" لا تنسى أننا من صنعنا لك اسما " ترددت هذه العبارة كثيرا فى أذنى وأنا أستقل طائرتى المتجهة الى القاهرة ... ماذا كان يقصد ذلك الوزير الأمريكى وهو يصرخ فى بهدة العبارة ؟؟!! لم يخاطبنى قط بهذه اللهجة !!! ربما لم أنتبه له حينها لانشغالى بالعودة الى بلادى بعد 30 سنة من العمل المستمر حتى حصلت على الدكتوراة فى تخصص جراحة القلب ، و أجريت العديد من العمليات التى كان يستحيل اجراؤها من قبل ، وسجلت هذه الانجازات باسمى ... كم كان رائعا ذلك التكريم الذى حصلت عليه .. وكم كان " الرجاء ربط الأحزمة ، نحن الان نستعد للهبوط الى مطار القاهرة " قطعت كلمات المضيفة بصوتها الرقيق ذكرياتى .. ولكنها جعلتنى أفكر فى ما هو أجمل .. نعم , كم أنا مشتاق لرؤية بلادى مرة أخرى ... حرمنى العلم منها 30 عاما ، ولكن الأهم أنى أعود الان .. سأحقق كل أحلامى وطموحاتى ... سأبذل ما أستطيع من أجلها ... تمر الدقائق طويلة وثقيلة ..... أنزل الى أرضية المطار ... ما هذا من أين عرفو بمجيئى ؟؟؟ كل هؤلاء يحملون علم مصر ينتظروننى بالمطار !!! وكل هذه الكاميرات ... يبدو انها الصحافة ... من المؤكد أنه صديقى الذى أخبرته برجوعى ... شكرا صديقى .. ربما وقفت كثيرا أمام تلك الكاميرات ولكن لأول مرة أحس بتلك الرهبة ... تقدمت ببطء .. وأنا أرى هذه الابتسامة على وجوه المستقبلين ... " نعم لقد تغيرت مصر كثيرا ، كنت أعرف ذلك ، لقد عادو الى العلم مرة أخرى ، كنت أثق فى ذلك " وفجأة بلا مبررات ودت الجميع يندفعون نحوى بشكل جنونى .. وضعت يدى على وجهى وأغمضت عينايا ، مخافة أن يصدمنى أحد .. ولكن بعد دقيقة واحدة ، كل شىء انتهى ... لم أجد أحدا أمامى ... لقد كانو خلفى جميعا وعلى ما يقرب من 5 متر .. ما هذا ؟؟!!! ألم يكونو فى انتظارى ؟؟!!! توجهت الى أحد الموظفين وسألته مستغربا : " هو فيه ايه " " يا عم انت ما بتعرفش حاجة ؟؟!! دا عفروتو لسة جاى من ليفربول ..!! " تركته ومشيت .. عفروتو ؟؟!! " أستاذ أستاذ " انه صوت ذلك الموظف ينادينى " أستاذ .." أنا مستغربا " أنا شوفتك فين قبل كده ؟؟!!" " انت بتطلع فى التلفزيون ؟؟ " " أيوة أيوة .. انت اللى كنت فى المسلسل اللى كان فى رمضان ....صح ؟؟ " " مسلسل ؟؟ " مندهشا " ايوة أيوة المسلسل " تمتمت بهذه الكلمات " انت ما شوفتش الحفلة اللى عملتها فى العيد ؟؟ " سألته مستهزءا " حفلة ؟؟ " رد مستغربا تركته وذهبت وسمعته يتمتم " هو كان بيغنى ؟؟! " كانت البداية غير مبشرة ..!! ولكنى لم أعبء بها كثيرا ... فهذا ما كان يحدث أمامى منذ ثلاثين عاما ... كم كنت آمل انه سيتغير ... بعد أن أمضيت أسبوعا كاملا أستقبل أصدقائى وأقاربى الذين لم أراهم منذ زمن بعيد ، بدأت أجهز للمشروع الذى طالما حلمت به ، المشروع الذى استغنيت عن راتبى الذى وصل الى مائتى ألف دولار شهريا من أجل أن أحققه فى مصر – بلدى – وخاصة فى المنصورة . نعم سيكون أكبر مركز لجراحة القلب فى العالم .. سأدعو كل أصدقائى و أساتذتى وفريق العمل الذى كان يساندنى كى يعملو فيه ... وسوف أوفر له كل الأجهزة الحديثة التى تساعد الاطباء الجدد والطلبة على تعلم ما لم يكن بإمكانى الوصول اليه فى هذه السن ... انه واجبى ... قدمت المشروع ... لم أستطع الحصول على الأرض التى سيبنى عليها المركز ..ولم يكن ذلك يهمنى كثيرا .. فقد كنت أمتلك من المال ما يكفينى وما أستطيع به أن أشترى قطعة أرض كبيرة .. وبالفعل اشتريتها وبدأت البناء ... لم ألقى دعما ولكنى استمررت ... هؤلاء البشر المقهورين لابد أن يكون لهم مكان ... لا بد ألا نكون مع ذلة المرض عليهم ... نعم لقد أحسست به فأنا مريض بالقلب و أعرف ألمه ... ولكنى أستطيع ... فى تلك الأثناء اتصل بى أحد أصدقائى فى العمل من أمريكا ، قال لى ان الجامعة تدعونى للعمل بعقد جديد براتب يصل الى ربع مليون دولار شهريا .. هم يعرفون أنك فى حاجة الى المال و أن ما عندك أوشك على النفاذ ولن تستطيع الاستكمال ... قلت له بحزم " أقدر مجهوداتكم ، ولكنى سأستمر فى عملى لاخر دولار معى " " صديقى لم تعد تمتلك الكثير " بعد التقليب فى دفاترى و أوراقى اتضح أنه لم يعد لى الكثير فعلا ... ما بقى لا يتجاوز المليون جنيه مصرى ..!! لقد تم البناء بالفعل ولكن الأجهزة تتطلب أضعاف هذا المبلغ عشرات المرات ... صديقى يتصل بى مرة أخرى .. " انهم يخبروك بأنك لن تستطيع اكمال هذا المشروع ، ولكى تتأكد من ذلك ، انتظر االمكالمة التالية ، ولكن لا بد ان تدرك أن هؤلاء الحمقى لا يستحقوك ، لانهم لا يقدروك ولا يعرفون قيمتك ..." صدمتنى الكلمات ولكنه استطرد : " صديقى أريد مصلحتك .. " " ما المكالمة التى تتحدث عنها ؟؟!!" صحت مقاطعا وصاح الهاتف بجوارى " تررن تررن " " أجب يا صديقى ... هذا ما أخبرك عنه " ارفع سماعة الهاتف على أذنى الاخرى " د. أحمد هذه الأرض التى اشتريتها ملك لوزارة الثقافة أساسا ، واللى بعهالك نصاب , ومش بتاعته , بس احنا بنعرف نقدر علمائنا المحترمين ، الوزارة قررت تعطيلك مبلغ 2 مليون جنيه ، عشان تكاليف البناء " " بس ..." " أيوة يا دكتور ، احنا عارفين انها اتكلفت أكتر من كده بكتير .." " 21 مليون جنيه ...!!!" " يا دكتور انت فهمتنى ؟؟!! انا بقولك الأرض منصوب عليك فيها ، بس احنا مقدرين تعبك وكمان احنا هنعمل المبنى سينما ، فهنغطى المبلغ اللى هندفعه ليك .." سينما ؟؟!!!!!!!!! قولهم انا موافق ، انا جاى على أقرب طيارة " " بتقول ايه " وزير الثقافة " مش بكلمك انت " " مايكل ...مايكل " " مايكل مين " وزير الثقافة مرة أخرى " قولتلك مش بكلمك انت " " مايكل " يبدو ان مايكل أغلق المكالمة ............ أحمد رجب 2 مارس 2010