عبدالستار سليم تقاليد التراث الغنائي البدوي الذي يعود في جذوره إلي تقاليد عربية قديمة تأصلت في منطقة الشمال الأفريقي منذ هجرة بني هلال وبني سليم واستقرارهم في هذه المنطقة ( كما يقول الباحث الليبي مصطفي علي ) ويشمل هذا التراث ما يسمونه بغناوة « العلم « وهي أغنية فردية تعتمد علي غناء بيت واحد موزون ، يحمل في معناه ما تحمل قصيدة كاملة من الأغراض الشعرية المعروفة .. و تؤدي أغنية العلم بدون مصاحبة موسيقية أو إيقاعية .. وغناوي « العلم « ،هي المقابل لقصيدة البيت الواحد في شعر الفصحي لكنها قصيدة بالعامية الليبية ، وبلهجة القبائل البدوية القاطنة في ربوع برقة والجبل الاخضر .. إذ تعتبر « برقة « أرض غناوي العلم» والمجرودة والشتّاوة ( كما يقول الباحث الليبي جمعة بوكليب ) .. و في الجبل الأخضر يوجد فطاحلة الشعراء الشعبيين ، و أكثرهم تمرّ ساً بغناوي « العلم « .. ويكمل جمعة بوكليب : وكأنني أسمع راعي غنم في بر بعيد ، حيث لا ماء ولا شجر ، في حالة قاسية من الألم ، ولا أحد بجانبه ليؤنسه سوي أغنامه الهزيلة المتعبة ، والغناء النازف من جروح الروح ، ويورد الكاتب أحمد النويري في كتابه « الأدب الشعبي وفنونه» نصوصاً لأغاني « العلم « منها : ( الخاطر وحل في ناس نوَ ي ترْ كهم زادوا غلا ) أي أراد أن يهجر حبيبه لكن وجد مشاعره تزداد به تعلقاً ( ا للي غلاه بالترويم انساه يا دليلي واتركه ) ومعناه : أن من تسعي نحوه بالود والتذلل وهو ينفر منك خير لك أن تنساه وتتركه للأبد . ويقول د/ صلاح الراوي في بحثه عن الشعر البدوي في مصر : تجدر الإشارة إلي أن إطلاق اسم « الغناوة « علي هذا النمط لا يخرج به عن دائرة الشعر ويدخله في دائرة الغناء ، فهم ينظرون إلي أن « العلم « ضمن الشعر الأصيل ، إذ إن الأصل في الأغنية هو النص الأدبي ( الشعر ) وأن الغناء لا يعدو كونه حالة من حالات الأداء ، ومن ثم فرع من فروع تصنيف الشعر ، وليس نوعاً مستقلاً برأسه منفرداً بذاته . كما تجدر الإشارة إلي أن الموضوع الذي اختاره الناص ( أي القوّال ) يبرز في النص بروزاً لفظياً واضحاً ، وأن هذا الموضوع المحور يلحظه المتلقي واضحاً وضوح الراية أي الجبل ، و يُْتعرّف عليه من خلال مفردة لفظية محورية لا تزاحمها بقية مفردات النص ، وإنما تتساند لإبرازها أو تعمل علي تقديمها ، فالمفردة المحور لفظاً وموضوعاً ( دلالياً ) إنما هي علم علي الباب الذي ينتمي إليه النص ، فلا يجوز أن تكون هناك (غناوة موح ،أي بعد ) دون أن تكون مفردة ( موح ) شاخصة في النص شخوصاً محورياً وليس ثانوياً : يقول الشاعر الشعبي عن الطيف في شعر حيث يتمني أن يدوم ذلك الحلم الجميل : (حلمت يا عزيز منام تمنيته الليل وما كمل ) وقد يستغرب قدوم طيف الحبيب علي ما بينهما من مسافة كبيرة من الأرض : (عزيز في المنام يْجيّ وفي الأرض جوْ بة يا علم ) أما عن الرياف ( أي الشوق ) في شعر العلم فيقول عنه الشاعر : ( إمرايف عليك العقل حتي وإنت تالاه يا علم ) وإمرايف تعني مشتاق ،أما كلمة تالاه فتعني بجانبه.