ترامب: أمنح لقائي مع بوتين في ألاسكا تقييم 10 على 10    مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة| مواجهة الزمالك ضد المقاولون.. وظهور برشلونة ومانشستر سيتي    القبض على التيك توكر علاء الساحر لظهوره فى مقاطع فيديو يعتدى على أشخاص    مهرجان العلمين الجديدة.. مروان بابلو يختتم حفله بفقرة الألعاب النارية وسط تفاعل الجمهور    سعر اليورو اليوم السبت 16 أغسطس 2025.. كم سجل أمام الجنيه المصري في البنوك؟    أسعار الفراخ اليوم السبت 16-8-2025 بعد الارتفاع الجديد وبورصة الدواجن الرئيسية الآن    السيسي يوافق على ربط موازنة الهيئة الوطنية للإعلام لعام 2025-2026    عيار 21 الآن بالمصنعية.. سعر الذهب اليوم في مصر السبت 16-8-2025 بعد الهبوط الكبير    بعد حريق محطة سلوا، عودة الكهرباء إلى أكثر من نصف مساكن إدفو في أسوان (صور)    موعد إجازة المولد النبوي الشريف لعام 2025 في مصر    ترامب: تطلع أمريكي روسي لوقف حرب أوكرانيا.. واتفقت مع بوتين على معظم النقاط    المستشار الإعلامي للأونروا: مصر لا تتأخر في تقديم المساعدات إلى الفلسطينيين في غزة    ترامب بعد لقائه بترامب: أحرزنا تقدما إلا أننا لم نتمكن من التوصل لاتفاق نهائي    هل كتبت انتخابات الشيوخ نهاية الأحزاب ذات المرجعية الدينية؟ صبرة القاسمي يجيب    «امتلك 3 حراس».. تعليق ريبيرو بعد خطأ شوبير في مباراة فاركو    صلاح يقود ليفربول للفوز على بورنموث برباعية في افتتاح الدوري الإنجليزي    أول تعليق من مدرب فاركو بعد الخسارة أمام الأهلي    تنسيق الجامعات 2025، خطوات التقدم للالتحاق ببرامج الساعات المعتمدة بآداب القاهرة    «الجو هيقلب».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم: أمطار ونشاط رياح    إخلاء سبيل صاحب فيديو المتحف المصري الكبير    عمر طاهر عن الأديب الراحل صنع الله إبراهيم: لقاءاتي معه كانت دروسا خصوصية    حلا شيحة تفاجئ جمهورها ب إطلالة محتشمة في أحدث ظهور.. ماذا قالت؟    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    فريق "واما" يشعل حفل "رأس الحكمة" بحضور نجوم الفن ويحتفل بعيد ميلاد تامر حسني (صور)    اليوم، انطلاق تصفيات مسابقة "دولة التلاوة" ووزير الأوقاف يقرر بثها على 4 قنوات    أنت ميزان حرارة طفلك.. متى تصبح حرارة الرضيع حالة طارئة تستدعي التدخل الطبي الفوري؟    الصحة تخصص خطا ساخنا لمعرفة أماكن توفير تطعيم السعار    ترامب يغادر ألاسكا بعد قمته مع بوتين    "رقم مميز للأهلي".. 4 حقائق من اليوم الثاني للجولة الثانية بالدوري المصري    بوتين يدعو كييف والقادة الأوروبيين إلى عدم عرقلة "التقدم الناشئ"    حيل ذكية لتخفيف الغثيان في الشهور الأولى من الحمل    بالأسماء.. تفاصيل إصابة 10 أشخاص من أسرة واحدة باشتباه تسمم جنوب المنيا    محمد معيط يشارك في عزاء وزير التموين الأسبق علي المصيلحي    ريبييرو: الفوز على فاركو خطوة مهمة لمواصلة انتصارات الأهلي في الدوري    بوتين يفتتح المؤتمر الصحفي في قمة ألاسكا    «مرسال» يعلن إطلاق مبادرة الإستثمار الزراعي في كينيا    السيطرة على حريق بمحطة كهرباء الحصايا بأسوان    عبيدة تطرح فيديو كليب أحدث أغانيها «ضحكتك بالدنيا»    جريئة ومُبهجة.. بالصور أجمل إطلالات النجمات في المصيف    مصرع طفل غرقا في حمام سباحة ببني سويف    مفاجآت في قائمة الزمالك لمواجهة المقاولون العرب    صلاح يسجل..ليفربول يهزم بورنموث برباعية في افتتاحية الدوري الإنجليزي    ب«الجبنة القريش والبطاطس».. طريقة تحضير مخبوزات شهية وصحية (خطوة بخطوة)    القانون يحدد ضوابط العلاوة التشجيعية للموظفين.. إليك التفاصيل    تنسيق المرحلة الثالثة 2025 علمي علوم ورياضة.. كليات ومعاهد متاحة والحد الأدنى 2024    ليفربول يدين الهتافات العنصرية ضد مهاجم بورنموث    بعد تصديق الرئيس.. القانون يمد خدمة المعلمين المتقاعدين لمدة 3 سنوات    «لو بتكح كتير».. تحذير قد يكشف إصابتك بمرض رئوي خطير    بعد ساعات.. غلق كلي ب كوبري الجلاء في الاتجاهين لمدة 3 ساعات    قرار هام من التريبة والتعليم حول تظلمات الدفعة الثانية ل 30 ألف معلم    وكيل صحة المنوفية يوضح حقيقة سقوط أسانسير مستشفى بركة السبع    أخبار 24 ساعة.. انطلاق امتحانات الثانوية العامة "دور ثانى" غدا    تليفزيون اليوم السابع يستعرض أبرز ما يميز النسخة المطورة من تطبيق مصر قرآن كريم.. فيديو    وزير الأوقاف السابق: إذا سقطت مصر وقع الاستقرار.. وعلينا الدفاع عنها بأرواحنا (فيديو)    وزير الأوقاف يختتم زيارته لشمال سيناء بتكريم 23 شابا وفتاة من حفظة القرآن الكريم بقرية 6 أكتوبر بمركز رمانه (صور)    خطيب الأزهر يحذر من فرقة المسلمين: الشريعة أتت لتجعل المؤمنين أمة واحدة في مبادئها وعقيدتها وعباداتها    خطيب المسجد الحرام: الحر من آيات الله والاعتراض عليه اعتراض على قضاء الله وقدره    حكم من مات في يوم الجمعة أو ليلتها.. هل يعد من علامات حسن الخاتمة؟ الإفتاء تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مازلت أمشي علي الماء.. ديوان يمتزج فيه الشعر العامودي وشعر التفعيلة وقصيدة النثر
نشر في القاهرة يوم 03 - 08 - 2010

مزجت في ديوانها بين تجربتها الشعرية وبيئتها الصحراوية، معتمدة علي قصيدة التفعيلة، والقصيدة العمودية، وبعض من القصائد النثرية. استعانت سعيدة خاطر، في مشيها علي الماء، بتيمات أربع، أوصلت بهن تجربتها الشعرية إلي شاطيء اكتمال الخبرة والنضج العاطفي، وكانت التيمة الأولي هي الاعتماد علي الموروث الأدبي، في صوغ الصورة الشعرية وإظهارها، حتي كادت تقع في محظور التقليد، ولكن وعيها بمكانها في الزمان، وبانتمائها لعصرها، أعاناها علي تخطي ذلك المحظور، فجاءت صورها تراثية، مضفورة بتداعيات حداثية، حيث إن توظيف التراث في الصورة له خطورته، كما له فوائده، فمن خطورته، الوقوع في التكرار والإعادة، اللذين يفقدان الأديب القدرة علي الخروج عن التقليد، فيقع أسيراً له، مستسلما لما يمليه عليه، ومن فوائده، أن للموروث قيمة أوسع من أنه مجرد موروث، أو تركة يتم تسلمها.
وقد حاولت الشاعرة تفادي الوقوع في أسر الموروث، اعتمادا علي موهبتها الفردية بشكل واع، حيث اعتمدت علي استحضار الماضي، لإضفاء القدسية علي التجربة الشعرية، فيتحقق، من وراء ذلك، الصدق الفني في تجربة شعرية حداثية.
صور الشعر العربي القديم
ففي قصيدة لها بعنوان: "مشاهدة"، اعتمدت علي صور الشعر العربي القديم، وعلي المعلقات، بصفة خاصة، تقول: "أراك وأن نوّخ الحزن عمراً علي مقلة الانتظار..وأرخي القتامة والمستحيلا..تمطي اليباب بحقلي وجف الهناء..رضاؤك مائي..وهل للحياة وجود إذا غاض الماء"، كما اعتمدت علي بعض صور القرآن الكريم، كالصورة السابقة، وكقولها: "فهل تدري من أين قُدّ قميص المحبة"، وكذا الحال في قصيدة "ميراث"، حيث استوحت الموروث في كل من العنوان وموضوع القصيدة، وذلك حين ورثت حواء الذنب الأزلي منذ خلقها الله علي الأرض: "مرجومة أنت يا حواء مذ سحبتْ براءة آدم..ضلوعك العوجاء..والمسكين تزل به القدم..مرجومة أنت يا حواء مذ ثقبتِ بصدر أبينا طريقاً.. بني الشيطان فيه سقيفة وسوساته..وتصبح البنات حواء في الحكاية..تُرجم كل ليلة لتهمة الغواية" يلاحظ اعتماد الشاعرة علي الفكر في الصورة الشعرية، أكثر من اعتمادها علي الخيال، كما اعتمدت في بعض الصور، علي تحويل الأفكار إلي إحساسات، وتحويل النظر إلي حالة عقلية، وهو نوع من الصور الشعرية، يسميه إليوت: "حضور الفكرة في الصورة"، اعتمد عليه الرمزيون، في القرن التاسع عشر، أمثال بودلير وآلان بو، ومن قبلهم كان الميتافيزيقيون، في القرن السابع عشر، تقول: "كالغيم المجدول علي ابتهالات الطهر..يتطهر آدم من العصيان..يتحدر ضعيفاً نظيفاً كقطرة الماء..تسيل رغبته البريئة الندية كلما سكبت حواء علي جلدها نعومة الحية..مرجومة حواء بوشم الاشتهاء"، وتحتمي بالموروث لتنقذ قلبها الوليد، في قصيدتها: "ليلة ولد فيه القمر"، الذي رمزت به لميلاد قلب جديد، تقول: "يا دار عبلة بالجواء تكلمي..أو حمحمي لندا الفرَس..وعمي مساءً دارَ عبلةَ..لن يغادر الشعراء أرضكِ دون فتح..كان للعشاق مسُ أو ليس للشعراء تيجان القلوب ومضغة من رحم عبس..أو نادمينا وسَلْمي أو طاردينا لتعلمي..من أي ورد نقتبس.. يا دار عبلة خبأت وشمك في دمي".
استيحاء الطبيعة والحب
أما التيمة الثانية، فهي استيحاء الطبيعة، التي تعد مصدر إلهام كل الشعراء، ولكل شاعر طبيعته التي يمتزج بها ويغني معها، فهي بمثابة الأم لدي الرومانسيين، وطبيعة الشاعرة هي بيئتها الصحراوية التي اتحدت بها، فأظهرت صدق التجربة، إنها لم تتغنّ بالجبال المغطاة بالثلوج، أو بطائر الوقواق والسنونوات، ولكنها تغنت بالأثل والخُزامي، تقول: "من صناديق الليل.. واندست بعينيك أغنية من ترانيم الحداة..هوادج قافلتمازلت أمشي علي ي تنوش وأنا البدوية لا أشرب إلا لغة مقطرة بأنفاس عشق رملي.. ينام علي أسطح الأثل والدكداك.. ملتحفاً خيمة الأصمعي.. يدوزن قافية من عَناء وغناء.. جسدي تفتق بالخُزامي والعَرار الغض..أيبسه الفراق لست وحدك تفترسك البيد وتعجن صبحك البعيد غزالة شردت من بهو ليلي المسيج بالمسافة والأراك".
أما التيمة الثالثة فكانت الحب، ولكنها اقتربت منه بحذر، بعد أن تغلبت علي تخبط المشاعر والعواطف التي تجهل نفسها، كما وضحها شاعر الحب، رابندرانات طاغور في قوله: "فالعواطف التي تجهل نفسها، كما تجهل الهدف في سعيها المضطرب الحائر، تظل تسكن المناطق غير المحروثة في الروح الشابة، فالأسنان اللبنية حين تشق اللثة، تصيب الطفل بالحمي، ولا تخف حدة هذا الغليان، إلا حين تظهر الأسنان، وتبدأ في القيام بوظيفتها، كذلك عواطفنا المبكرة، تعذبنا كالمرضي، حتي تحقق صلتها الحقيقية بالعالم المحيط بنا"، فنري مشهد الحب الرومانسي الهاديء في مقطع من قصيدة "عروة الوردة"، تقول فيه: "بكفك سأزهر ليلكة..تنام علي حقل موسيقي وينبتني هواك..يراقصني..هذه ليلتي وحلم حياتي بإزميل صوتها الماسي..تدق أم كلثوم علي مواجع الرحيل، لتورق مواويل هربت"، ثم نري مشهدا لأنثي نضجت عواطفها، وقويت كمهر جامحة: "يا سيدي قد صرت امرأة وكبرت علي عزف ولّي..أنضجت الشمس عناقيدي وكرومي سكّرا تتحلّي..أصبحتُ كمهر جامحة.. من راضها كان بها أهلا.هل تعرف ما معني امرأة شامخة تتحدي النخلا..قُدّتْ أغصانُها من صخر لا عجب بأن تعشق جبلا"، ثم تعود ثانية للمهادنة، وتطلب الغزل الناعم الرقيق، لأنها تخطت الأربعين: "لطفاً.. هدهد مسامات أنوثتي بنداوة الغزل المرتوي من دهشة الفراديس..فالمرأة بعد الأربعين، تحتاج لفيء ورِي ولقلب ينفح التحنانَ والعطر..بنبض نبوي"، فالحب عندها أساس الوجود، كما إن الحب عند معظم الشعراء، هو جوهر الحياة، وقد قدم لنا طاغور في قصيدته: "لؤلؤة الهيمالايا" سراً لهذا الحب، حين كان يجلس علي حافة أخدود، يتأمل القمم المغطاة بالثلوج، ويصغي إلي هدير الشلالات، فيفيض قلبه بنوع من الحنين إلي جوهر حبنا وحقيقته، فيقول: "أعلم أنه لا يمكن أن نحب شيئاً لذاته، إذا ما عرفنا بخبرتنا أن الشيء نفسه قد يبدو لنا، في لحظة ما، تافهاً، أو منفراً، وفي لحظة أخري، مشوقاً وجذابا، إذن فنحن لا نتوق إلي الشيء نفسه، بقدر ما نتوق إلي تأثيره فينا"، ولم يجد الشاعر كلمة يعبر بها عن هذا الإشعاع العجيب، سوي كلمة "الصدي"، فيقول: "إني أحبك أيها الصدي أكثر من أي شيء آخر، أنت تلقي في نفسي الاضطراب والقلق، وإليك يصعد أنين نايي، أنت الذي أحب أن أسمع غناء الطيور في شفتيك، وأسمع همهمة الشلالات، وأنصت إلي صوت الموسيقي العميقة الخفية في البستان، وإلي أغنية الكون كله"، وتجاوبه سعيدة خاطر في "قبلة علي جبين الفراشة الحالمة"، حيث يظهر الأثر الذي يخلفه الحب في القلب، مستخدمة الضوء والموسيقي والصدي: "لم تعد تصفق لرقصة الضوء..وارتعاشة اللهب..لم تعد موسيقي النار تختلط بأنغام النور المغتسل ببراءة الصباح..وحين يصطدم حفيف تحليقها بالوجع..يتوالد صدي ألوانها الجديدة"، حيث فلسفة الحب عندها، هي اتخاذها من الحب الإلهي، معبراً للحب البشري، وقد تجلي ذلك في قولها: "أراك وإن جفف الحلم قناديله..وأطفأ فينا فتيل الحواس، ستبقي ضيائي وأبقي ضياك وهذا الجسد عيون تراصد خطوك أني ارتحلتْ دمائي مرايا تشف بطيفك دون تماس فوجهك وجهي وكلك كلي وظلي لظلك محض انعكاس"، ويعادل استخدامها كلمة "الظل"، "الصدي" عند طاغور، وقد قدم طاغور صورة رائعة للحب في ديوانه "باقة الأغاني"، حيث عزف علي قيثارة الشعر "الفياشتافي"، الصوفي بعد أن تخلص من فكرته الأساسية وهي أن الحب البشري معبر للحب الإلهي فقد عكس ذلك، وهو مذهب الشاعرة في الحب، وجاء الغناء علي لسان امرأة، ليجعل أغنياته محملة بالرقة، ومثقلة بعطر الورد، لأنه رأي أن عواطف المرأة، أنسب قالب للتعبير عن هذه الأشواق، يري طاغور "أن الحب هو قانون النفس العليا، التي تعانق الوجود كله، وفي الحب، تلتقي الحرية والعبودية، أو علي الأصح، لا يكون لهاتين الكلمتين معني في الحب؛ لأن الحب معناه أن تختار الارتباط بالمحبوب، ومعرفة الله إنما تكون عن طريق الحب، لأن المعرفة الحقيقية، لا ضرورة فيها ولا إلزام، وإنما تكون بأن يدرك الإنسان وجوده في العالم، ووجود العالم فيه". أما التيمة الرابعة التي اعتمدت عليها الشاعرة في إبراز تجربتها الشعرية، فكانت الاستناد إلي جدلية الثنائيات، كالمطلق والجزئي، والواقع والمثال، والضوء والظل، وهي تناقضات يسميها أفلاطون "جدلية الحقيقة والمثال"، وقد تجلي ذلك في قصيدة "ثنائية الانشطار، فتقول: "حواء المنشقة من تلابيب النور والطين.. حبت حرارة الدماء في قلبك الملتهب بالطاعة الملائكية..لأول مرة تذوق يشريتك"، وفي "امرأة واحدة لا تكفي"، اعتمدت علي ثنائيات عدة مثل: الصدق والغواية، وذلك باستخدامها الرمز الشعري المتمثل في موسي والسامري، وكذلك ثنائيات الحياة والموت، والوجود والعدم، تقول: "في شرقنا.. تتقنع الفراعين بالحكمة.. والقناع يعرف زيف الادعاء يخشي عودة موسي والسامري..يزاحم الوليد.. يمتص مناغاته ويطفيء النشيد..تهدهده الأم، ترضعه مرارة الحليب..الموت في شرقنا حي لا يموت..يتكاثر وحده، يعمر البيوت، يؤثث بجثثنا مقابر الفناء".
مزج موسيقي الشعر
أخيراً، حمل ديوان "مازلت أمشي علي الماء"، تجربة المزج بين أنواع من موسيقي الشعر فرأينا الشعر العامودي وشعر التفعيلة وقصيدة النثر، معتمدة علي تكرار نغمة معينة في كل قصيدة، وهي ما تسمي باللازمة، أو المرجع، وهو نوع من الإلحاح علي الفكرة، ونوع من إشاعة النغم بين أرجاء النص، فيبدو متماسكا منغوما، كمقطوعة موسيقية متناغمة، فاعتمدت مثلا علي تكرار كلمة "أراك"، في قصيدة "مشاهدة"، وكلمة "ياحواء"، في قصيدة "ميراث"، وتكرار عبارة "لك الحب"، في "عروة الوردة"، وعبارة "أبعد يديك عن مسام أنوثتي"، في قصيدة "بعد الأربعين"، وفي قصيدة "سأغزوك عشقا"، تجلي هذا التكرار في المقطع الأخير، في قولها: "وما كل أنثي بها روح أنثي..وما كل أنثي بها عطر أنثي..وما كل أنثي بها عشق أنثي"، وهكذا، كما اعتمدت الشاعرة، في جملها الشعرية، علي المزج بين التجسيد والتجريد، وهو دليل نضج شعري، كما يقول إليوت: "لعل الناس ينضجون، خير نضج، خلال تجارب هي حسية وعقلية، في آن معا، ومن المؤكد أن جميع الناس يقرّون أن أحدّ الأفكار لديهم، قد جاءتهم مصاحبة لإدراك حسّي، وأن أحدّ تجاربهم الحسية، إنما نجمت عن حال كان الجسم يفكر أثناءها"، ولكنها ابتعدت عن الخيال، وهو أساسي في الشعر، ويراه إليوت "أن له منطقاً، مثلما أن للمدركات العقلية منطقاً"، ويراه آينشتاين أهم من المعرفة؛ لأن الحقيقة وهم: "الخيال أهم من المعرفة، والحقيقة ليست سوي وهم، ولكنه وهم ثابت"، ولذا، كثرت عندها الجمل المنطقية والتقريرية، كقولها: "بعضنا جاءه الإذن بالصعود إلي السماء"، وقولها: "إني مهما بذلت النفيس أراني أقصر في واجبي"، ولكنها عوضت عن ذلك، بلجوئها للتجريد، أحيانا، فكان بديلاً عندها للخيال مما أحدث توازناً في شعرها، وأضفي عمقا علي التجربة الشعرية، كقولها: "علمتنا كيف نطلي الشفاه بلون الرجاء"، وقولها: "تناثرت مفردات الحب"، أو اعتمادها علي الرمز الشعري، وذلك في قصيدتها: "ليلة ولد فيه القمر"، ورمز القمر هنا هو قلب الشاعرة، ومع ذلك، مازالت سعيدة خاطر تمشي علي الماء، حتي تظهر اليابسة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.