عزة حسين تتميز نصوص الشاعرة المصرية عزة حسين في إصدارها الأول المعنون (علي كرسيٍّ هزاز) والفائز بجائزة الملتقي الثاني لقصيدة النثر بعديد ميزات يمكننا اجمالها انها ميزات الذات المبدعة، ولسوف اتي عليها في دراسة مطولة لكني في هذه القراءة سأتوقف فقط عند واحدة من تلك الميزات وهي الميزة الأساس او وظيفة الشعر كما يقال التي حملها الكتاب كلية وهي الرثاء، رثاء شاعرة لأبيها عاشت تجربة موته المتسلسل كلها من حالة المرض الخطير وارتعاشاته الأولي الي الموت الاكلينيكي الي الموت والغياب الأكبر، هكذا حسب فهمنا للنصوص ومراحل كتابتها فقد كتبته أي موت أبيها بإحساس مرِّ ومدوٍّ باليتم وهو احساس رافقها من قبل ان تتذوقه فجأة، كان الخوف منه وقلق أن يحصل, أخذ من طمأنينتها وسعادتها وبهجتها الكثير الي ان حصل لتتحطم روحها تماما ولذلك فالشاعرة هنا لاترثي أباها في استذكاره وان كانت فعلت ذلك في عديد مواضع بل هي ايضا تهجوه بنبل او لنقل أنها تعاتبه بقسوة لأنه خانها ومات، انه القرصان الذي سرق منها نفسَها حين مات وانها لن تعفو عن فعله ذاك، فعل الموت الذي تري أن اباها هو الذي فعله بنفسه وهي لا تريد ان تصدق انه لم يكن قادرا علي البقاء حياً ولذلك تقول في قصيدة قرصنة صفحة 17 (لا اظنني سأسامحه لن أصدق أصلاً أن وجهَه الملاصق لغفوتي خارج عن طوعه وأن عينيه التي مسحتا اسفلتاً كاملاً بين رصيفين مغسولة من محبتي) ونقرأ أيضا عن القسوة التي ارتكبها ابيها عنوة حين مات في الصفحة 43 ( يا أبي أكان لابد أن تموت/ لتخبرنا أنك تجيد كل هذه القسوة؟) وأيضا في السطور التي تليها نقرأ( لماذا تنتشي وأنتَ تُبعثر روحَك في منفضة شراييني) وأيضا في الصفحة 61 نقرأ من قصيدة بورتريه (كل ليلة تسكب أباها في عيون الجارات.. القاسي.. كان الوحيد الذي لم يحضر حفل تخرجها، وحدها كانت وليمة للفوتوغرافيا) وفي آخر نص في الصفحة 99 تكون الشاعرة صريحة في عتبها الاكثر مرارة حين تقول ( كنت أحاول أرتق عظامي وأدرب قلبي أن يمارس المغفرة لكل الذين خانوه وماتوا) تستغرق عزة حسين بجمل شعرية متقنة بين ما يريده الشعر بمجازاتهِِ الخلاقة وماتريده هي أن يكون بمحمولهِ السردي، هكذا تتشظي في كل النصوص بعمق لأجل كشف مقدار الألم الحارق والفاجعة الهائلة التي تركتها حالة اليتم.. بل أنها أحست بأحاسيس مختلفة فهي اليتيمة وهي الأرملة أيضا أرملة ابيها بهذا الوهم المعمق والجارح صارت تنعت نفسها اذ تقول في أحدي النصوص صفحة 34 (...يحزنني أنني بنتٌ بلا ضفائر وبلا مراهقة وبلا وَلَدٍ يثقب نافذتي بالزهور، أنا دمية العشرين.. أرملة أبي). وبعينين معاتبتين لكل شيء بما في ذلك الاصدقاء لأنهم لا يفقهون ماذا يجري هنا في وعاء قلبها الذي تغلي فيه حمم الفقد، بل حتي هي نفسها لم تعد جديرة بمفهم هذا الأحتراق ولذلك بدأت تشعر بفقدان قيمة هذه النفس وأن بقاءها لا يساوي شيئا بعد أبيها لنجد عبارات تحمل فكرة باتجاه الانتحار هنا وهناك لكنها تقولها بوضوح في عبارة (البنتُ الآن صارت طازجة للأنتحار...) ثم تذهب بعيدا في ذلك لتؤكد انها ماتت اصلاً واغمضت روحها في لحظة موت الأغماضة الاخيرة للأب وتعبر عن ذلك في الصفحة45 ( ..ومراراً كنت أجرِّبُ أن أستدعيها البنتَ التي أغمضت روحَها منذ عامين فصارت أنا) إن ديوان (علي كرسي هزاز) مغر للكتابة عنه مغر في اللعب مع العبارات ومحاولة ربطها وفهم الحكاية الشعرية الرثائية الفاتنة بلغتها وقفز عباراتها بين معان جمالية رغم الألم المشحون في كل معني لكنها تشعرك بذكاء الشاعرة وقدرتها علي عدم الاطالة بحذر ودربة ورشاقة فهي تعرف كيف تستفيد من التكثيف وفعل الايجاز والمجاز ومتي يمكن ان يكون سطرها الشعري هو ذاته سطراً سرديا نثريا كأنها تؤكد عبارة ل (باسترناك): (ان أجمل سطر شعري هو ذلك الذي يبدو نثرياً) وهكذا وعلي غرار هذا المقطع ادناه تنهي الشاعرة المبدعة عزة حسين بعد كشف شعري لكل ما مر بها من الم الفقد بموقف شعري ما توصلت اليه الناس جمعاء من أن الموت بوصفه مصيراً لامناص منه وهو معنا اينما كنا وكيف كنا. (الموت العالق بدموعنا، المخلوط بالغبار، شريك وسائدنا المغروس في عظم الظل، كل شهيق يدعك خوفنا ويحرشف الأنفاس فتتكور الرعشة وتأكل أصواتنا (....) له قُبلُ الأمهات في الصباح ودولابُ الجدة وحنينُ الآباء المجنح كجرادة، له أصدقاؤنا الدمي وبندول الخطوة وعروقنا الممصوصة، له آخرُ تربيتةٍ علي الروح وله محبتنا الحقيقية.)