محافظ القاهرة يهنئ الرئيس السيسي بعيد تحرير سيناء    وزير المالية: 6.6 تريليون جنيه إجمالي مصروفات الحكومة في الموازنة الجديدة    مجلس النواب يوافق على استضافة مصر مركز التميز للتغيرات المناخية " نيباد"    النواب يوافق على مجموع مواد مشروع قانون التأمين الموحد    مشروع تطوير التجارة في مصر ينظم الحدث السنوي عن سبل التمويل والاستثمار    دبلوماسي سابق: مصر احتوت الكثير من المخاطر لمساعدة الشعب الفلسطيني    السفير طلال المطيرى: مصر تمتلك منظومة حقوقية ملهمة وذات تجارب رائدة    موقف أراوخو بشأن مستقبله مع برشلونة    الخطيب يغيب عن مؤتمر راعي الأهلي الجديد    العين يواجه مخططات "القوة الزرقاء" والهلال في "المملكة أرينا"    محمود الخطيب يغيب عن مؤتمر الراعي الجديد للأهلي    أطلقا عليه النار .. كشف لغز مق.تل عامل بقنا    كان بيلعب في البلكونة.. دفن طفل سقط من العاشر في الجيزة    احتفالية غنائية للأوبرا بمناسبة أعياد تحرير سيناء    المشاط: نكثف جهودنا ضمن إطار استراتيجية الحكومة لتعزيز دور القطاع الخاص في التنمية    جامعة المنصورة تستقبل وفدا من مركز القياس والتقويم بوزارة التعليم العالي    محافظ شمال سيناء يعلن بدء طرح مشروع إسكان مدينة رفح الجديدة    أثليتك: إيمري يمدد عقده مع أستون فيلا إلى 2027    «النواب» يبدأ الاستماع لبيان وزير المالية حول الموازنة العامة الجديدة    السفير المصري بكوريا الجنوبية: الفترة المقبلة ستشهد ضخ المزيد من الاستثمارات الكورية في مصر    مصرع طفلة سقطت من الطابق الرابع بمساكن عثمان في أكتوبر    11 معلومة مهمة من التعليم للطلاب بشأن اختبار "TOFAS".. اعرف التفاصيل    تأجيل نظر 3 قضايا قتل والبراءة لآخر بمركز بني مزار في المنيا    «تنظيم الاتصالات» يقر أوقات العمل الصيفية لشركات المحمول    مي عمر تكشف عن مفاجأة في رمضان 2025 (تفاصيل)    فيلم يقفز بإيراداته إلى 51.3 مليون جنيه في 13 يوم.. تعرف على أبطاله وقصته    هل يستمر عصام زكريا رئيسًا لمهرجان الإسماعيلية بعد توليه منصبه الجديد؟    احذر- الإفراط في تناول الفيتامينات يهددك بهذه الحالات المرضية    رئيس جامعة عين شمس والسفير الفرنسي بالقاهرة يبحثان سبل التعاون    خلال الاستعدادات لعرض عسكري.. مقتل 10 أشخاص جراء اصطدام مروحيتين ماليزيتين| فيديو    ناتاليا: درسنا أبيدجان جيدًا وهدفنا وضع الأهلي في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    رفع 40 سيارة ودراجة نارية متهالكة بمختلف المحافظات    "ضربها بمزهرية".. تفاصيل مقتل مسنة على يد سباك بالحدائق    غرق شاب في ترعة أخميم بسوهاج    عبدالرحمن مجدي: مباراة الاتحاد بداية تحقيق طموحات جماهير الإسماعيلي    قطاع الدراسات العليا بجامعة القناة يعلن مواعيد امتحانات نهاية الفصل الدراسي الثاني    جيش الاحتلال الإسرائيلي يقصف مناطق لحزب الله في جنوب لبنان    متحدث وزارة العمل: تعيين 14 ألف شخص من ذوي الهمم منذ بداية 2023    وزير الأوقاف من الرياض: نرفض أي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته    البرلمان يحيل 23 تقريرا من لجنة الاقتراحات والشكاوى للحكومة لتنفيذ توصياتها    وزير الصحة: التوسع في الشراكة مع القطاع الخاص يضمن خلق منظومة صحية قوية    تحذيرات هيئة الأرصاد الجوية من ارتفاع درجات الحرارة ونصائح الوقاية في ظل الأجواء الحارة    إطلاق قافلة طبية مجانية في قرى مرسى مطروح.. اعرف الأماكن والتخصصات    بمناسبة اقتراب شم النسيم.. أسعار الرنجة والفسيخ اليوم الثلاثاء 23/4/2024    رئيس الأركان الإيراني: ندرس كل الاحتمالات والسيناريوهات على المستوى العملياتي    الرئيس السيسى يضع إكليلا من الزهور على النصب التذكارى للجندى المجهول    شعبة الأدوية: انفراجة في توفير كل أنواع ألبان الأطفال خلال أسبوع    نيللي كريم تثير فضول متابعيها حول مسلسل «ب100 وش»: «العصابة رجعت»    الرئيس البولندي: منفتحون على نشر أسلحة نووية على أراضينا    طلاب الجامعة الأمريكية يطالبون الإدارة بوقف التعاون مع شركات داعمة لإسرائيل    الدفاعات الأوكرانية: دمرنا جميع الطائرات المسيرة التي أطلقتها موسكو خلال الليل    الإفتاء: لا يحق للزوج أو الزوجة التفتيش فى الموبايل الخاص    بدرية طلبة تشارك جمهورها فرحة حناء ابنتها وتعلن موعد زفافها (صور)    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 23-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    "بأقل التكاليف"...أفضل الاماكن للخروج في شم النسيم 2024    مستدلاً بالخمر ولحم الخنزير.. علي جمعة: هذا ما تميَّز به المسلمون عن سائر الخلق    الإفتاء: التسامح في الإسلام غير مقيد بزمن أو بأشخاص.. والنبي أول من أرسى مبدأ المواطنة    علي جمعة: منتقدو محتوى برنامج نور الدين بيتقهروا أول ما نواجههم بالنقول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعر محمد إبراهيم أبوسنة:
أدركت الموت مبكراً
نشر في أخبار الأدب يوم 09 - 09 - 2010

عشق الكلمة فأعطته سحرها وسرها ، كرس حياته للشعر فأنتج لنا أروع القصائد وأحلي الكلمات، تغني بالحب وللحب فصارت قيم العدالة والحرية والمصير هي مفردات أشعاره.. لم يتوقف علي مايزيد عن نصف قرن من العطاء والحب الذي لايفرق بينهما مثلما يقول: الشعر عندي كالحب.. كلاهما سعي حميم لعناق العالم!!
يقول عنه صديق العمر والدرب الشاعر الكبير فاروق شوشة: لايوجد بين شعرائنا المعاصرين من يجسد في حضوره الإنساني وسلوكه اليومي ومواقفه من كل شيء -معني الشاعر وحقيقته- مثلما يفعل (ابوسنة) الشاعر فيه يسكنه في لحظة ، ولا يفارقه ابداً ويلون ردود أفعاله ومنطلقاته بشعرية ضافية تصل بالانفعال في كثر من الأحيان إلي ذروته وتؤجج من كيانه هذه المعاناة الكونية وهو يضع حدوده الفاصلة بين الجمال والقبح والإنساني وغير الإنساني.. الثابت والمتغير.. مع الشاعر الكبير محمد ابوسنة يدور الحوار لنعرف آخر أخباره في مجال الحياة والشعر..
بعد رحلة أمتدت مايقارب النصف قرن من الزمان ماذا يعني لك الشعر علي المستوي الحياتي والأدبي؟
- الشعر هو حياتي.. ولم أفكر في شيء غيره طوال هذا العمر الطويل، رغم انني في بداية وعيي بهذا الوجود وقضايا هذا العالم وقضايا الذات والتفاتي إلي الحب والطبيعة والمرأة والنسق الشعري الذي لفت سمعي وقلبي ووجداني في بداية الخمسينيات منذ ذلك الوقت كان تفكيري كله منصباً علي أنني سوف أتجه اتجاها فكرياً فقد كنت أفكر بصورة دائمة في الوصول إلي نظام إنساني يكفل العدالة والمساواة والحب للبشر ولم يكن الشعر في هذه المرحلة يراودني، واناجيه أستمعت الي الأهازيج الأولي اثناء المظاهرات التي كانت محتدمه قبل ثورة 2591 بدأت احس بتفجر داخل وطني وإنساني وشعري وأمسكت بالقلم لأكتب كلمات اسميها (شعراً) ولكنها لم تكن في واقع الأمر سوي خواطر بدائية.س كنت ساعتها في الخامسة عشرة من عمري، بعد ذلك شققت طريقي في الكتابة متأثراً بالمنظومات الدينية خصوصاً لأمير الشعراء أحمد شوقي وبعض الأغاني الدينية التي كانت تتغني بها أم كلثوم ولكن الشعر بنظامه الجمالي والحقيقي الوجداني تسرب إلي نفسي وهز كياني عندما كنت في المراحل الأولي لتعليمي الازهري .. حيث هزتني إبيات كانت منشورة علي صفحات الكتب التي كانت مقرره عليّ في ذلك الوقت.. ولكنني ونتيجة لأشتباكي مع الواقع الثقافي من منتصف الخمسينات وإحساسي بالعواطف الجياشة تجاه الموجودات المختلفة والعواطف التي يعرفها الشباب في ذلك الوقت حيث الاتجاه إلي المرأة كعنصر رئيسي وأساسي في معرفة الذات والعالم. في ذلك الوقت بدأت أكتب قصائد غزلية كثيرة متأثراً بأشعار بعض الأمويين مثل مجنون ليلي وقيس بن ذريح وكثير عزة وغيرهم.. هذه المرحلة الأولي مرحلة الشعر الغزالي الذي اندثر بعد ذلك لان هذه المرحلة كانت تقليدية الي حد بعيد وأختفت كبدايات تجريبية علي كتابة القصيدة ومن حسن حظي أنه لم يبق شئ من هذه المرحلة، لقد أندفعت بقوة بعد ذلك إلي حالة من القراءة الواسعة سواء في الشعر القديم أو المعاصر او الاجنبي المترجم وحالة من القراءة المحمومة في مجالات أدبية متنوعة مثل الرواية والقصة القصيرة والمسرح العالمي والاقتصاد السياسي والفلسفة والأساطير، فقرأت تولستوي وديستوفسكي وتشيخوف وشكسبير.. ثم انتقلت من مرحلة البدايات الي الوعي بفن الشعر والنصوص الجميلة من هذا الشعر.. تستطيعين ان تقولي انني في نهاية الخمسينات وجدت طريقي وبدأت كتابة القصيدة الحديثة بعد ان تعرفت علي الاصدقاء والأدباء الذين كانوا يلتقون في رابطة الأدب الحديث، وكانت قصيدتي الأولي في النشر هي (القارة الغاضبة) عام 9591 .. التي نشرت في جريدة المساء.. ومنذ رأيت اسمي منشوراً تلبسني احساس عميق بالمسئولية كشاعر وكإنسان ومسئولية التصدي للقضايا التي تحيط بي وشعرت كأنني مسئول عن هذا المجتمع الذي كان يرفع شعارات التحول من المجتمع القديم الي المجمتع الحديث..
سأله: في مقابل كل هذا الألم والمعاناة والإحساس بالمسئولية.. ما الذي حصلت عليه من الشعر؟
- الشعر هو طريقي الي الجمال والحب والوعي بذاتي وبهذا العالم.. ثم هو صلتي بكل ما في هذا العالم من أشياء رائعة.. كان الشعر طريقي الي المرأة وإلي الطبيعة وإلي الوطن وإلي اكتشاف جماليات لغة الشعر وإيقاعاته وخياله.. الشعر.. لم أكن أنتظر منه ان يمنحني ثروة او شهرة أو مكانة اجتماعية.. كان الشعر هدفي لأنه في حد ذاته هدف.. لماذا.. لأنني كما أقول الشعر حالة جمالية وهذا الجمال في حد ذاته يملأ الروح بالنشوة والرضا والغبطة والمتعة.. قلت مرة: انني منحت حياتي للشعر ولكن الشعر أعاد إلي حياتي كلها مرة أخري متجسدة في قصائد كلما قرأتها انبعثت تجاربي التي عشتها منذ صباي وحتي الآن نضرة .. مورقة.. لايستطيع الزمن أن ينال منها، يكفي ان الشعر منحني الحياة، ومنذ كنت صغيراً لم تكن لديّ أهداف إلا أن احافظ علي نشوة إبداع القصيدة الذي كان مرتبطا ببعض الألم والخوف وبعض المعاناة.. لكن حين كانت تأتي القصيدة كانت كأنها الغيث يمطر فتمتلئ الأرض
بالزينة والأشجار، وانا شاعر ولدت في أحضان السهول فأنا ابن للطبيعة في القرية التي ولدت فيها.. حيث اكتشفت مأساوية الأوضاع الاجتماعية.. تستطيعين ان تقولي ان حياتي تفتحت علي الطبيعة والعواطف الجمالية.. علي التاريخ.. علي الخيال.. علي الاسطورة.. ولكن كان محورها تجربتي الشعرية، الواقع الإنساني منذ البداية وحتي النهاية..
ماذا تقصد بمأساوية الحياة الإنسانية؟
- مأساوية الحياة الإنسانية تبدأ في رأيي من إدراك الموت في سن مبكرة، فحين كان يموت أحد في القرية من الأقارب والأصدقاء.. كانت القرية تسير في جنازته والصحراء قريبة جدا من شاطئ النهر حيث تقع قريتي وبيتي والمسافة الخضراء من شاطئ النهر حتي الصحراء الشرقية لاتزيد عن 2 كيلومتر فقط.. وكنا نحمل الموتي الي مدافنهم في الصحراء وأحياناً كان يتم طقوس الجنازة في الليل.. وعندما كنت صغيراً وأشارك في هذه الجنازات ينتابني رعب هائل.. كيف يمكن ان نترك إنساناً -ولم أكن أدرك ان هذا الإنسان قد فقد الإحساس -في احشاء الأرض وحيداً ونعود إلي القرية وحوله كل هذا الفضاء وهل هذه الوحشة وهذا الظلام الغامر!! كانت هذه هي الصدمة الأولي.. رغم انني تفتحت في فترة مبكرة علي البهجة.. بهجة الطبيعة متمثلة في تدفق النهر امام القرية وتفتح الأشجار والحقول والازهار، ومراقبتي الدائمة للمرأة الجميلة وهي تحمل الجرة ممتلئة اشبه براقصة الباليه وهي تعود من النبع بهذه المياه.. كنت استيقظ مبكراً لأكتشف كيف تحمل النساء الجرار في ذهابهن وعودتهن.. انتبهت مبكراً الي المتعة والي جمال المرأة والي جمال النيل.. ولكن كل هذا كان من جانب ومأساوية الموت وهو يتكرر بصورة دائمة في القرية يحمل نوعاً في الهم الثقيل الذي يجتاحني كلما سمعت ان أحداً قد مات وأننا سنشيعه الي المقابر وقد توفيت أمي وأنا في السابعة.. وهذه فاجعة أصابتني بافتقاد لأعظم ما في الوجود وهو حنان ومحبة الأم. وهو ما لايستطيع شيء في العالم ان يعوضنا عنه ذلك اشبه بالنبع الحزين الذي يسري في شراييني.
هل كتبت أية قصيدة عن أمك؟
- لم أكتب اي قصيدة عنها.. لأن القصيدة تنبع عن تجسيد حدث يقع للذات.. اما وفاة امي في سن مبكرة فقد جعلتها أشبه بطيف غير منظور ولامتخيل لاني لا أدرك الآن ملامحها أو هيئتها!! بالاضافة الي سفري إلي القاهرة واغترابي في سن العاشرة لتعلم القرآن الكريم.. وتكويني المثالي إلي حد ما هذا التكوين يرتطم بواقع مليء بالسلبيات والفجائع والمستحيلات.. وانا صغير كنت أحلم -قد تضحكين - لانني وأنا طفل صغير دون العاشرة كنت أحلم ان اكون زعيماً او اكون ملكاً علي جزيرة لايحكمها أحد سواي.. لدرجة اننا في فترة من الفترات كنت مفتونا ببعض الشخصيات العالمية وكنت اتمنني ان اكون سكرتيراً عاماً للأمم المتحدة وعكفت علي وضع نظام دولي يحقق الحرية للدول المستعبدة وللإنسان.. كنت احلم بالمدينة الفاضلة.. وكنت أحلم بكتابة مذكراتي بينما لم يكن لدي ما اسجله وقتها!!
هل مازالت احلام الزعامة هذه تراودك لمصلحة الناس طبعاً؟
- ادركت ان من المستحيل لهذا الحلم ان يتحقق ولذلك كان الشعر بديلا عن الزعامة المفقودة!!
ليكون بعيداً عن البؤس الإنساني الذي لم استطع ان أقضي عليه أو أحقق السعادة للناس!!
أشعر دائما بأنك غير سعيد.. ما الذي يجعلك سعيداً ويشعرك بأنك حققت جزءاً كبيراً مما تريده؟
- منذ شبابي المبكر وأنا متأثر بكلمة قالها طه حسين ونقلتها عنه زوجته سوزان: ان السعادة لم تكن في يوم من الايام هدفاً من أهداف بمعني أن القضايا التي شغلته وحاصرته طوال حياته لم يكن من بينها ان يكون سعيداً علي الإطلاق.. منذ قرأت هذه الجملة وجدتها تنطبق علي حياتي ايضاً.. لم أكن في سعادة وحولي كل هذا البؤس.. البؤس الذي اتحدث عنه رأيته وانا طفل صغير من قصص البؤساء الذين كانوا يأتون إلي ابي في منزلنا.. هذا البؤس ايضاً وجدته في كل تجليات الحياة في المدينة.. هناك أخطار كثيرة واجهتني.. ومخاوف.. وفكرة اصطدام المثالي بالواقع ليست في الفلسفة ولا في الشعر ايضاً، ربما الإحساس بالألم والحزن الدائم وانا شرحت بعض مصادره.. لكن ظلت الغربة مصدرا لهذا الحزن الدفين الذي يلحظه قارئ قصائدي في أي مرحلة من المراحل.. فكرة السعادة لم تكن مطروحة ولكن في حالات قليلة ألتقي بإنسان أو إنسانة تحيلني إلي طفولتي البريئة.. طفولتي التي تتحفظ امامها بأي صورة من الصور.. الحب يمنحنا الحرية والبراءة والعودة إلي أنفسنا كما خلقها الله في المرحلة الاولي من النقاء والطهر والإنسانية.. الحب هو المطلق الأزلي والأساسي والمصدر الاعظم للسعادة في هذا العالم ولكن هل يدوم الحب الذي هو مثل السعادة و»كيتيس« قال ذات مرة: إن السعادة لاتلوح إلا في اللحظة التي تقول فيها »إلي اللقاء« وهذا المعني أخذه ابوالطيب المتنبي في بعض أشعاره..
هل يختلف ميلاد قصيدة عن غيرها من القصائد وما هو اكثر ديوان استغرق وقتاً في كتابته؟ وعانيت معه؟
- ميلاد القصيدة هو ميلاد الفرح واكتمال الوعي بالذات والعالم.. منذ اكتشفت سحر الكلمات وانا اسعي لفهم واكتشاف هذه اللحظة والاستجابة للحظة الإبداع.. منذ البداية وانا قلق.. كيف يمكن ان اكتب القصيدة القادمة.. القصيدة تفاجئني في حالات كثيرة بعد أن احتشد بكل المرئيات والملاحظات والأحاسيس والانفعالات التي مرت بي نتيجة لتجربة استثنائية وقعت لي في حياتي.. فالقصيدة لا تولد عفو الخاطر ولا لأنها سهلة المنال.. القصيدة تولد كأنها جرح عميق او فرح غامر.. انطلاق ما لنافورة من الأحاسيس والمشاعر.. ميلاد القصيدة معجزة من المعجزات ومنذ اكتشفت سحر هذه الكلمات التي تملأني بالثقة بالنفس والتوازن بعد كتابة القصيدة وانا أفكر متي ستأتي القصيدة التالية وكان القلق يساورني. ربما لن تأتي علي الإطلاق وربما تكون هذه هي القصيدة الاخري.. جلست أفكر في طريقة لاصطياد القصيدة وإليك اسلوبي: علي الشاعر أن يترك حواسه حرة للتنزه في هذا الوجود.. بمعني ان يكون الشاعر قوي الملاحظة تجاه كل ما يمر به من أحداث وتجارب مرئيات.. أمرأة جميلة.. طفل.. شجرة .. زهرة .. حدث هام .. جلست مع نفسي وقلت: كيف يمكن أن تأتي القصيدة التالية ووجدت ان علي الشاعر كما قلت ان يفتح حواسه للملاحظة والادراك بعد ذلك عليه ان يشحن وجدانه بالقراءة الجميلة وامتع القراءة ان اقرأ ما أحب.. ليست المسألة هي قراءة منهجية.. ثم نسيان كل ذلك.. هناك شيء ما اسمه التأمل اللاواعي.. وهو ترك القصيدة حرة بعد ان تقدم القرابين إليها.. انا ذكرت مرة في كتاب (أصداء وأصوات) عن المقارنة بين الشعر والحب وقلت ان بينهما تشابها غريبا، فأنت عندما تحب والحب هنا ينطوي علي فعل الحب نفسه ليس مجرد الحب بمنتهي الحرية والاستسلام.. بعد ذلك عليك أن تترك كل شواغلك وأنت في احتدام لحظة الحب.. الشعر كذلك هو لحظة انخراط في فعل الإبداع.. وهذا لن يأتي في لحظة احتضان المشاعر والعواطف والملاحظات العميقة.. ثم هناك بذرة ماتركها هذا الحدث.. هذه البذرة تنمو في بطء شديد ثم تتفجر في زهرة.. شجرة.. غابة.. هي قصيدة..
دائما لك عناوين مبتكرة ولافتة.. كيف تأتي لك فكرة العنوان؟
- عنوان الديوان فعلاً هو جزء من عملية إبداع القصيدة فأنا استبطن هذا الديوان بكل دلالته وما يوحي به وإيمائيته ثم استخلص معني كلياً أو عنواناً يستبطن أعماق الديوان ويقدم خلاصته.. لابد ان يكون دالاً.. قد يكون عنواناً من عناوين القصيدة ولكن في بعض الأحيان أستخلص من دلالات الديوان في مجمله عنوانا كليا للديوان..
يري بعض النقاد أن هناك لوناً من الرمادية يشوب معظم قصائدك.. في رأيك ما السبب؟
- تحدثت عن نشأتي وما رأيت في هذا العالم.. وإذا كان هناك جرح عميق فهو إدراكي للموت في وقت مبكر والعزبة التي رافقتني طوال الوقت وافتقادي للأحباء وانا اتذكر قول الإمام علي ابن ابي طالب: فراق الأحباب.. غربة في المكان .. فأنا في المدينة منذ كنت طفلاً ولم استطع حتي الآن أن أكون ابنا طبيعيا لهذه المدينة.. فأنا لم أتقن وسائلها ولا أساليبها ولم اتقن أحابيلها ، ولم أمتلك فيها شيئاً علي الإطلاق.. برغم ان غيري جاء بعدي سنوات طويلة وامتلك كل شيء.. اما انا فكأنني كنت معتذرا عن الوجود في هذه المدينة ومفتقدا لهذه الطبيعة الرائعة التي ظلت تسكنني ومازلت اري في احلامي المرأة الجميلة والأزهار والانهار والجبال العاتية.
هل مازالت فكرة الموت تخيفك؟
- الموت لايخيفني علي الإطلاق.. لكن مايخيفني هو المرض والعجز والاعتماد علي كائن آخر وانا لم أعتمد علي مدي حياتي.. رغم ان الكثيرين قدموا لي العون في مراحل كثيرة وانا أقدم لهم الشكر..
من اشهر دواوينك (البحر موعدنا) ، كما ان البحر يأتي كثيراً في قصائدك.. ماذا يمثل البحر لك؟
- انا ولدت علي شاطئ نهر النيل، الماء يملأ قصائدي وبما ان الماء هو النضارة والنماء والقوة وهو فعل الخلق لهذه الحياة.. لذلك فالماء سواء في شكل النهد أو البحر هو قوة الحياة في قصائدي ومن مخيلتي.. خيالي خيال مائي.. فلا توجد لدي قصيدة لايذكر فيها البحر أو النهر أو الماء.. الماء جذر الخيال الشعري في هذه التجربة بأكملها!!
في حياة كل منا أماكن تركت ملامحها علي إبداعه.. ما هي الاماكن التي أثرت فيك وفي شعرك؟
- انا سافرت لمعظم البلاد العربية ولكن هناك مناطق ساحرة لم تفارق مخيلتي ولاقلبي، وسعدت فيها بلحظات نادرة واستثنائية.. هذه الأماكن علي سبيل المثال : مهرجان ستروجا في ، مقدونيا وسافرت للمشاركة في هذا المهرجان في عام (5791) وكانت هذه المرة الأولي التي أشاهد فيها بقعة اوروبية وانتفضت منتشيا بكل ما رأيت.. البحيرة .. وأذكر انه في تلك الرحلة دعانا الشاعر الأفريقي الكبير (سنجور) لتناول الغداء معه في احدي جزر هذه البحيرة، وذهبنا إلي احدي الكنائس ليتلقي التكريم حيث نال جائزة الغار الذهبي، في هذا العام كانت هناك أشياء جميلة في هذه الرحلة وأشياء جميلة في الرحلة التالية لها عام (4891) حين ذهبنا لأنهم كانوا يقيمون ليلة للشعر المصري في »ستروجو« وترجم الشعر المصري إلي اللغة المقدونية، وأنا أحتفظ ببعض الذكريات ولا أريد أن أبوح بها في هذه الرحلة بالتحديد، كذلك من الأماكن الساحرة (كولومبيا) في مهرجان الشعر العالمي في مدينة »ميدلين« وقد كتبت قصيدة عن هذه المدينة.. عن الفراشة الحمراء.. هذه الرحلة من أمتع رحلات حياتي، والرحلة الأخري التي لا أنساها والتي وددت أن أبقي هناك إلي الأبد (ماليزيا) حيث تمتعت بالتنزه عبر الغابات إلي شاطيء المحيط الهادي (الباسفيك) وكذلك الرحلة الأخيرة لكونا حيث بهرني إحساس الشعب بالفن والابداع والأخوة الإنسانية.
علي المستوي الشخصي والشعري بماذا تحلم؟
- أتمني أن اكتب مسرحية شعرية أضع فيها خلاصة رؤيتي للحياة وللوجود.. تكون معبرة عن قدراتي الشعرية وأعوض عن الصمت الطويل منذ كتبت مسرحيتي: حمزة العرب وحصار القلعة.. كما تمني أن تصدر أعمالي الكاملة قبل أن أموت، وأتمني لابنتي مي وابنها أحمد حظا أحسن من حظي!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.