي والتعليمي‏.‏ كانت حرية الصحافة والأحزاب داعمة للحرية الفردية وللحرية العقلية‏.‏
عندما يتم تعميق الإصلاح الديمقراطي سيؤدي شاء بعضهم أم أبي إلي فتح أبواب التغيير والتجديد والاجتهاد في الفكر الديني‏,‏ وداخل المؤسسات الدينية وفي سياستها وهياكلها وإدارتها‏.‏ لن يكون هناك خلط بين القيادة الدينية ودور رجل السياسة‏,‏ لأن التمييز بين الديني والسياسي والاجتماعي والثقافي‏...‏ إلخ‏,‏ سيحدث‏,‏ وعلي نحو خلاق‏.‏
ستكون هناك تعددية واجتهادات ومغامرات فكرية‏.‏ في بيئة الحرية لا تصادر الأفكار وإنما يواجه الفكر بالفكر والاجتهاد بالاجتهاد والنقد بالنقد‏.‏ خذ مثلا كتاب الأستاذ العميد طه حسين في الشعر الجاهلي‏,‏ وردود بعضهم عليه كانت ذات وزن وجاءت من مولانا الشيخ محمود الخضري بك‏,‏ والخضر حسين شيخ الأزهر وآخرين‏.‏ كان التقليد السائد أن الفكرة بالفكرة والرأي بالرأي في ظل مصر شبه الليبرالية‏,‏ وفي إطار من الحرية والتسامح الفكري وهذا واحدا من طرق تجديد الفكر المصري بشكل عام‏.‏ لابد للقانون أن يحمي الإبداع والبحث والرأي من سياسة التكفير الديني‏.‏ نحن لم نعد أمام المسألة الدينية‏,‏ وإنما المسألة المصرية التي تذكرنا بالمسألة العثمانية‏.‏ هذا هو الوضع الآن‏,‏ والقول بذلك لا يعني الندب والعويل ولطم الخدود علي نحو ما يفعل بعضهم‏,‏ في بعض الصحف والفضائيات طلبا للذيوع أو اصطناع بطولات كاذبة‏.‏ المطلوب وقفة حازمة لدرس الأمور ومواجهتها وفق رؤية وتصور يعتمد علي العلم والبحث والمعرفة والمقارنة‏,‏ وليس من خلال الشعارات العامة والطبول الجوفاء وجلد الذات‏,‏ أو حتي تمجيدها علي خلاف الواقع‏.‏
في ضوء مخاطر المسألة الدينية كيف يمكن تطوير التعليم الديني؟
أتصور أن إمكانات التطوير تتم بالحرية أولا وكذلك بالموارد البشرية والعقلية والمالية التي يجب أن تخصص لتطوير التقنيات التعليمية‏,‏ وفي فلسفة التعليم الديني‏.‏ يجب أن نسأل أنفسنا هل المطلوب هو رجل دين نقلي يحفظ ويكرر محفوظاته؟ ودوره أن يكرر الآراء والفتاوي السابقة؟ أم المطلوب رجل دين عصري ومجتهد؟ وخاصة أننا في عصر ثورة معلوماتية واتصالية هائلة‏,‏ ومن ثم لن يؤدي الحفظ دوره القديم في المحافظة علي التراث الفقهي والافتائي والتفسيري للأصول الإسلامية‏,‏ لأن هذا الدور القديم تم تجاوزه‏,‏ ويمكن للمرء الحصول علي المعلومات والكتب من علي المواقع النتية غالب كتب الفقه والأصول والمتكلمين والمفسرين‏..‏ والسيرة العطرة وغيرها يمكن الوصول إليها‏,‏ من خلال المواقع النتية والإمكانيات التقنية والمعلوماتية باتت غير محدودة وفائقة التطور وبرامجها ستتطور في قفزات هائلة وخلال فترات زمنية وجيزة‏.‏ ومن ثم ستؤدي بعض الأدوار التقليدية التي قام بها رجل الدين في الماضي‏!‏
من هنا نحتاج إلي الانتقال إلي تعليم يشكل ذهنية قادرة علي مواجهة معضلات ومشكلات زماننا وعصرنا وتطوراته‏,‏ وظواهره وأسئلته المعقدة‏,‏ خذ مثلا أسئلة عديدة تثار حول الاستنساخ وآثره علي المنطق والفكر الديني التقليدي السائد‏,‏ وكذلك ثورة البحث في الجينات وتخليقها والتطورات المذهلة التي ستحدث في هذا المجال وغيره‏!‏ نحتاج إلي عقل ديني وثاب ومجتهد ومبدع في تفسيراته وفتاويه كي يجيب علي أسئلة ومشاكل المصريين‏,‏ المسلمين‏,‏ وكذلك المسيحيون‏.‏ نحتاج إلي عقل وفكر ديني يدعم حريات الناس وحقوقهم إزاء الظلم السياسي والاجتماعي وأساليب القهر والتهميش‏.‏ نعم نحتاج إلي عقل ديني داعم لقيم المساواة والحقوق والمواطنة‏.‏
كيف يحدث ذلك؟
كيف يحدث؟‏!‏ من خلال تطوير السياسة التعليمية‏,‏ وإدخال مناهج التحليل الملائمة في العلوم الاجتماعية‏,‏ في تكوين وتدريب طلاب العلوم الدينية‏.‏ أن تكون لدينا سياسة تعليمية تؤسس لتكوين العقل النقدي والتحليلي‏,‏ وهذا يحتاج إلي ديمقراطية النظام التعليمي وتحديث عملياته ومناهجه لتماثل النظم المتطورة في أمريكا وأوروبا واليابان وإسرائيل‏,‏ كيف يمكننا أن نستعيد مكانتنا الإقليمية وقوتنا الصلبة والناعمة‏,‏ والنظام التعليمي الإسرائيلي العام والجامعي أكثر تطورا‏,‏ وبما لا يقارن بما يحدث عندنا‏.‏ جامعاتنا خارج ال‏500‏ جامعة الأوائل في عالمنا‏,‏ بينما إسرائيل لديها جامعات ومراكز بحث أكثر تطورا وبما لا يقارن مع معاهدنا وجامعاتنا ومراكز البحث لدينا‏!‏ إنها كارثة ولا أحد يهتم هنا‏!‏
ما هي أسباب صراعات الفتاوي وفوضاها في رأيكم؟
نعيش عصر الفتاوي وأسواقها الدينية والافتائية وصراعاتها وحروبها كما لاحظ بعضهم‏.‏ وتعود ظاهرة الفوضي الافتائية لعديد الأسباب‏,‏ أستطيع أن أذكر لك بعضها فيما يلي‏:‏
‏1‏ تدهور مستوي الثقافة الدينية المستنيرة لدي بعض قطاعات الصفوة السياسية والاجتماعية من المتعلمين‏,‏ وأيضاي بين غالب جمهور المصريين‏.‏
‏2‏ تداخل الدين في السياسة‏,‏ أدي إلي اعتماد بعض رجال السياسة علي نظام الفتوي لدعم مواقفهم السياسية المتغيرة‏,‏ ومحاولة تبرير تناقض مواقفهم إزاء الأزمات‏.‏
‏3‏ الظاهرة السلفية والوهابية المعاصرة ركزت ولا تزال علي ثقافة الفتاوي في كل أمور الحياة وتفاصيلها‏,‏ وإعادة إنتاج الأسئلة علي الأسئلة‏,‏ والتفصيلات من أجل الهيمنة علي الحقل الديني والاجتماعي والاقتصادي‏,‏ وفي المأكل والمشرب‏,‏ واعتماد آراء وفتاوي قديمة يعاد إنتاجها‏,‏ بهدف أن تكون تفصيلات التفصيلات في الحياة اليومية تحت سلطة الافتاء لمشايخ السلفية وآخرين غيرهم‏.‏
من الشيق ملاحظة أن السياسة الدينية الوهابية أدت إلي انتشار الفقه والعنف المذهبي الراديكالي وحركات مثل القاعدة في السعودية واليمن والخليج‏,‏ ومناطق عديدة في عالمنا‏!‏ وصدر مؤخراي قرار سعودي ملكي بتوحيد جهة الفتوي‏,‏ بعد انتشار ظاهرة الفوضي والعشوائية في إصدار الفتاوي من بعض غير المتخصصين في العلوم الدينية وشئون الافتاء‏.‏
‏4‏ أثر هجرة بعض المصريين إلي إقليم النفط‏,‏ ونمط الحياة السائدة هناك‏,‏ والدور الذي يلعبه بعض رجال الدين من خلال آلية الفتوي التي تعكس المذاهب والمدارس الفقهية الوهابية والسلفية التي تأثرت بها بعض الأسر والأشخاص والعمالة المصرية‏,‏ وخاصة أن غالب هؤلاء من العاديين الأميين وذوي التعليم البسيط أو من خريجي المعاهد والجامعات ذوي المستويات المحدودة من التكوين العلمي‏.‏
هؤلاء ربطوا بين الثراء النفطي والمالي‏,‏ وبين نمط التدين السائد هناك‏.‏ عاد هؤلاء ومعهم ثقافة ونمط تدين وقيم مستعارة من هناك‏,‏ وشاعت بينهم هنا‏,‏ وشجع عليها الحضور الوهابي والسلفي في مصر‏.‏
‏5-‏ أثر الفضائيات السلفية علي الوعي الديني شبه الجمعي في مصر‏,‏ أكد شيوع هذه القيم في بلادنا وعلي فكرة ثقافة الفتاوي والنزعة السلفية تصب في صالح الإسلام السياسي‏,‏ وعلي رأسه جماعة الإخوان المسلمين‏.‏
هل هناك أثر للفضائيات علي نمط التدين المسيحي السائد؟
بالطبع نعم‏,‏ لأن الفضائيات لم تعد قصرا علي السلفيين‏,‏ وإنما امتدت أيضا إلي الأقباط الأرثوذكس وغيرهم وهي تكرس الوضع المحافظ داخل المؤسسة القبطية الأرثوذكسية‏,‏ ووسط أتباعها وتعيد إنتاج الحالة الدينية المحافظة السائدة بينهم‏.‏
هل أثرت الفضائيات علي الوحدة الوطنية؟
موضوع الوحدة الوطنية أكثر شمولا وتعقيدا من أثر الفضائيات علي العلاقات بين المسلمين والمسيحيين‏.‏ الفضائيات الدينية‏,‏ والمواقع النتية أصبحت إحدي فضاءات حروب الكراهية الدينية‏,‏ لأنها تضم بعض الفاعلين الغلاة والمتطرفين الذين يسعون إلي إشاعة ثقافة الكراهية الدينية بين المصريين أساسا‏,‏ وبين المسلمين والأقباط‏.‏ من الملاحظ أن هناك تركيزا علي التشكيك المتبادل في المقدس الإسلامي‏,‏ والعقائد المسيحية‏,‏ وهي أمور تتسم بالخفة والنزق وغياب المسئولية‏.‏ لكل مواطن مقدساته وعقائده ويجب احترامها في إطار الحرية الدينية‏,‏ وهي جزء من الحريات الدستورية للمصريين‏,‏ بعض هؤلاء يتصورون أنه يمكن أن يحقق انتصارا علي أخوته في الوطن والأمة من خلال لغة التشكيك‏,‏ أو الكراهية‏,‏ أو العنف في الخطاب واللغة الجارحة‏.‏
أنها محاولة عبثية لأنها لن تؤدي إلي تغيير الناس لعقائدهم ومقدساتهم‏,‏ وستدفع بهم إلي المزيد من التشدد والتطرف والكراهية‏.‏ نحتاج إلي وقفة مسئولية إزاء هؤلاء من خلال رصد مكونات ثقافة الكراهية والخطابات الناطقة بأسمها‏,‏ وتحليلها ونقدها‏.‏ هنا لابد أن تقف الدولة والمثقفين والصحافة والإعلام والأزهر والكنيسة معا ضد إشاعة الكراهية الدينية والتطرف‏,‏ والعمل علي التركيز علي القيم الدينية المشتركة من قبيل المساواة‏,‏ والتسامح‏,‏ والعدل‏,‏ ورفض الظلم‏,‏ والمحبة‏,‏ والأخوة‏,‏ والمروءة ونصرة المظلوم‏,‏ ونشر الخير والمعرفة والعلم بين الناس‏,‏ والتأكيد علي قيم المواطنة وعدم التمييز في إطار الأمة والدولة الحديثة‏.‏
هل يمكن وقف العشوائية في إطلاق الفتاوي؟
الأمور ليست بسيطة‏,‏ لأننا نعيش نتاج عقود من إنتاج الفتاوي التي يطلقها بعض من غير المتخصصين أو غير المؤهلين علميا وأزهريا للتصدي للافتاء بين الناس‏,‏ وعقود من تسييس الفتاوي بل وتسليعها من آسف‏!‏ ومن ثم المواجهة الفقهية الصحيحة ستتطلب وقتا وجهدا‏,‏ وأتصور أن ذلك يتم من خلال حزمة من الأدوات يمكن أن أطرحها علي النحو التالي‏:‏
‏1‏ رصد الظاهرة بواسطة الباحثين والأزهر الشريف ومراكز إنتاج الفتاوي‏,‏ وأسبابها‏,‏ وأهدافها وتوجهات الخطابات الافتائية وأصولها ومصالحها‏.‏
‏2‏ معرفة المصادر النقلية أو التفسيرية أو التأويلية للفتاوي والكشف عن تناقضاتها أو مدي صلاحية بعضها أو غالبها ومدي صحته من الناحية الشرعية‏.‏
‏3-‏ إشاعة التفسيرات الدينية والفقهية الصحيحة بلغة ميسرة وسلسة من خلال الإنترنت‏,‏ والكتب‏,‏ ووسائل الإعلام لإشاعة ومراكمة ثقافة دينية اعتدالية فق والقيم الإسلامية الفضلي‏.‏ بالمناسبة يمكنك أن تلاحظ تأثر بعض الوسط المسيحي المصري بذهنية الفتاوي‏,‏ وقيام الجمهور بطرح أسئلة علي كبار رجال الدين‏,‏ ويقومون بإجابات ذات طابع افتائي‏!‏ هذا حلال وهذا حرام كنسيا‏!‏
هل التجديد في الفكر الديني ممكن في ظل الأمور المعقدة التي شرحتها؟
طبعاي التجديد هو ابن للحرية العقلية والسياسية‏,‏ وفي البحث والدرس الأكاديمي الرصين والجاد والشاق‏.‏ نعم التجديد هو الحرية الخلاقة المسئولة والديمقراطية‏.‏ نحن إزاء تحديات عاصفة أمام العقل الإسلامي‏,‏ الموقف من الإنسان والعالم والعلم والتقنية فائقة التطور وذلك في ظل أسئلة مختلفة ومغايرة للأسئلة القديمة التي ألفها الفقه والفكر الديني الإسلامي والمسيحي‏.‏
الإسلام يعاني من تضخم الصور السلبية والنمطية حوله في عالمنا‏,‏ ونحتاج إلي جهد شاق وخلاق لتغيير الصور غير المنصفة حول الدين العظيم‏!‏ ومن آسف ساهمنا بتخلفنا وتدهور أوضاعنا العقلية والفكرية في إضفاء صور سلبية داعمة للصور النمطية الغربية السلبية‏.‏ أن تجديد وتطوير بنية العقل الإسلامي والعربي مسألة ممكنة في ظل تزايد الطلب الاجتماعي والسياسي علي الحريات والديمقراطية‏,‏ والحاجة إلي تعليم مختلف‏,‏ وخطابات دينية عصرية تجيب علي أسئلة وتحديات عالمنا المعولم‏.‏
أتصور أن الإمام الأكبر د‏.‏ أحمد الطيب لديه رؤية إصلاحية وتحتاج إلي دعم المثقفين ورجال الدين المصلحين لتطوير الأزهر الجامع والجامعة‏,‏ واعتقد أنه قادر ومعه بعض العلماء الأفاضل علي تحقيق هذا التوجه‏.‏
هل الإصلاح ممكن في الكنيسة الأرثوذكسية؟
طبعا نحن الآن أمام عدة ظواهر تشكل طلبا علي التجديد الكنسي منها‏:‏ بروز ظاهرة بعض‏'‏ العلمانيين الأقباط‏',‏ وبعض المطالب الإصلاحية المطلوب تحقيقها في مجال الأحوال الشخصية‏.‏ بروز اتجاه يطالب بتطوير المؤسسة وأفكارها‏,‏ وخاصة في ظل أجيال جديدة تحتاج إلي خطاب ديني مختلف سواء في الداخل‏,‏ أو بين أبناء أقباط المهجر‏.‏ هناك بعض الإصلاحيين داخل المؤسسة وعلي رأسهم الأنبا موسي علي سبيل المثال‏,‏ وهو رجل استنارة وحوار وبناء جسور بين أبناء الوطن الواحد‏.‏ التطور الديمقراطي والحرية ستدعم اتجاهات التجديد في الفكر والمؤسسة الدينية الأرثوذكسية والإسلامية معا‏.‏
إعمال قيم المواطنة‏,‏ وتعديل بعض القوانين ورفع أية أشكال تمييزية بين المصريين جميعا مسلمين ومسيحيين‏,‏ رجال ونساء‏..‏ إلخ‏,‏ سيؤدي إلي كسر الجمود داخل المؤسسات والأفكار‏,‏ وسيولد طلب اجتماعيا وسياسيا علي فكر وخطاب ديني إسلامي ومسيحي تجديدي‏.‏
في ظل الحرية العقلية والدينية ستنهار قلاع الجمود والمحافظة وتسييس الدين ورجالاته التي جعلت بعضهم يتصور أنه ممثل سياسي عن جزء مهم من الأمة المصرية‏.‏ التغيير والتطوير سيحدث بالمواطنة الكاملة ورفع كل أشكال التمييز والديمقراطية والمشاركة الكاملة للأقباط ولكل المصريين في إدارة شئون بلادهم‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.