الفريق أحمد خليفة يشهد انطلاق المؤتمر الدولى للاتصالات    مدبولي: معدلات استهلاك وإنتاج الكهرباء في مصر سجلت أرقامًا غير مسبوقة    جامعة القناة تواصل تمكين شبابها عبر "كن مستعدا" لتأهيل كوادر مراكز التوظيف    بدء تسليم أول وحدة صحية بمنطقة غرب المطار بأكتوبر الجديدة.. استعدادا لتشغيلها    وزير الخارجية والهجرة يلتقي الكاتب الأمريكي توماس فريدمان    ترامب: سأسمح للاجئين الأوكرانيين بالبقاء في الولايات المتحدة حتى انتهاء الحرب    نادي الشمس يهنئ ياسر إدريس بعد فوزه بمنصب نائب رئيس الاتحاد الدولي للألعاب المائية    الزمالك يعلن رسمياً التعاقد مع محمد إسماعيل لمدة 5 مواسم    محمود بنتايج يعود لتدريبات الزمالك بعد التعافي من الإصابة    النيابة تعلن انخفاض نسبة المخالفات المرورية 25% وحوادث الطرق 37%    السجن المؤبد لمعلم هدد وتعدى على 10 طالبات داخل مدرسة بالإسكندرية    تحرير 182 مخالفة وضبط 7 أطنان دقيق وزيت وسكر بحملة تموينية بالدقهلية    وزارة التعليم ردا على إدعاء طالب تغيير إجابته بالثانوية: إجراءات التصحيح لا تقبل مجالا للشك    تجديد الثقة في اللواء مصطفى إبراهيم مديرًا للإدارة العامة لمرور الجيزة    وداعًا لطفى لبيب    أمير المصرى فى مهرجان فينيسيا    أمين الجبهة الوطنية: الرئيس السيسى يبذل كل ما يملك فى سبيل الدفاع عن قضية فلسطين    زياد الرحباني والتعبير عن هموم لبنانية وعربية    ساموزين.. يطلق «باب وخبط» ويعود إلى الإخراج بعد غياب 15 عامًا    خدمة طبية متكاملة داخل المنازل    "هواوي" تطلق الإصدار 8.5 من حزمة السحابة في شمال إفريقيا لتعزيز الذكاء الاصطناعي    "مدبولي": مصر تكبدت خسائر كثيرة منذ بدء الأزمة في قطاع غزة    الكرملين ردا على تعليقات ترامب: روسيا اكتسبت مناعة من العقوبات    تحليل مخدرات والتحفظ على السيارة في مصرع شابين بكورنيش المعادي    في شهرين فقط.. تامر حسني يجني 99 مليون مشاهدة بكليب "ملكة جمال الكون"    البيت الفني للمسرح ينعى الفنان لطفي لبيب    مصر تواجه تونس في ختام الاستعدادات لبطولة العالم لكرة اليد تحت 19 عامًا    اجتماع موسع بشركة الصرف الصحي بالإسكندرية استعدادا لموسم الأمطار    ناجلسمان: تير شتيجن سيظل الحارس الأول للمنتخب الألماني    رئيس جامعة المنيا يحفّز الأطقم الطبية قبيل زيارة لجان اعتماد مستشفيي الكبد والرمد الجامعيين    أهمية دور الشباب بالعمل التطوعي في ندوة بالعريش    ركود السوق يهبط بأسعار الأجهزة الكهربائية 35%.. والشعبة: لا تشترِ إلا عند الحاجة    توقعات الأبراج في شهر أغسطس 2025.. على برج الثور الاهتمام بالعائلة وللسرطان التعبير عن المشاعر    محافظ المنوفية تنهي استعداداتها لانتخابات مجلس الشيوخ 2025 ب 469 لجنه انتخابية    ترامب: الهند ستدفع تعريفة جمركية بنسبة 25% اعتبارًا من أول أغسطس    أحمد درويش: الفوز بجائزة النيل هو تتويج لجهود 60 عاما من العمل والعطاء    تغطية الطرح العام ل "الوطنية للطباعة" 8.92 مرة في ثالث أيام الاكتتاب    سباحة - الجوادي يحقق ذهبية سباق 800 متر حرة ببطولة العالم    جامعة بنها الأهلية تختتم المدرسة الصيفية لجامعة نانجينج للطب الصيني    النيابة العامة: الإتجار بالبشر جريمة تتعارض مع المبادئ الإنسانية والقيم الدينية    "زراعة الشيوخ": تعديل قانون التعاونيات الزراعية يساعد المزارعين على مواجهة التحديات    وظائف خالية اليوم.. فرص عمل ب 300 دينارًا بالأردن    الرعاية الصحية تعلن تقديم أكثر من 2000 زيارة منزلية ناجحة    محافظ أسوان يوجه بالانتهاء من تجهيز مبني الغسيل الكلوي الجديد بمستشفى كوم أمبو    انكسار الموجة الحارة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة    ما حكم كشف وجه الميت لتقبيله وتوديعه.. وهل يصح ذلك بعد التكفين؟.. الإفتاء تجيب    أبو مسلم: جراديشار "مش نافع" ولن يعوض رحيل وسام ابو علي.. وديانج يمتلك عرضين    علي جمعة يكشف عن حقيقة إيمانية مهمة وكيف نحولها إلى منهج حياة    هل التفاوت بين المساجد في وقت ما بين الأذان والإقامة فيه مخالفة شرعية؟.. أمين الفتوى يجيب    ما معنى (ورابطوا) في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا)؟.. عالم أزهري يوضح    ملك المغرب يؤكد استعداد بلاده لحوار صريح وأخوي مع الجزائر حول القضايا العالقة بين البلدين    ترامب يكشف عن تأثير صور مجاعة قطاع غزة على ميلانيا    استراتيجية الفوضى المعلوماتية.. مخطط إخواني لضرب استقرار مصر واستهداف مؤسسات الدولة    33 لاعبا فى معسكر منتخب 20 سنة استعدادا لكأس العالم    وفري في الميزانية، طريقة عمل الآيس كوفي في البيت زي الكافيهات    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 1447-2026    إعلام كندي: الحكومة تدرس الاعتراف بدولة فلسطين    رسميًا.. جدول صرف مرتبات شهر أغسطس 2025 بعد تصريحات وزارة المالية (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد صالح صاحب اللغة الشعرية الهامسة
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 03 - 12 - 2009

رحل الشاعر السبعيني محمد صالح صاحب "صيد الفراشات" بعد صراع قصير مع المرض عن عمر يناهز 69 عاما في هدوء دون ضجيج، بنفس الطريقة التي عاش بها حياته، فهو ابن مدينة المحلة التي قدمت عددًا غير قليل من المبدعين الذين حصلوا علي قدر كبير من الأضواء، لكنه فضل الهدوء علي الأضواء، فضل العكوف علي مشروعه الشعري، فحقق به ما لم يحققه آخرون بالأضواء، علي الرغم من قلة إنتاجه، فقد قدم للساحة الشعرية ستة دواوين هي: "وطن الجمر" 1984، و"خط الزوال" 1992، و"صيد الفراشات" 1996، و"حياة عادية" 2000، و"مثل غربان سود" 2005 ، و"لاشيء يدل" 2008.
"روزاليوسف" تشارك في تأبين الراحل بعدد من الشهادات التي قدمها أصدقاؤه.
سعيد الكفراوي :
منذ نصف قرن تقريبا وأنا تربطني علاقة صداقة وطيدة بالراحل محمد صالح، ففي أوائل الستينيات التقينا وكونّا في مدينة المحلة الكبري نادي الأدباء بقصر الثقافة، وضم في عضويته جابر عصفور ونصر حامد أبو زيد ومحمد فريد أبو سعدة وجار النبي الحلو ومحمد المنسي قنديل والشاعر الراحل أحمد الحوتي، ومنذ ذلك التاريخ ونحن متواصلون في الحياة والأدب والموت، فلقد رحل بعضنا.
محمد صالح شاعر متعدد الوجوه المضيئة في الشعر والحياة والواقع الاجتماعي، وهو صاحب مواقف شريفة اعتقل بسببها في السبعينيات، وهو الشاعر الذي امتلك رؤية نافذة للإجابة عن سؤال كيف يعبر الشعر عن روح الإنسان وعن صيرورته في المكان والزمان؟، وعبر هذا المعني احترف التكوين الإنساني لروح جماعته في القرية والمدينة، وكانت قصيدته تتسم بالجدية والاختصار، وبالرغم من قلة أبياته، إلا أن متنه الشعري كان فياضا وواسع الرؤية وقليل العبارة.
كتب محمد صالح قصيدة التفعيلة في ديوانه (الوطن الجمر)، و(خط الزوال)، ثم انتقل إلي قصيدة النثر ليتجلي في دواوين: "غربان سود"، و"صيد الفراشات"، و"حياة عادية"، ولم أر محمد صالح ذلك القابض علي الجمر يوما يتمسح بمكان فيه سلطة، ولم يوسط ناقدا للكلام عن شعره، بل أمضي حياته جواز مروره الوحيد للشعر هو قصيدته، لقد جمعتنا أماكن لم نغيرها طوال تلك السنين كنا نجتمع فيها أنا والراحل ومحمد عفيفي مطر ومحمد سليمان وإبراهيم عبد المجيد وآخرون، وها نحن اليوم نودع الصديق والشاعر، حيث تغيب شمس الإنسان وتبقي شمس الشعر مضيئة وفياضة تسعي لتحقيق العدل لبشر هذا الوطن، طالما توجد اللغة وتوجد القصيدة الحقيقية.
الدكتور محمد عبد المطلب :
محمد صالح من جيل سابق علي جيل السبعينيات، لكنه دخل في زمرتهم بما أبدعه في قصيدة النثر، علي الرغم من أن هذا الشاعر لم يشارك فعليا في الحياة الثقافية إلا بعد أن أصدر ديوانه الأول (الوطن الجمر) عام 1984، ولولا سفره إلي دول الخليج التي استمر فيها لفترة طويلة لأصبح من أعظم شعراء السبعينيات، فديوانه الأول يتميز بشعرية مفارقة وموافقة في الآن نفسه لجيل السبعينيات، فقد تحول الوطن علي يديه إلي مأساة رومانسية، وكانت كل مهمته الشعرية أن يستعيد هذا الوطن مما هو فيه، ومن الواضح أن محمد صالح منذ بدايته الأولي هو متمرد علي جيل الريادة ورافض للجماعية الشعرية ومؤمن بالفردية الذاتية، لكنها ليست الفردية الرومانسية التي تنغلق علي نفسها، وإنما هي ذاتية منفتحة علي واقعها وعلي متابعة هذا الواقع وإدخاله دائرة الأسطورة أحيانا والتصوف أحيانا أخري.
أما أدواته الشعرية فهي علي عكس طموحاته الدلالية، إذ كان يتعامل مع اللغة بحنو ومحبة واحترام، فهو من الشعراء الذين يمكن أن نطلق علي لغتهم مقولة الدكتور محمد مندور : اللغة الهامسة.
أما آباء محمد صالح الشعريين، فيمكن أن نحصرهم في صلاح عبد الصبور وسعدي يوسف وسامي مهدي، فضلا عن قراءاته في الشعر الأجنبي وخاصة الشعر الفرنسي، وربما كانت غربته وحساسيته المفرطة وراء محدودية إنتاجه الذي لم يتجاوز ستة دواوين، وأهم هذه الدواوين من وجهة نظري هو "خط الزوال" الذي استطعنا من خلاله اكتشاف قدرات هذا الشاعر الإبداعية واللغوية والجمالية، وأنا اعتبره أحد أفضل من كتبوا قصيدة النثر في العالم العربي كله، رحم الله محمد صالح فقد كان أحد رموز التجديد في الشعر العربي المعاصر.
محمد إبراهيم أبو سنة :
رحيل الشاعر السبعيني محمد صالح خسارة حقيقية للشعر المصري والعربي، ذلك لأن هذا الشاعر كان يتميز بالصدق والعفوية والعمق، وكانت شخصيته في منتهي الرقة والدماثة، ومن الشخصيات التي يألفها المرء بمجرد التعرف عليها، وهو وجه بارز من وجوه حركة الشعر في السبعينيات، وكان منحازا انحيازا كاملا لقصيدة النثر، وقد استطاع أن يكتب نموذجا خاصا به في هذا الاطار، ولهذا لم يكن شاعرا يشبه الآخرين، ولكن تميز بتجربته الطويلة وثقافته الواسعة واقترابه الحميم من الواقع المعاش، وأشعر بالفقد لرحيله، وأتمني أن يجمع أصدقاؤه من شعراء السبعينيات منجزه الشعري وتتولي هيئة قصور الثقافة إصدار هذه الأعمال تكريما لهذا الشاعر المتميز الذي اختطفه الموت في سن النضج والعطاء رحم الله الشاعر محمد صالح وابقي لنا شعره ليكون معبرا عن خصوصية هذه التجربة.
محمد فريد أبو سعدة:
أنا ومحمد صالح لم نكن صديقين حميمين لأكثر من أربعين عاما فقط، ولكنه كان أيضا أبا من آبائي الشعريين وآن لي الاعتراف بذلك، وأتذكر الحوارات التي استمرت طويلا بيننا وكان لها الفضل في تبلور وعيي بما هو شعري وبما هو عالم منذور للكتابة، ولم يكن هناك تطابق بيننا بالطبع، ولكن تظل وشائج تربط بيننا في التشكيل الشعري خاصة من حيث البنية ومن حيث الاقتصاد اللغوي، لقد أخلص محمد صالح للشعر وحده ولم يتطلع إلي ما يهرول إليه الكثيرون من مناصب وألقاب، فقد كان زاهدا في ذلك تماما، وكانت القصيدة رهانه ومجده ومكابدته ولذته، وفي تجربته تحولات وأكثر من مرحلة، فقد استطاع بديوانه المدهش (صيد الفراشات) أن يكون أبا من آباء قصيدة النثر العربية المعاصرة، حيث نذر نفسه لرؤية الغابة في الشجرة، إنها الرهافات التي يتعالي عليها الكثيرون غير مدركين بأنها مكنوزة بالشعر، وهي الأبواب الخلفية والسرية وغير الملحوظة التي يمكن من خلالها الدخول إلي العالم بما هو عليه.
الشاعر محمد سليمان :
محمد صالح أحد أكثر شعرائنا تميزا، وقد عرفته عام 1970، واستمعت إليه في الجمعية الأدبية المصرية في ذلك الوقت بإحدي الأمسيات الشعرية، وراهنت عليه كشاعر متميز سيقدم الكثير في المستقبل، كان في بدايته لكن قصيدته كانت مشحونة بالخصوصية وببدايات التميز، وحدث أن سافر بعد ذلك لسنوات طويلة ثم عاد في منتصف الثمانينيات ليصدر ديوانه الأول "الوطن الجمر" متضمنا بعض القصائد التي كتبها في السبعينيات، ثم توالت دواوينه وخاصة "صيد الفراشات" الذي قدم وجها جديدا لمحمد صالح كشاعر متميز يقدم قصيدة النثر، وفي كل دواوينه نجح في اصطياد تجربته وشحنها بخبراته الشخصية وتأملاته وموقفه من العالم، واستطاع أن يقاوم غواية السرد، هذه الغواية التي دمرت عددا كبيرا من شعراء قصيدة النثر وحولت قصائدهم إلي سرديات تقف علي الحد بين الشعر والقصة، وتفشل في تقديم عالم شعري متماسك ينشغل بالجوهر ويبلور عناصر التجربة الشعرية، ونجح في تقديم عدد من القصائد المتماسكة والمشعة في الوقت نفسه وفي تقديم عالمه الخاص، وعلي المستوي الشخصي خسرت صديقا حميما عرفته قبل أربعين عاما.
جار النبي الحلو :
محمد صالح كان من أنبل الشخصيات التي عرفتها في حياتي وتأثرت بشخصيته منذ أن عرفته عام 1965 واستمرت علاقتنا لآخر لحظة، وكان له رأي خاص في الحياة والفن والسياسة، وكنت أشعر دائما بأنه حصان جموح، لكنه جميل، وكان إنتاجه الأدبي قليل جدا، والسبب في ذلك أنه كان يبذل جهدًا كبيرًا في كتابة الشطر الواحد، وكان ينتقي الكلمة، كأنه يبدع لأول مرة، وكانت قصائده التفعيلية الأولي كلها مميزة، رغم أنه سبق مجموعة المحلة في النشر بمجلة "جاليري 68"، ولكن الشهرة لم تشغله علي الإطلاق، وكان عفيفا، ومميزا في قصيدة النثر، لأنه لا يكتب إلا عن قناعة، وفي أزمة مرضه الأخيرة رفض بكل إباء ان يكتب عنه في الصحف، وبرحيله بدأ انفراط عقد مجموعة المحلة بسب الموت الذي بدأ يداهم أعضاءها.
إبراهيم داود:
محمد صالح من المجددين في الشعر العربي المعاصر، وأسهم في انتصار قصيدة النثر علي النماذج الكارهة للشعر، كما أسهم في تطويرها بحيث أصبح هناك ما يسمي بقصيدة النثر المصرية، والتي كانت مقصورة في الماضي علي الشوام واللبنانيين، فقد اظهر النكهة المصرية في هذه القصيدة،واستطاع بخبراته الطويلة في هذه الحياة والشعر واللغة أن ينحت نصًا مغايرًا يعتمد علي البداهة المصرية، فقد كان منحازا للشعر في كل تجلياته، فجاء ديوانه الأول تفعيلة، ثم "صيد الفراشات" يجمع بين التفعيلة والنثر .
وسوف يعيش شعر محمد صالح أكثر من الشعراء الذين يتغنون بالوطن ويهاجمون الحكام ويبتذلون شعرهم في الفضائيات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.