صدر حديثا عن دار الغاوون ديوان "يقطع الليل بالسكين" للشاعر السوري فادي سعد. في قصيدة بعنوان "قابلة" نقرأ: "لا أحد يلوم القابلة، يكمل الطفل. ما يلفظه الرحم، تلتقطه هي. ولا أحد يلومها على البضاعة. وماذا إذا خرج قردٌ، أو كان الوليد بثلاث أرجل أو بعين واحدة؟ تسأله جدّته بحنان. لا أحد يلوم القابلة. فهي إنما تلتقط لحم الحياة الممزوج بالمخاط وتلقيه في حضنٍ ينتظر وترحل. أريد أن أكون قابلة تلتقط وترحل، يصرخ الطفل". ووفقا لأحمد عمران بصحيفة "المستقبل" العربي يحاول فادي سعد كتابة قصيدة نثر صافية، هي أقرب إلى قصيدة النثر الأميركية، لكنها في الوقت نفسه وثيقة الصلة بقصيدة النثر العربية، من خلال تجارب أمجد ناصر وبول شاوول وعباس بيضون وبسام حجار. وفي هذا الديوان، وهو الثاني بعد "مدينة سجينة"، يسعى الشاعر إلى تقديم معنى ما عبر أساليب غرائبية تعكس رؤية عبثية للكاتب. النزعة الفانتازية للكتاب تجعل من الأخلاقي أقل حضورا وتأكيداً. هذا لا يستبعد (في معظم الأحيان) وجود حقيقة غير نصيّة في نصوص الكتاب؛ حقيقة نهائية خارج جماليات النص وأساليبه. كما يتم تحدّي التدفّق السردي لقصائد الكتاب النثرية بانقطعات مجازية عمودية تصل حدّ الهذيان والعبثية (الممكنة) المقصودة في محاولة لبناء صرح شعري هجين لكن متماسك أسلوبياً ومعنوياً. يتخلّى الشاعر عن أي بوح ذاتي، مفسحاً المجال لكتابة شعرية يستخدمها سعد مرآةً - وإنْ غير متناظرة - لرؤية العالم، وليس لرؤية نفسه. خصوصاً إذا انتبهنا أن القصيدة الأولى في الكتاب تحمل اسم "المرآة"، وفيها يقول: "يتفرّج على حياته في المرآة. وُلد شيخاً من رحم أمّه العجوز. كان يصغر كلّ عام، ويزداد شَعره سواداً. لمّا بلغ منتصف العمر، ندم على ما لم يفعله. داهمه الشباب، ذاق فيه صخب الطيش واشتاق إلى أيّام الحكمة. بدأت معالم الطفولة تزحف نحوه، حتّى وجدوه نطفة تائهة في غياهب الرحم". يأخذنا الكتاب في رحلة مع أجساد مشوّهة وأشجار تتكلّم وجدران تحزن وآلات تبتسم وتماثيل تتنهّد. هو كتاب الشعراء الذين لا يمانعون الموت من أجل كتابة قصائد صادقة. وفيه نرى محاولة (مجتهدة) للبحث عن شكل ناضج لقصيدته النثرية عبر استخدام تقنيات لغوية وأسلوبية تحاول تحويل النثري إلى شعري، أو تحييده على الأقل. في قصيدة بعنوان "التمثال" نقرأ: "تقف امرأة قبالة تمثال، تتأمّل ابتسامته المنحوتة بأناقة. انظري إليه، تقول لمرآتها، التمثال سعيد دائماً.... يتنهّد التمثال، تزداد ابتسامته سعةً. كانت ابتسامة مشوبة بالحزن. لمئات السنين، أُسيء فهمه ولم يُسمح له بالشرح".