سعر الذهب اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025.. عيار 18 يسجل 4701 جنيها    بعد تصريحات ترامب.. ماذا يعنى تصنيف السعودية حليف رئيسى من خارج الناتو؟    اتصال هاتفى بين وزير الخارجية ونظيره الفرنسى يتناول التطورات الإقليمية    النيابة الإدارية بالمطرية تتحرك بعد واقعة تنمر على تلميذة ولجنة عاجلة للتحقيق    أردوغان: صادراتنا السنوية بلغت في أكتوبر 270.2 مليار دولار    اعتماد تعديل مشروع شركة إعمار مصر للتنمية في المقطم    جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا تستقبل المستشار التعليمي التركي وتبحث سبل التعاون الأكاديمي    جامعة مصر للمعلوماتية تكشف عن برامج مبتكرة بالذكاء الاصطناعي في الأمن السيبراني والتعليم وعلوم البيانات    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الإيطالي الأوضاع في غزة والسودان    بيراميدز يعلن موعد المؤتمر الصحفي لفريق ريفرز يونايتد النيجيري    شوبير يكشف حقيقة تولي كولر تدريب منتخب مصر    الإسماعيلي ينفي شائعات طلب فتح القيد الاستثنائي مع الفيفا    19 نوفمبر 2025.. استقرار البورصة في المنطقة الخضراء بارتفاع هامشي    أولوية المرور تشعل مشاجرة بين قائدي سيارتين في أكتوبر    الداخلية تكشف تفاصيل مشاجرة بين قائدى سيارتين ملاكى بالجيزة    محمد حفظي: العالمية تبدأ من المحلية والفيلم الأصيل هو اللي يوصلنا للعالم    أحمد المسلماني: برنامج الشركة المتحدة دولة التلاوة تعزيز للقوة الناعمة المصرية    محمد حفظي: العالمية تبدأ من الجمهور المحلي.. والمهرجانات وسيلة وليست هدفا    بعد أزمته الصحية.. حسام حبيب لتامر حسني: ربنا يطمن كل اللي بيحبوك عليك    خالد عبدالغفار: دول منظمة D-8 تعتمد «إعلان القاهرة» لتعزيز التعاون الصحي المشترك    الصحة: مصر خالية من الخفافيش المتسببة في فيروس ماربورج    محافظ المنوفية يشهد فعاليات افتتاح المعمل الرقمي «سطر برايل الالكتروني» بمدرسة النور للمكفوفين    الطقس غدا.. ارتفاع درجات الحرارة وظاهرة خطيرة صباحاً والعظمى بالقاهرة 29    الأهلي يحصل على موافقة أمنية لحضور 30 ألف مشجع في مواجهة شبيبة القبائل    نور عبد الواحد السيد تتلقى دعوة معايشة مع نادي فاماليكاو البرتغالي    أول رد فعل من مصطفى محمد على تصريحات حسام حسن    إزالة تعديات وإسترداد أراضي أملاك دولة بمساحة 5 قيراط و12 سهما فى الأقصر    انطلاق فعاليات المؤتمر السنوي العاشر لأدب الطفل تحت عنوان "روايات النشء واليافعين" بدار الكتب    روسيا: أوكرانيا تستخدم صواريخ أتاكمز الأمريكية طويلة المدى مجددا    شقيق إبستين: كان لدى جيفري معلومات قذرة عن ترامب    وصفات طبيعية لعلاج آلام البطن للأطفال، حلول آمنة وفعّالة من البيت    الإحصاء: معدل الزيادة الطبيعية في قارة إفريقيا بلغ 2.3% عام 2024    قصور ومكتبات الأقصر تحتفل بافتتاح المتحف المصرى الكبير.. صور    رئيس الأركان يعود إلى أرض الوطن عقب مشاركته بمعرض دبى الدولى للطيران 2025    المصرية لدعم اللاجئين: وجود ما يزيد على مليون لاجئ وطالب لجوء مسجّلين في مصر حتى منتصف عام 2025    جامعة قناة السويس تدعم طالباتها المشاركات في أولمبياد الفتاة الجامعية    موعد مباراة بيراميدز القادمة.. والقنوات الناقلة    وزير الري يلتقي عددا من المسؤولين الفرنسيين وممثلي الشركات على هامش مؤتمر "طموح إفريقيا"    السياحة العالمية تستعد لانتعاشة تاريخية: 2.1 تريليون دولار إيرادات متوقعة في 2025    نجاح كبير لمعرض رمسيس وذهب الفراعنة فى طوكيو وتزايد مطالب المد    تعرف على أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    مقتل 6 عناصر شديدى الخطورة وضبط مخدرات ب105 ملايين جنيه فى ضربة أمنية    مصرع 6 عناصر شديدة الخطورة وضبط مخدرات ب105 ملايين جنيه | صور    حزب الجبهة: متابعة الرئيس للانتخابات تعكس حرص الدولة على الشفافية    إقبال واسع على قافلة جامعة قنا الطبية بالوحدة الصحية بسفاجا    بريطانيا تطلق استراتيجية جديدة لصحة الرجال ومواجهة الانتحار والإدمان    صيانة عاجلة لقضبان السكة الحديد بشبرا الخيمة بعد تداول فيديوهات تُظهر تلفًا    بعد غد.. انطلاق تصويت المصريين بالخارج في المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    ندوات تدريبية لتصحيح المفاهيم وحل المشكلات السلوكية للطلاب بمدارس سيناء    أبناء القبائل: دعم كامل لقواتنا المسلحة    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    شهر جمادي الثاني وسر تسميته بهذا الاسم.. تعرف عليه    اليوم، حفل جوائز الكاف 2025 ومفاجأة عن ضيوف الشرف    ماذا قالت إلهام شاهين لصناع فيلم «بنات الباشا» بعد عرضه بمهرجان القاهرة السينمائي؟    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    العدد يصل إلى 39.. تعرف على المتأهلين إلى كأس العالم 2026 وموعد القرعة    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. أحمد الطيب شيخ الأزهر فى حوار مطول ل«أحمد المسلمانى» (1-4): تدخل الأزهر فى السياسة سيقضى عليه.. ومهمتنا تجاه «النظام» لا تتعدى النصيحة

قال الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر إن البعض من أصحاب المذاهب الطائفية يريدون أن يسحبوا البساط من تحت الأزهر ويصبحون المتحدثين الرسميين باسم الإسلام، لكن المسلمين سيتخطونهم قريباً أو بعيداً.
وأضاف - فى حواره المطول للإعلامى أحمد المسلمانى، فى برنامج «الطبعة الأولى» الذى سيذاع على شاشة «دريم» مساء غد الجمعة وتنشره «المصرى اليوم» بترتيب خاص مع القناة وشيخ الأزهر-: إن العلاقة بين الدولة والأزهر فى مصر هى علاقة عاقلة، وأن تدخل الأزهر فى السياسة سيقضى على الأزهر وسينزل من قدره فى نفوس الناس.
وحذر «الطيب» من خطورة عدم وجود محققين جادين فى التراث الإسلامى. وقال: «لو استمر الأمر فى هذا الطريق البائس، فلن يمر أكثر من 20 عاماً ولن تجد من يفهم فى كتبنا إلا الكاثوليك واليهود فى الغرب».
تابع: الدكتور حمدى زقزوق كان آخر من وصلنا من الخارج، وهذا عندما كنت فى السنة الأولى بالدراسات العليا بكلية أصول الدين، وقبل ذلك كان لدينا الدكتور عبدالحليم محمود وقد سافر على نفقته الخاصة لإكمال تعليمه، وهناك أيضاً الدكتور «غلاب» الذى كان علامة كبيرة جداً رغم كونه كفيفاً، وقد تزوج بفرنسية وهو ابن أصول الدين، وأيضاً الدكتور «بيصار» وكان شيخ أزهر فيما بعد وأتى من أدنبره، والدكتور عبدالفتاح عفيفى والدكتور على عبدالواحد وافى.
وأذكر أن الدكتور وافى كان قاسيا جداً فى الامتحانات، حتى إنه كان يطلب ألا تزيد الإجابة على 80 كلمة، لذا فأنا أبدى دهشتى من أولياء الأمور الذين يقولون إن الامتحانات صعبة، والطلبة الذين يبكون من صعوبة الامتحان. وأتساءل كيف يكون امتحاناً ولا يكون صعباً، ده معنى امتحان يعنى لازم تعانى فى الإجابة، على الأقل فى سؤال أو اثنين، وإلا فمعنى هذا أن الجامعات ستمتلئ بطلبة مستواهم عادى جداً، وحينها أين سيكون المتميزون إذاً؟!.. فإذا كان الامتحان عادياً سيفرز أنماطاً عادية لا تصلح لتعليم جاد.
واستطرد «الطيب»: أذكر أننا كنا فى الامتحانات الشفهية فى مرحلة الدراسات العليا وتسمى «التعيين»، حيث يعين لك بعض النصوص القديمة ويعطى لك 3 أو 4 أيام لتدرسها، ويجب أن تدخل جاهزا من حيث اللغة والبلاغة وتاريخ النص ومعناه، وأذكر أن زميلا لى بدأ يقرأ النص فأخطأ فى ضبط صفة لموصوف، وهو فى كلية أصول الدين قسم الفلسفة، ورسب فى الامتحان بسبب هذا الخطأ ونحن كنا نحترم الامتحان ونخافه ونستعد له، وأنا هنا أتحدث عن التعليم فى الأزهر وغيره، فاليوم المسألة مزعجة جداً، فأن تحصل على شهادات عليا فى تخصص، ويخفى عليك الكثير عنه، ولا تستطيع أن تتعامل معه، فلك أن تتخيل الجيل القادم على أيدى هؤلاء، فحقيقةً.. المسألة تحتاج ثورة لا رحمة ولا هوادة فيها لإنقاذ التعليم سواء فى الأزهر أو غيره، ونحن بدأنا مع الراحل الشيخ «طنطاوى» فى هذا الأمر وسنستمر فيه إن شاء الله.
وتابع شيخ الأزهر: عندما عينت معيداً فى عام 1969 كان راتبى 17 جنيهاً ونصف، وكان علىّ أن أدفع للمركز الثقافى الفرنسى جزءاً منه، وأعيش بالباقى، خاصة أننى أصبحت مستقلاً ولا أستطيع أن أطلب من والدى أن يساعدنى، وبالفعل استطعت أن أستمر 4 سنوات فى المركز إلى أن حصلت على الماجستير، وسافرت للخارج.. ولكنى للأسف مرضت فعدت إلى مصر وحصلت على الدكتوراه هنا، لذا فالكثيرون يظنون أننى حصلت على الدكتوراه من الخارج، والحقيقة أننى حصلت عليها من الأزهر، ولكن بعدها سافرت كثيراً إلى السوربون فى رحلات علمية وارتبطت بأساتذة كبار هناك، وعلى الرغم من أنى كنت مازلت فى مرحلة طلب العلم بالنسبة لهم فإنهم كانوا يعاملوننى كزميل.
وأضاف: سجلت موضوع رسالة الدكتوراة، عن شخصية يهودية أسلمت فى القرن الرابع، كانت تسمى «أبوالبركات البغدادى»، وكان رجلا ذكيا وعبقريا، وأراد أن يهدم ابن سينا والفلسفة اليونانية تماماً، وكان ميالاً للفلسفة الدينية والقرآن.. وذهبت إلى فرنسا أكثر من مرة لأنى وجدت هذا الرجل مكتوبا عنه ب9 لغات، منهم شخص يهودى كتب عنه بالعبرية والفرنسية والإنجليزية والروسية، بينما لم يكن مكتوباً عنه باللغة العربية إلا بعض الملازم الصغيرة.
وتحدث الطيب عن أبوالبركات البغدادى قائلاً: «كان يهودياً إلا أنه أسلم فى نهاية حياته، وتوفى سنة 547 هجرية، وقد كتب يهودى يدعى (سلمون) أن عبقرية (البغدادى) تولدت عنده بسبب الاضطهاد الذى لاقاه من المجتمع الإسلامى». وأضاف: «لكننى أثبت أن هذا لم يكن صحيحاً لأنه وصل إلى أن أصبح طبيباً لزوجة الخليفة، فلا يمكن أن يكون مضطهداً إذن، وقد كان يستمع إلى العلم من وراء الجدار، وكان يحاور الأستاذ ويرد عليه من خلف الجدار، وقد فسر اليهودى سلمون هذا الأمر بأن هذا تأكيد على الاحتقار الذى كان يلقاه البغدادى، لكننى فسرت هذا على أن العلم وقتها كان مكانه المسجد،
وبالطبع كان معلوماً وقتها أن غير المسلمين لا يدخلون المسجد، ولو أن الأستاذ كان يحتقره لما كان يرد على أسئلته أو يسمح له بمراجعته وطرده من حلقة العلم، لكنه فى الحقيقة كان يشعر بنوع من الظلم لأنه كان يريد أن يكون فيلسوفاً مثل ابن سينا، واستطاع أن يحطم فلسفة ابن سينا وأرسطو فى عديد من المناحى، وكان ينتصر لأفلاطون لأنه كان له بُعد روحى وصوفى قريب من الأديان، فخرج بنقده على أرسطو، وألّف كتابا واحدا اسمه «المعتبر فى الحكمة»، وعكفت على هذا الكتاب 6 سنوات، وهى الفترة التى استغرقتها لإنهاء رسالة الدكتوراه.
وتابع «الطيب»: «مات البغدادى مسلماً وشغلت كثيراً بما إذا كان ألف هذا الكتاب قبل أو بعد إسلامه، وكان هذا الكتاب قبل إسلامه، لكنى استطعت أن أتأكد أن أثر الفلسفة اليهودية واضح فى معالجته لكثير من الأمور فى الكتاب، لكنه ألف بعد هذا رسالة صغيرة تسمى (صحيح أدلة النقل فى ماهية العقل)، وقد بدأها بالبسملة والصلاة على النبى، وانتصر فيها لآيات من القرآن، وهذا بالطبع يؤكد أنه أسلم، وقد كف بصره بعدما دخل الإسلام، وأعلن تلاميذه من المفكرين اليهود أن ما حدث له يمثل عقوبة لاعتناقه الإسلام».
واستطرد: «التقيت أساتذة يهوداً فى (السوربون) وكانوا يقدموننى على أننى الشيخ أحمد، أستاذ من الأزهر، وكانوا محل احترام وتقدير، لأنهم لم يكونوا إسرائيليين، وكثير منهم كانوا فى السر غير مقتنعين بوضع هذه الدولة التى يريدون أن يسموها الدولة العبرية، وكانوا يرون الحفاظ على الدين اليهودى لا يتم إذا تجمع اليهود فى مكان، لأن المحور سيكون الدين اليهودى»، وتابع: «عدت إلى فرنسا لمدة 9 أشهر بعد انتهائى من رسالة الدكتوراه، وطلبوا منى هناك ترجمة الرسالة إلى اللغة الفرنسية وعرضوا علىّ أن أحصل على الدكتوراه من الجامعة من تلك الرسالة، لكن ضميرى لم يسمح لى بأن أقوم بهذه المسرحية».
وقال الطيب: «كنا نظن أن أصول الدين آخر الكون فى دراسة ابن سينا، لكننا وجدنا الكثيرين بذلوا جهداً كبيراً فى قراءة وترجمة أعمال ابن سينا، وقدرتهم واحترمتهم كثيراً على هذا المجهود، فقاموا بدراسة وترجمة وعمل مخطوطات ومقارنات، وأصبحوا محققين جادين فى مسألة التراث، لكن يصعب جداً أن تجد من يحقق هذا التراث الآن لعدة عوامل هى: تهوين التراث فى نفوس الدارسين، والاعتماد فى الجامعات على الوجبات السريعة جداً فى التخصصات، فلم تعد هناك الكتب القديمة التى تدرس،
وإنما حلت مكانها مذكرة الأستاذ فى كل فن، فمثلاً فى الفلسفة الإسلامية عندما يقرر كتاب أو مذكرة أستاذ على الطلبة، فمهما كان هذا الأستاذ ستكون مذكرته خفيفة الوزن، فابن سينا مثلاً يعوّدك أن تقف أمام كل لفظ، فكتاب (الشفاء) الذى ألفه له 8 شروح، وكان فيه أستاذ متخصص للتعامل مع تلك النصوص الفلسفية، مش عارف حصل إيه فى الدنيا الآن وليه مفيش منهم دلوقتى، فاليوم أصبح هذا التراث غريباً بسبب تأثير انهيار التعليم فى الجامعات،
وبعض المذاهب الجديدة التى تدعو إلى أننا إذا أردنا التطور فيجب أن نرتمى فى مذهب الحداثة، وهو مذهب غربى يتقاطع مع التراث، فالمذاهب الحديثة فى الغرب تشترط أن تولى ظهرك تماماً للقرون الوسطى وعلومها، وهذا الأمر سيجعلنا وإن فلحنا سنفلح فى الطب والكيمياء، لكن هذا لا ينفعنا كشخصية لها تاريخ وحضارة وتراث قوى».
وتابع «الطيب»: «التراث جاء نتيجة حضارة انبسطت على العالم، فنحن حضارة عالمية بعلومها ومعارفها وثقافتها وفنونها وأدبها وتراثها الدينى، ولو استمر الأمر فى هذا الطريق البائس فلن يمر أكثر من عشرين عاماً ولن تجد من يفهم فى كتبنا إلا الكاثوليك واليهود فى الغرب، وهذا جرس إنذار، وأقوله من منطلق مسؤوليتى أمام الله سبحانه وتعالى، فوالله لو لم يتغير التعليم فى جامعات الأزهر فوراً واليوم قبل غد، فلن يفهم تراثنا أحد، بينما هذه الكتب مدروسة وبعمق فى الغرب وفى مراكز دينية غير إسلامية فى مصر،
لذا نحن نريد أن يكون هناك فريق أزهرى يعيد للأزهر هذه الريادة، وإلا سيتحول الأمر إلى هذا الغثاء الذى يشكو منه الناس الآن، وهو أن أى واحد يقرأ كتابين يزعم أنه عالم وأنه مفتٍ، فالسبب فى هذا هو الانحسار الذى أفسح المكان لأشباه الدعاة وأشباه العلماء، فمشكلتنا أن الداعية أولاً يجب أن يكون ضليعاً فى علوم التراث، وهذا أيضاً وحده لا يكفى، فهذا نصف الطريق، أما النصف الثانى فأن يكون على بصيرة ومعرفة بأهم الفلسفات والتيارات التى تجرى فى الغرب،
وهى ليست سهلة بالمرة، فهى تصيغ عقول قارات كاملة، وهذه الصياغة تؤثر فى السياسة، وهذا الغرب ليس قابعاً وإنما متسلط علينا، لذا فلابد أن يكون الشرق موجوداً بحكمته وتراثه، وأنا من الذين يؤمنون بأنه لو التقت حكمة وفلسفة الشرق مع علم الغرب التجريبى، فيمكن أن تنتشر السعادة للإنسان شرقاً وغرباً، فعندما كنت طالباً فى أصول الدين كانت الكوكبة الذين درَّسوا لنا من خريجى الجامعات الغربية، اليوم لا تجد أحداً، ولا تجد من يحسن قراءة سطرين أو ثلاثة باللغة الإنجليزية، فهذا تراجع وتخلف عما كنا عليه، ولو أن الأمور كانت مشيت فى الاتجاه الصحيح لكان على الأقل 75٪ من الأساتذة الموجودين يعرفون ما يدور فى الغرب، ويستطيعون أن يواجهوه».
وحول الانتقادات التى وجهت إليه، قال الطيب: «حدث أن أصبنا بأذى شديد من الكلام الذى كتب فى الجرائد، وقيل إننى أريد أن أعلِّم أبناء أصول الدين الرقص وشرب الخمر، ولكن الآن ندموا جداً لأنهم أفلحوا فى أن يطفشوا الطلبة من أحد المراكز التابعة للجامعة بحجة أن المدرس سيدة أو غيره، فأنا لو خرجته يدرس فى أمريكا أو اليابان، هل هيصمموا لهم سيدات بنقاب ليدرسن لهم؟! بالطبع لا، وهذا الفكر لم يكن موجوداً لدى الشيوخ الذين أتوا من هذه البلاد بعد دراستهم، فقد لاحظنا أنهم كانوا يذكرون هذه البلاد باحترام، فلو أنهم عندما عادوا خاطبونا باللهجة التى نسمعها الآن، وقالوا لنا إن هؤلاء كفار (وناس منحلين) وحرام أن تذهبوا إليهم.. إذن فلابد من عودة التراث وهذا الفريق الذى يتقن التراث والعلوم الحديثة».
وعن تعيينه شيخاً للأزهر، قال «الطيب»: «لم أكن أتوقع أنه سيتم تعيينى شيخاً للأزهر بشكل حاسم، لكن كان يتردد هذا الأمر، وكنت أتوقع أنى لن أكون كذلك لأننى أساساً غير راغب فيه لأنه منصب له ثقله ومسؤولياته الكبرى، وإذا وضعت فى مكان أتعامل معه من منطلق المسؤولية أمام الله، وكنت أعلم أنه سيكلفنى الكثير من المتاعب أو على الأقل سيقضى على البقية الباقية من حريتى الشخصية التى أستمتع بها وأنا فى مكتبتى أو عندما أسافر هنا أو هناك أو أتصل بأصدقائى الأجانب لأكون معهم، فأنا من القلائل الذين لم يذهبوا إلى المصيف ولو مرة واحدة، وقد يُستغرب هذا الكلام ولكن اعتبرونى من الجيل المنقرض.
وأضاف: فى هذا الوقت كنت فى البلد، فأنا أذهب هناك كل أسبوعين تقريباً، ويوم الجمعة فوجئت بهذه المكالمة التليفونية، وفقدت تفكيرى وذاكرتى للحظات من شدة الصدمة، لكنى فوراً أدركت أن قضاء الله قد نفذ، ومنذ ذلك الوقت وأنا أشعر بأنى لست ملكاً لنفسى ولا أهلى، ولست شخصاً من حقه أن يستمتع بما يستمتع به الآخرون، فأجدنى غارقاً فى الملفات، ولكن الحمد لله ما فتحنا ملفاً إلا وشعرت أن الله سبحانه وتعالى يعيننى على الاتجاه إليه بشكل صحيح.
وتابع الطيب: كثيرون يفهمون أن الإسلام فى الدولة الدينية بالمعنى الغربى وهذا خاطئ، فليس معنى أن يكون الإسلام حاضراً فى حياة المسلم وفى علاقته بالآخرين أن تكون الدولة دينية، وأن يكون رئيس الدولة رجل دين، ماشى بالحلال والحرام وقطع اليد، فهذا ليس صحيحاً، لكن هناك القرآن والسُنة والتعاليم الأخلاقية الموجودة فى هذين المصدرين الكريمين، وهناك أيضاً التعاليم الشخصية التى لا تشكل أى عائق للإنسان سواء عاش فى دولة دينية أو غير دينية، فمثلاً المفروض علينا من القرآن والسُنة، الصلاة والزكاة والصوم، والامتناع عن الخمر، وأن تكون العلاقات فى إطار الزوجية، فهل يصعب تطبيق تلك التعاليم؟! لا.. أبداً، فقد عشنا فى هذه البلاد وكنا ملتزمين بكل ذلك ولم نشعر بأننا قصرنا فى تأدية الواجب، فما بالك أن يلتزم المسلم بهذا هنا، فهل يقال إن هذه الدولة دينية؟
وأوضح أن الدولة الدينية بالمفهوم الغربى هى دولة متسلطة، لكن بالمفهوم الإسلامى لو كانت دولة سيدنا عمر متسلطة فكيف فتح الشام ومصر واستقبلوه استقبال المنقذ والمخلص؟! فالدولة الإسلامية مختلفة تماماً عن الدولة الدينية بالمفهوم الذى يروج له دائماً، وإنما يرمى البعض بالكلمة هنا ليبعث برسائل سلبية لدى الشباب.
واستطرد «الطيب»: العلاقة بين الدولة والأزهر هنا هى علاقة عاقلة تقوم على أننى رجل أزهرى فى دولة لست خصماً لها، ولست حزباً سياسياً ولا مؤسسة سياسية مطلوب منى (إنى عمال على بطال أعارض الدولة)، فهذه ليست مهمة الأزهر، وليس موجوداً فى أجندة الأزهر،
فأجندة الأزهر تعبر عن أنه مؤسسة علمية أكاديمية ثقافية تحافظ على وسطية الإسلام والتراث الإسلامى والسلام الإسلامى فى الداخل والخارج، ودورنا مع الدولة أننا إذا وجدنا أمراً لا يقره الأزهر فدورنا لا يتعدى الناصح، فلست حزباً ولا منظمة ولا حركة مسلحة، ولو كنت كذلك لافتقدت وسطيتى، وافتقدت ما تميز به الأزهر وهو أنه لا يتدخل فى هذه الأمور، وإنما يهمه الجمهور العريض فى مصر وخارجها، ويهمه الوعظ بالحكمة، فأنا كرجل أزهرى لا أتدخل فى انقلابات أو أوجه لسياسات معينة وإلا كنت مؤسسة سياسية، فأنا أشجع إيجابيات الدولة وأشكرها عليها،
وبالنسبة للسلبيات فإن كنت أرى شيئاً سلبياً فمن واجبى أن أنصح وبعد ذلك كل واحد يتحمل مسؤوليته، أما تدخل الأزهر فى السياسة سيقضى على الأزهر وسينزل من قدر الأزهر فى نفوس الناس، فلا تظن أن هناك هيئة علمية أو علماء، كل عملهم هو نقد الدولة صباحاً ومساء، فأين هذا الطراز من العلماء، قد تجده فى مصر؟! فهم يقولون إن الأزهر مسيس وأنه يقول ما تريده السياسة..
بالعكس فمصر هى البلد الوحيد الذى ينتقد فيه العلماء الدولة، والدليل على هذا، فيه كام واحد متدين، وكام واحد رافع لافتة الإسلام ينتقدون مصر، فهم كثيرون، لكن هاتلى علماء فى دولة أخرى بهذا الزخم الموجود هنا ويتحدثون عن النظام الذى يعيشون فى ظله وينتقدونه فى الجرائد أو التليفزيون أو حتى المحاضرات، كما نرى هنا.
وأضاف: إحنا اللى منفتحين نتهم بأننا سلطويون، وهم السلطويون مائة فى المائة يعيبون علينا نحن «المنفتحين»، فالسلطة هنا تترك لنا مساحة عريضة جداً من التعبير وحرية الرأى، وكم كان رأى الأزهر مخالفاً للدولة لكن فى إطار احترام الدولة وتوجيهاتها!
ورأينا هذا الأمر مع الشيخ طنطاوى والشيخ جاد الحق أكثر من مرة، والحقيقة أنه لم تكن الدولة تتخطى حدود الأزهر، وأنا شخصياً عملت مفتياً لمدة عام ونصف العام وعملت رئيساً لجامعة الأزهر 7 سنوات وما تدخلت الدولة فى شىء أبداً، بل حرية مطلقة تماماً، حتى وأنا مفتٍ كنت أتساءل: هل الدولة عندها علم بأن هناك مفتى ولا لأ؟ لأن مفيش حد رفع سماعة خالص، بل ونحن نتسلم قرارا من وزير العدل رحمه الله المستشار فاروق سيف النصر،
قال لى: «قل ما يمليه عليك ضميرك»، وقبل أن أذهب إلى هناك ويقال لى هذا الكلام، كنت أفكر مع آخرين أن المفتى فلان بيمشوا عليه رأى الدولة، وفى أى فتوى أبحث عن أصابع السياسة، لكن هذا الكلام غير صحيح، فالعلماء المسيسيون خارج مصر وليسوا داخلها، فلا أريد أن أذكر بلاداً بعينها أو أن أسمى مؤسسات كبرى لا تستطيع أن تنتقد نظام الدولة، ومع الدولة الحق، وكثير منهم أحيلوا للتقاعد فى ثانية.
وتابع الطيب: البعض يريد أن يسحبوا البساط من تحت الأزهر، وهذا هدف قديم، ويشجعهم على هذا أنهم يمتلكون القدرة المالية، ويريدون أن يكون الأزهر أمراً وانتهى، وأن يكونون المتحدثين الرسميين باسم الإسلام، ولكن هؤلاء لا يدركون طبيعة الأزهر، وكيف أنه ساد الناس بعلمه ووسطيته وتعدد مذاهبه واحتوائه للمسلمين جميعاً بكل أطيافهم، وهم غير مؤهلين لذلك لأنهم أصحاب اتجاه ومذهب واحد، فهم أصحاب أجندة طائفية.
وطبيعة المسلمين منذ 14 قرناً أنهم متعددون وأنهم أطياف، فهم يصلون ناحية قبلة واحدة ويصومون شهراً واحداً ويحجون حجاً واحداً، لكننا فى المذاهب مختلفون داخل إطار الشريعة الإسلامية، فمصيبة هؤلاء أنهم يدعون لمذهب واحد فقط أو بالفقه الفلانى، وأن غيره حرام وكفر، فهم يريدون أن ينشروا مذهباً معيناً، لذلك هذه المذاهب تعتبر نشاذا فى الجسم الإسلامى، وسوف يتخطاها المسلمون قريباً أو بعيداً، وتابع: «أنا متفائل بمستقبل الأزهر شريطة أن يخلص أبناء الأزهر إليه، وألا تصرف أموال المذاهب الأخرى قلوبهم وعقولهم».
الحلقة الثانية الأسبوع المقبل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.