حماس تنعى أمين حركة المجاهدين أسعد أبو شريعة    الخارجية الروسية: نرفض استهداف منشآت إيران النووية ونسعى لحل بين واشنطن وطهران    زيزو يكشف تفاصيل مكالمة الخطيب ويرد على وصفه بصفقة القرن    "العربية بقت خردة".. سائق يصدم 6 أشخاص أعلى دائري المنيب    لقاءات تثقيفية وورش للأطفال.. قصر ثقافة الإسماعيلية يحتفل بعيد الأضحى    الشوارع غرقت.. كسر خط مياه شرب فى مدينة طور سيناء    في ذكرى وفاة المشير الجمسي، تعرف على آخر وزير حربية بمصر والمصنف ضمن أبرع 50 شخصية عسكرية بالعالم    إقبال كبير من المواطنين في الدقهلية على الحدائق ثاني أيام عيد الأضحى.. صور    «كتائب القسام» تنفذ عملية «نوعية» في خان يونس    اندلاع حريق كبير في السوق القديم بمدينة بندر عباس جنوبي إيران    منافس الأهلي.. إنتر ميامي يقترب من تجديد عقد ليونيل ميسي    عاجل|تصعيد خطير في لبنان رغم الهدنة.. غارات إسرائيلية على الضاحية الجنوبية ومخاوف من انفجار وشيك    تعرف على الخطأ الطبي الجسيم وفقا للقانون    ممدوح عباس يوجه رسالة قوية للزمالك: لن آخذ على عاتقي التزامات جديدة    نجم الأهلي على موعد مع التاريخ في كأس العالم للأندية    «الفلوس؟».. زيزو يكشف سر انتقاله إلى الأهلي    اتحاد الكرة يخاطب الإمارات وقطر لمواجهة منتخبي الشباب والناشئين وديا    أحمد الشيخ يعلن الرحيل عن الإسماعيلى رسميا    ستام أسطورة هولندا: أرشح صلاح للفوز بالكرة الذهبية.. ومجموعة الأهلى بالمونديال صعبة    "قومي المرأة" ينظم لقاء تعريفيا بمبادرة "معا بالوعي نحميها" بكاتدرائية الأقباط الأرثوذكس    إصابة طالب بطلق ناري في قنا    ضبط 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    رابط نتيجة الصف الأول الإعدادي 2025 برقم الجلوس    بعد هبوطه في 9 بنوك.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 8 يونيو 2025    ابن شقيق عبد الحليم حافظ: صوت الفن ليس من حقها التعاقد على حفل مهرجان موازين    «باعتبرها أمي».. شريف منير يوجه رسالة مؤثرة إلى زوج ابنته أسما (فيديو)    أمريكا.. تفشي السالمونيلا في 7 ولايات وسحب 1.7 مليون بيضة من الأسواق    أحمد زيزو: سأحترم جماهير الزمالك إذا سجلت في القمة    وزير الخارجية يُندد بمواصلة إسرائيل «انتهاك القانون الدولي»    في لفتة إنسانية.. الرئيس يطمئن على أحد الأئمة ويكلف بعلاجه فورًا    الربان عمر المختار صميدة رئيس حزب المؤتمر:الجمهورية الجديدة سمحت للأحزاب بممارسة دورها الحقيقى    برنامج متكامل لدعم 12 تكتلًا اقتصاديًا بالصعيد    أنشطة رياضية وترفيهية للمتعافين من الإدمان بمراكز العزيمة    ظاهرة جوية وصفتها الأرصاد ب «الخطيرة».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم: «توخوا الحذر»    إقبال كثيف على «مصايف الغلابة» بدمياط وكفرالشيخ والدقهلية    أخبار × 24 ساعة.. النقل: غرامة لمن يستخدم حارة الأتوبيس الترددى على الدائرى    سعر الذهب اليوم الأحد 8 يونيو محليًا وعالميًا.. عيار 21 الآن بعد الزيادة الأخيرة (تفاصيل)    بمساحة 10فدان.. مراحل استقبال الاضحيات بأحد المجازر العمومية في الإسكندرية    مجلس الوزراء: التوجيه بالمتابعة المستمرة لذبح الأضاحي بالمجازر الحكومية    تعرف على برجك اليوم 2025/6/8.. «الثور»: تمل من العطلة.. و«العذراء»: تمر بحالة من الهدوء والتأني    81 عاما من العطاء.. قضتها "نفيسة" في محو الأمية وتحفيظ القرآن للأهالي مجانا    مها الصغير: رفضت فرصة للتمثيل أمام أحمد زكي.. وأستعد لإقامة معرض فني للوحاتي    «ماسك» يتحدى «ترامب» ب«حزب جديد» ينافس «الديمقراطيين» و«الجمهوريين»    «الرعاية الصحية»: جولات ميدانية مكثفة لمتابعة سير العمل    قد تتحول إلى سموم ..تجنب وضع هذه الأشياء داخل الميكروويف    قوافل ومبادرات صحية تجوب المنوفية في ثاني أيام العيد.. صور    القاهرة الإخبارية: شرطة الاحتلال تعتدي على المتظاهرين وسط تل أبيب    الحجاج يخلدون رحلتهم الإيمانية في مشاهد مصورة.. سيلفى فى الحرم بين لحظة الخشوع وذاكرة الكاميرا    استمرار أعمال التجميل ورفع المخلفات بميادين الإسماعيلية    كل عام ومصر بخير    البابا تواضروس يلتقي شباب الإسكندرية بمنتدى كنيسة العذراء بسموحة يوليو المقبل    فى موسم الرحمة.. مشاهد البر تتصدر مناسك الحج هذا العام.. أبناء يسيرون بوالديهم نحو الجنة بين المشاعر المقدسة.. كراسى متحركة وسواعد حانية.. برّ لا يعرف التعب وأبناء يترجمون معنى الوفاء فى أعظم رحلة إيمانية    "أكلات العيد".. طريقة تحضير الأرز بالمزالكيا    ما حكم من صلى باتجاه القبلة خطا؟.. أسامة قابيل يجيب    عيد الأضحى 2025.. ما حكم اشتراك المضحي مع صاحب العقيقة في ذبيحة واحدة؟    12 عرضا في قنا مجانا.. قصور الثقافة تطلق عروضها المسرحية بجنوب الصعيد    بشرى تتألق بإطلالة صيفية أنيقة في أحدث جلسة تصوير لها| صور    شعبة الدواجن تعلن هبوط أسعار الفراخ البيضاء 25% وتؤكد انخفاض الهالك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرحلة 738
حينما يكون الجليد باعثا علي الدفء!
نشر في أخبار الأدب يوم 21 - 03 - 2015

- أيوه أنا عايزة أتأكد إن طيارة مصر للطيران اللي رايحة القاهرة حتقوم في ميعادها.
الموظفة: أيوه حضرتك.. في ميعادها.
لملمت أغراضي وخرجت متوجهة إلي المطار. كان كل شيء مغطي بالأبيض، الطرقات، العربات، والشجر. لم أر هذا المنظر في اسطنبول من قبل.
كان هناك شبه عاصفة ثلجية والثلج يغطي كل شيء وتحولت اسطنبول لمدينة بيضاء كمدن الأساطير.
كست الثلوج أسطح المنازل أوروبية الطراز. وأصبح القرميد الأحمر أبيص وصلت إلي المطار وتمت جميع الإجراءات بالشكل الروتيني، تفاءلت خيرا: «معني كده الطيارة هتقوم في ميعادها» قلت لنفسي.
لست من النوع الاجتماعي عادة، ولست من النوع الذي ينتابه الفضول للتعرف علي المسافرين علي نفس الرحلة، أو عمل حوارات عشوائية لتمضية الوقت لذا توجهت للبوابة في الميعاد المحدد مقررة التزام الصمت، ووضع عيني في كتاب لتفادي نظرات المصريين الفضولية وتجنب أي مجال للحوار. لأن الحوار عادة لايكون سطحيا وعابراً لملء الوقت كما يحدث في أماكن كثيرة في العالم، لكن بعد خمس دقائق من الكلام سندخل في أسئلة مسابقة: «وانتي بقي متجوزة» وبقالك اد أيه؟ وفي ولاد؟ لأ.. يالا شدي حيلك وهاتي بيبي أمور زيك كده وجاية أسطنبول لوحدك؟ وجاية تعملي شوبنج ولا عندك شغل هنا؟ لم يخطر ببالي أن هؤلاء الراكبين سيكونون بمثابة أسرة كبيرة لي علي مدي ال 36 ساعة القادمة.
باق خمس عشرة دقيقة علي موعد إقلاع الطائرة ولايوجد أي موظف من شركة الطيران ليتمم إجراءات الصعود وبدأ الفار يلعب في «عبي» زي ما بنقول بالبلدي كده. وأخدت أشيائي وذهبت لتفقد شاشة المعلومات لعل البوابة اللي أجلس أمامها تكون تغيرت.
وبدأت الرحلة ولكن هذه المرة داخل أروقة المطار.
وقفت أتطلع إلي الشاشة لكن لم تكن هناك أي معلومة تخص طائرتي، وجدت عائلة تركية مسافرة معي علي نفس الطائرة ويعتري القلق وجوه أفرادها، تشبثت بهم وذهبنا معاً لمكتب معلومات المطار. وسألوا الموظف بالتركية ولم أفهم فسألته مرة أخري فأجاب ببرود: طائرة مصر للطيران ألغيت، وليس لدي معلومات أخري. يجب الذهاب لموظفي مصر للطيران ليطلعوكم علي المستجدات».
فوق أكثر من مائة رحلة ألغيت بسبب عاصفة ثلجية بإسطنبول، مئات المسافرين واقفون في طابور طويل لمعرفة متي سيسافرون وأين سينامون؟
عندما جاء دوري للسؤال قالوا: محتمل لو تحسن الجو أن نطير اليوم في الخامسة مساء وليس علينا إلا الانتظار لنري حالة الطقس.
قررت العودة مرة أخري لبوابة انتظار الطائرة التي كنت أجلس فيها من قبل. وعند دخولي كانت تقريبا خالية، إلا من بعض المسافرين فذهبت إلي شخص أحسست أنه مصري وسألته: هل أتي أحد من الشركة إلي هنا؟ رد: جه موظف وقال الرحلة اتلغت وأخذ الناس علي مكان المطاعم وقالوا لينا وجبة، كنوع من الترضية يعني فسألت: «طيب حد يعرف مكان الناس دول؟.. أجاب: «أيوه الأستاذ اللي قاعد هناك ده ولابس تيشرت أحمر».
شكرته وذهبت
ووجدت الأستاذ إللي «لابس تيشرت أحما وكان هذا بداية تعارفي بالأستاذ محمود الذي سيكون له دور مؤثر في حياة مسافري الرحلة 738.
رجل في منتصف الأربعينات ممتليء القوام، متوسط القامة، وله لحية خفيفة. بمجرد أن اقتربت منه قلت: »أستاذ محمود«، هب واقفا في أدب جم. سألته هل عنده أي معلومات فكرر بأدب ما قاله المسافر المصري الآخر بخليط من الانجليزي بلهجة بريطانية مائة بالمائة ولغة عربية بلهجة خليجية لم أميزها. وطلبت منه أن يصف لي كيفية الذهاب إلي ساحة الطعام وأبي إلا ان يصطحبني ربما لانه بدا علي الإنهاك والتعب. كانت الصالة مكتظة عن آخرها بالركاب الذين ألغيت رحلاتهم. وكنا نبحث عن الموظف المسئول عن كوبونات الغذاء، ولم يتركني حتي وجدناه، أخذت الكوبون وشكرت استاذ محمود، وتركني وذهب. ولم يكن لي شهية ولكني قررت ان آكل شيئا لشحن طاقتي. وذهبت مرة أخري للصالة لأنتظر مع الجميع. وهناك تعرفت علي مريم من ماليزيا والتي كانت بمثابة الأم الروحية لمسافري الرحلة.
يبدو أن هناك أخبارا جديدة، فقد تجمع الركاب ووقف أستاذ محمود في المنتصف وهو يقول: «رحلة الساعة خامسة اتلغت يا جماعة» ورددها مرة أخري بالانجليزية وقال راكب آخر «الطيارة اصلا ماتحركتش من مصر». وعمت حالة من الفوضي في المكان، واجهشت سيدة ملامحها ريفية بالبكاء وقالت «ده أنا معايا عيال لسه عاملين عملية هاروح بيهم فين» وطلبت مني مريم الماليزية أن أترجم لها ثم هبت واقفة لمواساة السيدة، ثم اقترب مني مسافر آخر وطلب أن أترجم له وعرفت انه من تشيلي وذاهب لمصر لأول مرة هو وأسرته في أجازة قصيرة.
في هذه الاثناء اختفي أستاذ محمود. وجذبتني مريم الماليزية للجلوس بجانبها، لم أتعرف علي ماليزيين من قبل، وكان أول انطباع عن مريم وهي سيدة أعمال في أواخر الخمسينات أنها طيبة وحنون.
وأخيرا ظهر استاذ محمود والتففنا حوله مرة أخري وأصبح واضحا أنه صار القائد لمسافري الرحلة 738.
بدأ حديثه باللغة الإنجليزية فانتقده بعض الركاب ودافع عنه راكب آخر: »ده راجل عايش في انجلترا بقي له خمستاشر سنه«. وضحت الأمور بالنسبة لي، بالنسبة للكنة الانجليزي أما الجزء الفصحي فكان يبرره أنه عراقي، وأكمل أستاذ محمود كلامه: »يا جماعة الحل الوحيد في الموقف ده هو اننا نكون جروب واحد ونتكلم بصوت واحد«. وكلنا وافقنا.
نزلنا كلنا لنتكلم مع الموظفين وبدأت المفاوضات. علت الأصوات بين الموظفين وأستاذ محمود ولكن من الواضح أنهم توصلوا إلي اتفاق.
قال أستاذ محمود: »الشركة وافقت تنزلنا في فندق الليلة دي علي حسابهم. ولكن للأشخاص اللي عندهم فيزا سارية لتركيا فقط«. انتاب الركاب إحساس بالدهشة لأن مصر للطيران عمرها ما بتوافق علي أنها تنزل ناس علي حسابها في الحالات دي كما شعر آخرون بخيبة الأمل لأنهم سيضطرون لقضاء الليلة علي كرسي في المطار، من الواضح لنا كلنا أن الفضل يرجع لأستاذ محمود وفكرته بأننا لازم نتحد وقدرته علي التفاوض.
دلوقتي ابتديت أتعرف اكثر علي مزيد من الركاب، ودار الحوار بيني وبينهم «انهي فندق» و»بعيد ولا قريب« و»ده في عاصفة بره ونعمل أيه ونتحرك بالمترو ولا بالأتوبيس«. واتعرفت علي استاذ محمد اللي عرض يشيل شنطتي لأنه لاحظ ان عندي ألم في ظهري من كثرة الواقفة. وعرفت أنه رجل أعمال وعنده شغل ما بين مصر وتركيا ودردشنا، كنت أشعر بالاستغراب من نفسي لأنني كنت مرتاحة وتخليت عن تحفظي المعتاد من الكلام، وفجأة لم أعد خائفة من الفضول. ولاحظت أني بدأت أفهم اللهجة العراقي مع أني كنت أشعر
بالعصبية عندما يقول لي أحدهم أنت عربية، فقد كنت أرد علي الفور وأقول «أنا مصرية وأتحدث العربي، العرب دول اللي اتوا من شبه الجزيرة، وإحنا كمصريين مش بنفهم لهجتهم، بس كلهم بيفهموا اللهجة المصري، «ده كان دايما ردي بعنجهية شديدة.
تعرفت علي نانسي وياسمين وهما فتاتان كانتا في رحلة سياحية باسطنبول تعمل نانسي عارضة أزياء. بالقرب كانت هناك أسرة لم يتمكن أحد من التعرف علي اللغة التي يتحدث بها أفرادها لكن كان واضحا انهم مسلمون لأن المرأة كانت ترتدي النقاب. وأظهرت نانسي اهتماماً بطفلين يصاحبان الأسرة ومع نهاية الرحلة تحول الاهتمام إلي ولع بهما، محمد 3 سنوات وعائشة 4 سنوات، وكانت الأم شابة صغيرة في مقتبل العشرينات والأب كذلك. وجاء أستاذ محمود وحل اللغز. قال »إنهم من الشيشا«» سألناه: عرفت إزاي فقال: »جوجل تاك« لقد جعلهم يتكلمون بينما يقوم جوجل بالترجمة وتبين من اللغة أنهم من الشيشان، وتبنت نانسي الطفلين فأخذت تلعب معهما وتشتري لهما الحلوي لم نر عين أمهما لكنها بدت ممتنة حيث أرهقتها الرحلة، وكثرة الحقائب والأطفال في البداية تجنبت نانسي وياسمين الجميع حيث كانت النظرات تتراشقهما. وطبعا كانت تحمل احكاما مسبقة عليهما نظرا لمظهرهما المتحرر السراويل الضيقة، المكياج الصاخب، والقشة الأخيرة السجائر. وأنا أيضا لابد أن أعترف إني لم أشعر بأي ألفة معهما في البداية بعد يوم كهذا كان شعري «ملموم» في عقدة كأني »قايمة من علي طشت الغسيل« وطبعا وجهي خال تماما من أي آثار للمكياج وكنت أتعجب من هذا المظهر المنسق الذي حرصا عليه بعد هذا اليوم المرهق.
بدأت نانسي تضع الكريم المرطب علي يديها ولمحتني أنظر إليها في الحقيقة كنت غارقة في أفكاري ولكن نظرتي كانت في اتجاهها، سألتني «عايزة كريم فانتبهت إنها تحدثني، قلت بأبتسامة »ميرسي لا« لابد أن أعترف أن هذه الظروف تجعل الانسان يعيد النظر في الأحكام المسبقة، فعندما رأينا كيف اهتمت بالطفلين الشيشانيين بدأ الجميع ينظر إليها بطريقة أخري، غير عارضة الأزياء المرفهة، المدللة، التي تريد ان تكون محط أنظار الجميع.
بدأنا أخذ موقعنا في طابور طويل مكون من حوالي 29 شخصا في المجموعة التي معها ڤيزا سارية لإسطنبول للذهاب إلي الفندق وعندما فتح الباب كان الهواء في الخارج بمثابة صفعة قوية علي وجوهنا، البرد شديد. جرينا في اتجاه الأتوبيس. وبدأنا نأخذ أماكننا وجلست بجانب مريم، حدثتني عن مشروع للبيئة والطاقة الخضراء علي وشك أن نتفق عليه مع أطراف في الحكومة التركية. سألتها: لماذا لاتعرضين نفس الموضوع في مصر.. فقالت لي. مصر صعبة، العمل صعب، والبيروقراطية كاملة. وبالرغم من ان الطاقة الشمسية موجودة بوفرة في مصر إلا ان الجهات المعنية في مصر، ليست صاحبة قرار والجهات التنفيذية تماطل في أخذ أي قرارات. لهذا لا أستطيع عمل أي مشروع في مصر.
كان هناك طوال الوقت أشخاص كثيرون من مسافري الرحلة 738 يتحدثون العربية ولكن بلهجات مختلفة. لم أتمكن من تمييز اللهجات. وصلنا إلي الفندق بعد حوالي ساعة. وكنت قد استسلمت للنوم علي الكنبة الخلفية للأتوبيس. وعندما استيقظت كنا علي وشك التوقف والنزول كلنا أحسسنا بالانتصار لأننا سننام علي تخت مريح بغرقة دافئة. ملأنا بياناتنا وانتظرنا في بهو الفندق حتي يتم تسكيننا.
كنت قد تغلبت علي تحفظي في إجراء أي حوارات، فصرت أجول، وذهبت إلي شاب وسيم في العقد الثالث يجلس بجانب أمه القعيدة فسألته: «كتبتوا بيانتكوا»؟ فقال لي نعم. وقلت له أنت منين»؟ فأجابني من ليبيا وهنا انهلت عليه بالأسئلة، كيف الوضع الآن؟ هل تعيش هناك؟ رد: لا أنا أعيش في مالطا، ولكن أمي لاتريد ان تبرح ليبيا. وقلت له: بس هذا خطر. هز كتفيه وقال: لي أخ آخر وعنده أولاد وهي لاتريد ان تعيش بعيدا عن أحفادها، وأخذنا نتنقل من موضوع لآخر حتي وصلنا لجملة كانت بمثابة صدمة بالنسبة لي، قال.. »كان وقت القذافي، أحسن وقت في ليبيا«. أصابتني دهشة عارمة وبدا ذلك علي وجهي، سألت: كيف؟ لقد كان طاغية، جباراً، ديكتاتوراً وأيضا مجنوناً، فرد حسن قائلاً: بس كان فيه رفاهية، وكان العلاج بالمجان، والتعليم أيضاً، وكنا أحرارا نعمل ما نريد. فقط لانتكلم بالسياسة«.
استطرد قائلا:
وهذا ليس بالشيء المهم اصلاً ولكن كنا نعيش حياة كريمة وآمنة وأضاف: وليس هناك ديمقراطية أصلاً بأي مكان هل شاهدت مظاهرات وول ستريت بأمريكا وكيف تعامل معها الأمريكان؟ فسألته ماذا عن البذخ المفرط؟ وقصره المتواري خلف الأسوار الطويلة؟ ضحك حسن، وقال: لم يكن هناك قصر، بل فقط خيمة، فقلت: كيف؟ رد: هو كان يحب هذه الحياة، حياة البدو. ولم يكن يستأثر بالمال فليس هناك فقر شديد بليبيا، نحن دولة غنية. لوهلة عرفت كيف نكون أحيانا ضحايا لوسائل الاعلام. وكيف يمكن أن تكون مضللة، بهذا يجب علينا تحري الحقيقة دائما: حيث لا تكون الأمور عادة مثل ما تبدو عليه كان هناك ضمن المجموعة شاب آخر في العشرينات، يتميز بخفة ظل وقصة شعر حديثة كلاعبي الكرة. وتبين أنه ايضا ليبي، أهله بمصر ولكن هو يدرس بقبرص فكرت كيف تشرد هؤلاء الناس وعائلاتهم وأصبح لم الشمل رفاهية وحلما صعب المنال، معه أخ بمالطا، وآخر بمصر، وآخر بألمانيا لم يكن هذا هو حال الليبيين فقط، لكنه أيضا حال مئات الآلاف من العراقيين والسوريين.
انتبهت للعروس الجديدة، الجميلة بسمة من سوريا.. وهي حامل في الشهر السابع. عندما اقتربت وجلست بجانبها قالت انها ذاهبة لمصر لزيارة عائلتها، هي وزوجها يعيشان بدبي، وبقية أهلها في تركيا وبعضهم في ألمانيا. وأضحت تحكي لي انتهاكات ما يسمي »الجيش الحر«. وكيف انهم من مئات الاجناس والعرقيات ويتحدثون كل اللغات. وكيف أن الشعب السوري لم يكن يريد كل هذا الخراب والدمار، وأن المواطنين لم يكونوا ضد بشار الأسد علي عكس ما كانت تنقله وسائل الاعلام في بلادنا.
بل كانوا فقط يريدون قليلاً من الحرية. ولكن هم كانوا يتوسمون خيراً في بشار وأنه ذو خلفية أوروبية فقد تلقي تعليمه في الخارج. هنا توقفت عن الكلام قليلا عندما أحسست بجنينها يركلها، وقالت شوفي ثم أخذت يدي ووضعتها علي بطنها، فأحسست بحركة الجنين وركلاته وجلست بجانبها حتي أشاركها ذكرياتي الجميلة بسوريا في رحلة قمت بها عام 2008 جاء وقت التوجه لغرفتنا أخذنا المفاتيح وذهب كل إلي غرفته أخيرا. وقد أنهكنا التعب.
في الصباح الباكر، استيقظت علي صوت المنبه الخاص بي. وكنت ممتنة جدا لفكرة نومي في مكان نظيف ودافيء، وفكرة ان بإمكاني أخذ حمام لأغسل إرهاق الليلة الفائتة. وبعد أخذ حمامي، استعددت وارتديت ملابس الأمس حتي أذهب للافطار.
وفي ممر الغرف قابلت الأستاذ محمود الذي كان يشبه النحلة، من حيث النشاط واللياقة، مع ان هناك عرجاً بسيطاً بقدمه، لكنه كان دائما في منتهي الخفة والسرعة برغم وزنه الثقيل.
ذهبنا لقاعة الإفطار ولم أكن متفائلة حين نظرت إلي الخارج ووجدت ان الثلج مازال يتساقط ويكاد يغطي كل شيء. ركزت علي فنجان الشاي الدافيء بين أصابعي. وأحسست بالامتنان لأنني علي الأقل استرحت من إرهاق الليلة الماضية.
بدأ مسافرو الرحلة 738 يتوافدون علي غرفة الطعام واحدا تلو الآخر ويرمون السلام، علي الموجودين فقد أصبح كل منا يعرف الآخر. أحسست بشعور رائع استغربته لاني كنت موجودة بإسطنبول لمدة 15 يوما، ولكن كل تفاصيل رحلتي تلاشت. وأصبحت محنة البارحة هي الأساس، وهؤلاء الناس هم الأشخاص الوحيدون الذين أتذكرهم. شعرت أنني كنت معهم طيلة الخمسة عشر يوما الفائتة، عن طريقهم تعرفت علي أمور في سوريا، العراق، الشيشان، وليبيا. وعن حقائق لم تتداولها فضائياتنا ولا حكاياتنا علي فيس بوك، ولاتويتر انها قصص حقيقية لن يعرفها الا من عايش مواقفها في الواقع. تأخرت طائرتنا مرة أخري عند ذهابنا إلي المطار، ولمدة 12 ساعة جلسنا جميعاً مفترشين الأرض. وأخذتنا الحوارات المختلفة، وكالعادة كان الاستاذ محمود هو الذي يذهب ويحضر لنا الأخبار، ونلتف حوله لنعرف المستجدات ثم نتغلب علي الانتظار بالحوار... وقتها فقط عرفت كيف يمكن أن يكون الجليد باعثا علي الدفء!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.