أحمد موسى: مصر تفتتح أكبر سوق جملة لضبط الأسعار أكتوبر المقبل    "شكراً لمواصلة تعزيز تاريخ برشلونة".. رسالة لابورتا إلى فليك بعد تمديد تعاقده    الزمالك يعلن رحيل عادل حسين عن تدريب فريق السيدات    رسميًا| فليك مستمر مع برشلونة حتى 2027    "فسيولوجيا فيه مشكلة".. نجل شقيقه يكشف أسباب عدم زواج عبد الحليم حافظ    إيران: الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على سوريا تهدد السلم في المنطقة    63 شهيدا في غزة جراء غارات وقصف الاحتلال منذ فخر الأربعاء    شركة مياه الشرب تعلن بدء عودة المياه لمدينة المنيا    المدن المتاحة في إعلان سكن لكل المصريين 7    إطلاق أول مبنى دائم لمجلس الدولة بمحافظة الدقهلية    حشيش وشابو وفرد روسي.. مباحث الأقصر تضبط عنصرين إجراميين بالاقالتة تخصصا في تجارة المخدرات    مصرع طفل غرقا في ترعة الصافيه بكفر الشيخ    عباس: الفلسطينيون في لبنان لن يكون لديهم أي نشاط خارج إطار القانون اللبناني    مصطفى شحاتة ينضم لفريق عمل فيلم بنات فاتن    محامي بالنقض: كتابة المؤخر ذهب سيحول الزواج لسلعة    هيئة الدواء: تلقينا 12 ألف استفسار منذ تفعيل منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة    بعد توصيل أطفاله للمدرسة.. اغتيال مسؤول أوكراني متعاون مع روسيا في إسبانيا (ما القصة؟)    افتتاح وحدة تكافؤ الفرص بالجامعة التكنولوجية فى بني سويف -صور    رابط نتيجة الصف الأول الابتدائي 2025 في محافظة الجيزة (فور إعلانها)    البورصة توافق على القيد المؤقت ل " فاليو "    "الوفد" يعلن رؤيته بشأن قانون الإيجار القديم ويطرح 4 توصيات    أسعار الحديد مساء اليوم الأربعاء 21 مايو 2025    بيع 6 قصور.. اتهامات متبادلة بين أحفاد نوال الدجوي بشأن الثروة    الشباب والتعليم تبحثان استراتيجية المدارس الرياضية الدولية    مصدر: التعليم الثانوي ينطلق بمرونة لمواكبة التخصصات الحديثة    هل كانت المساجد موجودة قبل النبي؟.. خالد الجندي يوضح    هل يجوزُ لي أن أؤدّي فريضة الحجّ عن غيري وما حكم الحج عن الميت؟.. الأزهر للفتوى يجيب    باريس: استهداف وفد دبلوماسي في جنين تصعيد مرفوض ونطالب بتفسير عاجل    وزير الصحة يستجيب لاستغاثة أب يعاني طفله من عيوب خلقية في القلب    مصر تدين إطلاق النار من قبل الجانب الإسرائيلي خلال زيارة لوفد دبلوماسي دولي إلى جنين    ضبط راكبين بأوتوبيس نقل جماعى تحت تاثير المخدرات.. فيديو    سعر الريال القطرى اليوم الأربعاء 21-5-2025.. آخر تحديث    طولان: إلغاء الهبوط لم يكن بسبب الإسماعيلي.. بل لمصلحة ناد آخر    استعداداً ل«الأضحى».. محافظ الفيوم يوجه برفع درجة الاستعداد القصوى    وزير الخارجية يلتقى مع نظيره الزامبى على هامش الاجتماع الأفريقى الأوروبى    وزارة الأوقاف تنشر نص خطبة الجمعة بعنوان "فتتراحموا"    فيتسلار الألماني يعلن تعاقده مع نجم اليد أحمد هشام سيسا    «غيّر اسمه 3 مرات».. حقيقة حساب أحمد السقا غير الموثق على «فيسبوك»    صحة الدقهلية: ختام الدورة التدريبية النصف سنوية للعاملين بالمبادرات الرئاسية    محافظ أسوان يشارك فى إحتفالية فرع الهيئة العامة للإعتماد والرقابة الصحية    قرار جديد من القضاء بشأن معارضة نجل الفنان محمد رمضان على إيداعه بدار رعاية    ولي عهد الفجيرة: مقتنيات دار الكتب المصرية ركيزة أساسية لفهم التطور التاريخي    قد يكون صيف عكس التوقعات.. جوارديولا يلمح بالرحيل عن مانشستر سيتي بسبب الصفقات    تصعيد دموي جديد في بلوشستان يعمق التوتر بين باكستان والهند    الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 20 فلسطينيا على الأقل من الضّفة الغربية    فيديو يكشف طريقة سرقة 300 مليون جنيه و15 كيلو ذهب من فيلا نوال الدجوي    تأثيرات التكنولوجيا الرقمية على الأطفال في مناقشات قصور الثقافة بالغربية    ضبط 7 أطنان دقيق مدعم قبل بيعه في السوق السوداء بالشرقية    الرئيس السيسى ل الحكومة: ليه ميتعملش مصنع لإنتاج لبن الأطفال في مصر؟    «بنسبة 100%».. شوبير يكشف مفاوضات الأهلي مع مدافع سوبر    لمواليد برج الحمل.. اعرف حظك في الأسبوع الأخير من مايو 2025    قبل أيام من حلوله.. تعرف على أبرز استعدادات السكة الحديد ل عيد الأضحى 2025    "هندسة بني سويف الأهلية" تنظم زيارة لمركز تدريب محطة إنتاج الكهرباء بالكريمات    استخراج جسم معدني خطير من جمجمة طفل دون مضاعفات بمستشفى الفيوم الجامعي    قبل مواجهة بتروجيت.. قرار من أيمن الرمادي بعد انتهاء معسكر الزمالك    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    المرور اليوم.. زحام وكثافات بشوارع ومحاور القاهرة والجيزة    تفسير حلم أكل اللحم مع شخص أعرفه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حاورته فى فرنسا: غادة نبيل «السريالى المخلص ميشيل قصير.. رجل يحنُ إلى الأحلام»
نشر في الدستور الأصلي يوم 14 - 01 - 2013

ميشيل قصير شاعرٌ فرانكفونى مصرى لبنانى يرى نفسه مصرياً ولبنانياً وفرنسياً وكولومبياً. تعرفتُ إليه فى مهرجان "لوديف" الشعرى فى فرنسا من سنواتٍ بعيدة ثم تقابلنا فى مهرجان "سيت" الشعرى فى فرنسا " مهرجان حية من المتوسط " مع زوجته الموسيقية والعازفة كلاوديا كريستيانسن..

أحياناً كان قصير – الفارع الطول – يقرأ أشعاره على خلفية موسيقية من عزف كلاوديا فيبدوان كثنائى خرج من إلياذةٍ شرقية . ولد فى بيتٍ حرص فيه الأب على تعليمه الحديث بالعربية بينما كانت لغة المدرسة الفرنسية ( يتذكر هو بأسى معلقاً : الاستعمار ) .

الأب اشتراكى الهوى . وهكذا ميشيل الذى يجيد العديد من اللغات كتابة وقراءة .تمت ترجمته إلى لغات كثيرة وهو دائم السفر.. لكنه يحن إلى مواطن ذكريات طفولته ( مصر ) وأصوله ( لبنان ).

من أعماله الشعرية " الدم الذى يصعد صافى الذهن " ، " براءة كجذر متقد "، "آن لنا أن نقطع آذان السحر الزرقاء "، " بسبب الصورايخ والكآبة " ، " ربما حلمنا بأننا نعيش " ، " ليس ثمة ملائكة إلا ثمة عطر "، " تباطؤ البرق " ، " زخرفة الأرض " ، " ورشة رمل " ، " المسافات المغناطيسية " ( مع أنطوان بولاد ) ، " مصهر النفس " ، آلهة الآلهة الآلهة " و" خارج التمازكال" ( اسم أحد طقوس أمريكا اللاتينية ) ومن أعماله النثرية " جمر العدو " وله " قلق " وهو كتاب شعرى جماعى والعديد من الترجمات كما أنه حائز على جائزة الشعر الفرانكفونية .

أجرينا معه الحوار التالى بالإنجليزية التى جاءت إجابته عليه بنفس اللغة فى " سيت " بفرنسا كما نسوق بعض المقاطع من إحدى أجمل قصائده - " الإسماعيلية " - والتى تمت ترجمتها للعربية . تبدو مبهجة كقنديل خاصة من شاعر لا يكتب شعره بالعربية رغم كونها مُحمّلة بتيمة الفقد ورحيل الأم . وهنا نص الحوار يليه مقاطع من " الإسماعيلية " :

1- هناك خوف ووحدة مرعبة .. تنهمر من روح شعرك وثمة نبر تعزية فى أشعارك " حبوب اللقاح " ، " يقظة " ، " الإسماعيلية " . نعلم أن الأخيرة كانت مسقط رأس والدتك المتوفاة ( كلاريس ). ما هو الذى تنتحب وتحزن عليه ، إلى جانب حزنك على موت الأم ؟

- أنا لا أعتقد حقاً أن الخوف يكمن فى قلب أشعارى . ربما يقف عند الهامش. وعلى العكس فإن الشعر هو أداة المغامرة الداخلية وهو يكسر الخوف من نسيان الكينونة . قد يبدو هذا خوفاً لكنه فى الواقع متضامن مع فعل الكلمات التى تعبر عن الأعماق. أنا أبحث عبر الشعر عن طريقة لتحرير نهر الأحلام وغناه الذى لم يُستَغَل فبهذا المعنى حقاً تكون القصيدة ثورية ، مبدعة وفقاً لمقاربتى التى ليست فريدة من نوعها بالطبع.

بالتأكيد الأشعار المهداة إلى أمى بعد موتها تتميز بغيابها بصورة قوية وربما بشعور أولىّ بالظلم تجاه هذا الفعل الطبيعى ( الموت ). وهى بالنسبة لى ليست أناشيد عزاء وإنما احتفال بها فى جمال الحاضر. ربما بعض تلك القصائد تقوم بدور استخراج الحزن ( كطرد الشياطين ). أحاول تحويل أمى المتوفاة إلى حضور حىّ وهو مستوى آخر من التواطؤ .

2- أنت ترى قطعة من البطيخ أمامك بقشرها فى الطبق وتتذكر جدك الطبيب وماذا حكى للفلاحين فى مصر وهكذا تكون هناك قصة قصيرة جاهزة . حكايات طفولتك ( التى حكيت لى بعضها ) مع جدك وتمشياتك مع أمك .. ألا تخاف من تأثير الخزان القديم للذكريات على كتابتك ؟

- ليس لدى أية مخاوف بشأن الخزان لأنه ليس قديماً إنما مادته التى لا تُصدّق هى الجذور . إنها ليست انتحاباً وهى تعمل كمادة تُغذى خيالى ووجودى الحقيقى فى هذا العالم.

لم أعرف هذا الجد أبداً لكنى أتذكر الحكايات التى حكوها لى عنه . كان ممتلئاً بحس الدعابة وكذلك كانت أمى . وأعتقد أنى مدين لهما بجزء من روحى أو طبيعتى . وبالمناسبة تلك السلسلة من الأشعار ( المهداة إلى الأم ) ذات خصوصية لأنها مهداة على نحو كامل إلى شخص واحد وهذا نادر فى إنتاجى الأدبى .

3- أنت تتحدث عدة لغات : الفرنسية ، الإنجليزية ، الإسبانية والعربية على الرغم من عدم حريتك فى التعبير بالكتابة بالعربية. ما هى اللغة التى تحلم بها أثناء النوم ؟ . بأية لغة تشعر روحك بالعطش والشوق ؟.

- هذا سؤال حساس جداً . لا بد من الاعتراف أن لغتى الأم هى الفرنسية رغم أن التعبيرات العربية كانت دائماً حاضرة وبالطبع أيضاً إشاعات وأغنيات القلب المصرى النابض . كتبتُ أحياناً بالإسبانية والإنجليزية مع بعض المحاولات بالعربية لكن بكل تأكيد أنا أكتب الشعر بالفرنسية . هى ليست مسألة إرادة لكن من هناك ( يقصد الفرنسية ) تسيل تعبيراتى من الداخل .إن فرنسيتى هى فرنسية المتوسط ( البحر المتوسط ) وهى كائن عربى ومتعدد الثقافات .

4- فى قصيدتك " المعبد " تكتب :" جذورى تنمو فى أى مكان / منذ غادرتْ ". ما الذى تبحث عنه – وحتى الآن – لم تجده ؟.

- أقصد ببساطة أنه الآن وقد ماتت أمى ومات أبى قبلها بعدة سنوات لا بد أن أجد جذورى رمزياً حيث أعيش وأقيم . إنه نوع من الواقعية. بالنسبة لى فحيث لم تكن مقبرتا أبى وأمى قريبتين لتكريمهما فقد اخترت حديقتين باريسيتين كانتا قد عرفاهما. وأكثر من ذلك.. المرء لا يجد جذوره أبداً وهذا غموض العيش . إنه نفس الوضع فى أى مكان فالمرء ليس فقط فى مكان فيزيقى وإنما أيضاً فى فضاء أو مساحة ذهنية وهو ما يمكن أن يجعلنا قريبين جداً ومختلفين جداً .

5- أنت بعيد عن كل شئ .. " متلبد بلا شريط " . ألا تشعر بالتناقض الثقيل داخلك بين الاشتراكى والشاعر ذى المزاج الوجودى ، بين المصرى اللبنانى والرجل أو المواطن العالمى ، بين الشاعر والأكاديمى ورئيس قسم الكيمياء الكهربائية ؟

- أفكر بعمق كيف أن الإنسان متعدد وواضح جداً فى الأطفال وفى كبار السن الذين تحرروا من الالتزامات وكذلك الفنانين بشكل عام .

كشاعر لا يمكننى أن أكون أى شئ غير نفسى . هذا هو الكنز الحقيقى فالمرء لا يستطيع أبداً أن يغصب نفسه . يمكن للمرء أن يتطور لكن هذا دائماً يكون عبر طرق ملموسة وليس قراراً ثقافياً .

أوقاتاً – وأنا مارست هذا – يدرك الأطفال فانتازيا وحقيقة الشعر أكثر من بعض المثقفين ممن يحاولون شرح وتفسير أسباب الإبداع. بالطبع الشرح أساسى لكن فعل الشعر هو فعل الشعر . يمكنه أحيانا ًأن يمتزج بالواقع الحارق ( أفكر فى مايا كوفسكى وغيره ) لكن لايمكن استثارته على نحو مصطنع . وبالحديث عن الاشتراكية أنا لست معجباً فى الحقيقة بالواقعية الاشتراكية فى الفن والتى قتلت الكثيرمن الإلهام بينما تعتقد أنها تخدم الناس.

الناس لا يحتاجون إلى دروسٍ فى الفن . إنهم يحتاجون للفن . أنا لست متمرساً فى السياسة لكن لدىّ خلفية ومعتقدات سياسية محددة وبالنسبة لى لا يوجد تناقض فى طريقة تعاملى مع الشعر والسياسة والعلم . إنها تدريبات مختلفة لكن هناك دائماً الحس الإنسانى ، الفضول ، الاكتشاف ، الرغبة فى تقاسم الأفكار والتنوير .

أنا لا أخلط بين أنشطتى . هى ذات جذور واحدة لكن المنهاجية تختلف . أشعر أن الحلم ضرورى للباحث و الدقة ضرورية للشعر ( الدقة هنا ليست هى " العقلانية " بل " الصدقية " ، الحس الموسيقى واحترام تدفق الأحلام ) . إذا كنت أبدو كمواطن عالمى فهذا ليس عرضاً للتصوير وإنما مشوار حياة طويل أوصلنى إلى المشاركة فى ثقافات عديدة واحترامها لكنى أيضاً محدود مثل أى إنسان .لدىّ أماكنى ومشاعرى.. بمعنى ما أياً ما كانت تحركاتى من بلدٍ إلى آخر أنا شديد التأثر بخليط جذور الصحراء والمتوسط . أياً ما كانت ثقافتى أنا من مصر ولبنان ، بلدى الأم وأرض أسلافى. إن الوعى الذى أمتلكه ممتلئ بهذين البلدين وبشعبيهما أما الحديث عن كونى رئيس معمل الأبحاث فى الكيمياء فهذه وظيفة لعدة سنوات وهى ليست مثل أن تكون عالماً أو شاعراً . إنها تستغرق وقتاً لكنها لا تمتلك روحى .

6- كتابتك كالسريالية المثقوبة ، ممسوسة كأنما بالجن وبنوستالجيا مستمرة وبالوصف . إنها ليست مجرد لعب وتجريب رغم أن بها عنصر اللعب أيضاً . هل توافق أن سرياليتك التى تبدو مزيجاً فلسفياً من الصوفية والاغتراب وطبقات من المنفى والنوستالجيا هى البوابة إلى تعبيرك الذاتى الشعرى وهى التى تُشفّر تلك الذات فقط حتى الحافة ؟ . أقصد هناك مسافة بين مباشرتك ووضوح شخصيتك وبين " الأبواب الجانبية " النفسية فى شعرك ؟

- لا توجد سريالية صرفة حتى ولو كانت هناك ميول مهيمنة.

السريالية فعلت شيئا ًمهماً لتحرير الفن والشعر من التقاليد والقواعد أو السطحية . طبعاً تم استخدام اللعب والتجريب بكثافة لكن ما أرادته السريالية فى الحقيقة هو فتح أعماق البشر. الأحلام والأزمات والغيلان تخرج من أسرّتها إلى الحياة الواقعية وهو نوع من التحليل النفسى ولكن بخيال وحرية أكبر، مثال تلك القبائل فى كولومبيا التى كانت تتقاسم أحلامها قبل الإفطار كدليل على المشاركة والانعتاق . كلامك سليم تماماً فالسريالية أعطتنى دفعة لكنى ممتلئ بتأثيرات عدة ، من بينها الصوفية وثقافة أمريكا اللاتينية والأدب والمعتقدات الشرقية والغربية الخ . المباشرة والوضوح ليسا دائما ما يبدوان عليه. ربما أنا أكثر يقظة ( أحمل الغموض والجدة ) فى أشعارى مما أنا فى محادثاتى رغم أنه يمكننى أن أكون مفهوماً أكثر( بالمعنى التقليدى ) حين أتحدث . ولا تنسى أننى أقوم بالتدريس منذ سنوات.

7- قلت لى أنك مشغول منذ وقت بالشعر الشفاهى . ما الذى تبحث عنه فى الشفاهية وفى أية لغة ولماذا الشعرالشفاهى الآن ؟.

- كعرب نحن نعلم جيداً أهمية الشعر الشفاهى فهو الذى يوفر الموسيقى والانفعال لجمهورأكبر بل كان له دور سياسى واجتماعى ، ومع الوقت تطور الشعر وتطورت المجتمعات. صارت القصيدة ذات حميمية أكثر وبعيدة عن الجمهور العريض – صارت القصيدة غالباً ملكية المثقفين. وبالعودة لوجود القصيدة فى العالم التكنولوجى بالشاشات والتليفونات فى كل مكان ، نجد الفعل الشفاهى فى الشعر يحاول فى نفس الوقت استعادة التقاليد القديمة ( الشعراء العرب ، التروبادور ، المطربين الملهمين الخ ) كما يحاول ذلك الشعر التواصل مع الجدة أو التجديد فى محتمعاتنا الحديثة التى تعانى من نقص الاتصال المباشر. أعتقد أنه من الأهمية بمكان أن نجعل الشعر حياً عبر اللسان والجسد . الشعر أيضاً فن كامل.

8- الأرقام فى بعض أشعارك تبدو كشفرة . هل لديها معادل نفسى مرتبط ببعض الأحداث والوقائع فى حياتك الخاصة ؟ وهل تقوم بعض الأرقام بالنسبة لك بدور التميمة ؟

- لا يوجد شئ خفىّ فى قصائدى . هى مجرد صدفة . ففى قصيدة مهداة إلى أمى ، ألعب بترتيب أرقام هاتفها والتى استخدمتها كثيراً خاصة أثناء الحرب الأهلية اللبنانية وحين كنت أعيش فى فرنسا أو المكسيك .

9- فى العديد من قصائدك أسماء لأماكن وممارسات ثقافية ، أسماء غيلان وآلهة مرتبطة بثقافات ومعتقدات أخرى . هذه يمكن أن يفهمها القارئ الأوروبى لكنها تقف كمشكلة ثقافية أمام القارئ العربى خارج دائرة المثقفين خاصة حين يواجه بالترجمة . هل تتفق معى ؟.

- كلامك صحيح فبعض المرجعيات يمكن تفسيرها ولكن ليس مباشرة فى القصيدة . لكن صدقينى أولا تصدقينى أن الغربى أيضاَ قد يجد نفس الصعوبة فى تحديد كل الأماكن والغيلان الخ... ربما يفهمها بعض الرحالة والمثقفين لكن أهم شئ هو ما تحمله وتقوله القصيدة حتى لو لم تكن الكلمات مفهومة جيداً . وعلى أية حال يمكن توفير الشروح اللازمة حين تدعو الحاجة لذلك ، كهوامش بالطبع .

10- فى تلك الحالة إذن هل لديك القدرة أو الإرادة والاستعداد لتعديل طريقة تعبيرك كى تقترب أكثر من القارئ العربى على مستويات الخيال والصورة والمعنى ؟

- أنا أكتب الشعر منذ سن الثانية عشرة وأظننى قد اكتسبت أسلوباً .. أقصد طريقة ما فى التعامل مع اللغة . سيكون من الصعب جداً أن أعدل قسرياً خيالى ومعانىّ ( المعانى التى بداخلى ) . أتمنى أن أفعل ذلك ، ليس لكى أكون مفهوماً أكثر بل لأكون أقرب إلى الناس ، إلى روحهم ، حكاياتهم ، محباتهم ومعتقداتهم . على أية حال حين تقرئين أبا العلاء المعرى الآن ، هل تعتقدين أنه مفهوم جداً لأغلب الناس ؟ . مع هذا هو شاعر عربى وعالمى. باختصار أتمنى أن يسحر شعرى كما هو.. الشعب المصرى .. لكن مع بعض المفاتيح . أعتمدُ على الموسيقى فى الصور والمناخ العام ( للقصيدة ). سأقُدّر وأُثمّن كثيراً لو قُدر لى أن أكتب عن مصر بعد صلة مباشرة قوية ( مع الناس ) لكن فى نهاية الأمر فإن ميشيل قصير سوف يكتب كميشيل قصير . لا يمكننى الهرب من ذلك.

11- هناك سطر فى شعرك ( المترجم للإنجليزية ) تقول فيه : " حبوب الصنوبر هنا هى حبوب الصنوبر هناك" . الأماكن تتشابه طالما نحن كما نحن . هل هذا هو قدرنا كما أفهم من عبارتك .. هل يعنى هذا أنه ليس ثمة سفر حتى بينما نحن مسافرون ؟ أم أن هناك رحلة " أخرى " كلنا مشغول بها فى العميق ومع هذا نحاول التلهى عنها ونسيانها ؟

- بالإشارة إلى موت والدتى كنتُ مسافراً فى تلك الأثناء وأحسست أن السفر يمكن أن يحدث بدون تحرك . القلق يحمل الرياح إلى الأفكار لكن فى النهاية السفر هو جزء من أنفسنا ، من عدم حركتنا . المهم أن تشعرى بالاكتمال أينما كنتِ ، بالاغتناء بكونك ما زلتِ نفسك . لقد عثرت على كنوز عديدة جداً بالسفر لكنى واثق أنى كنت سأجدها فى مكان صغير بمصر . لكن قدرى هو ما عليه .. لا أكثر ولا أقل .

12- تقتبس سطراً من أنطونيو ماتشادو فى ديوانك " خارج التمازكال " " حيث تقول بالفرنسية : " أيها السائر ، لا يوجد طريق ، الطريق يتشكل أثناء المسير ". فهمته بفرنسيتى المحدودة . هل تؤمن حقاً بذلك ؟

- نعم ، أؤمن بعمق .. بقوة المسير لبناء الطريق أو تشكيله . هذا نوع من فلسفة الأخلاق. بالطبع يمكن للمرء أن يأخذه على مستويات عدة لكن عندى التأثير نابع من صوت الأقدام السائرة .

13- هل تتمنى لو أنك تقدرعلى كتابة ديوان كامل بالغة العربية ؟

- ستكون تلك معجزة ! . بالطبع أتمنى أن أمتلك خبرة حقيقية مباشرة باللغة العربية لكن سيتعين علىّ إعادة تعلم أشياء كثيرة قبل المحاولة . من يدرى ؟! .

مقاطع مترجمة من قصيدة " الإسماعيلية " للشاعر المصرى اللبنانى ميشيل قصير .

" الاسم يحمل الفردوس الأول
حيث الدراجة تدور حول
الحدائق ببطء
ومعها الضحكات
المنزلقة نحو قناة السويس
النافذة الهنيئة لسفر
لا يستغرقُ سوى ساعتين
من حلمٍ جالسٍ إلى الحافة
كم من حروبٍ .. كنتِ تقولين كم من حروب
ومعجزة شعلةٍ صغيرةٍ جداً
تجعل العيون ترقص
فى بهائها الخفىّ
ضحكتك التى تذيبُ الليل
وتلاعبنى فى الوحل الصباحى
كطفل فى أول قربانته
وهو يبحثُ بشكلٍ خاص عن الشعر
كم أنتِ أقل موتاً
من هذا العالم الذى يقتلع
جذوره
يمكننا أخيراً أن نسبح
فى سكونِ يديك
اغمضى عينيك البارزتين
إننى أعرف مدخل بيتنا
حيث كان يأتى جدى
بمندولينته
ليؤثرعلى حواس الحيوانات
أيتها المصر التى نجهلها
فلاحٌ فلاحين عزبة
طبيبُ الريف
الذى طلب أن تُطبخ
قشور البطيخ
بمثابةِ طبقٍ شهىّ
للفلاحين الساذجين
وذلك حباً بالنكتة
والدُ كلاريس
الذى تمادى فى المزاح
أى أن نموت بسببِ غلطةٍ طبية
فى مستشفاه
حتى قبل أن يُعلمنى
تدخين الغليون
وملامسة حمير
مزرعته الفاتنة " .

غادة نبيل وميشيل قصير


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.