»شعر العلم« - نمط شعري بدوي، لا يكاد نمط غيره يبلغه وفرةّ وانتشارا وسعةّ وتداولا في بيئته.. والشكل البنائي لهذا الشعر- كنص قولي - عبارة عن سطر شعري واحد، يعالج أغراضا شعرية تشيع عندهم، مثل: لأولاف (لاوْلاف أي الأحباب) ، والجرح، والغلا (اي الحب والعشق)، واليأس، والبكاء، والصبر، والموح (أي البعد).. إلي آخر المشاعر البدوية.. علي أن الغالبية العظمي من النصوص تعالج عاطفة الحب وما يتصل به من بعد وشوق وحرمان: أحد العشاق يقول إن حبيبته قد أخذت بلبه سواء في قربها أو بعدها. (واخدين ما في العقل.. سواء بعاد ولا يقربوا). وآخر يتوجع من حبيب تركه كالمريض، الذي من شدة مرضه لا يستطيع الكلام: (مريض غالبه الكلام.. خلّوا العقل لوْلاف يا علم). وهذه النصوص يشترك في حفظها الرجال والنساء والأطفال - وهناك الإبداع النسائي الذي تتميز نصوصه بقدر من الرخاوة واللين في المفردات - ونص «العلم» لا يؤدي إلا غناء - فاشتهر باسم «غناوة العلم» وهم يطلقون صفة أو اسم الغناء علي اي نمط شعري آخر إلا هذا النمط، بل يقطع الرواة بأن «العلم» هو وحده الغناء، ولا غناء غيره - إذا استثنينا أشكال الغناء في وسائل الإعلام الحديثة - ولذلك يقولون : (إنه يغني بالعلم) والمؤدي لغناوة العلم - العاشق المبدع لهذا النمط الشعري وقائله - لابد أن يغني بصوت مرتفع، وهذا الأداء يصحبه - عادة - أنين وتوجع، والطريف أن هذا الأداء يستغرق وقتاً طويلا - كما يقول أحد الرواة - وأن أداء نص وإحد، قد يستغرق مسيرة خمسة كيلو مترات سيراً علي الأقدام - فصاروا يقيسون المسافات ب«غناوة العلم».. تقول إحدي أغاني العلم: (ما يبكي علي صوب العزيز.. إلا الياس والموح والجفا) ومعناها: أن الذي يجعل العين تدمع علي بعد الحبيب، هو اليأس من عودته، والبعد عنه، ثم جفوته حين يجفو، ومن أغاني العلم أيضاً. (عزاي يا العين أمعاك.. عليهم ابكي اوْنا انْساعدك). و«العلم» - في اللغة - هو الجبل، أو الشيء المرتفع البين، ويضيف بعضهم إلي معانيه «الراية» ، فالراية - أيضاً ، دائماً مرتفعة. ويحكي «عبدالسلام قادربوه» قصة شاب فارس شجاع اسمه »علّم« تصادف أثناء تجواله في البرية علي حصانه، دأن شاهد فتاة جميلة تطل من شرفة قصر منيف، ولما تقدم إليه، كان مكتوباً علي بابه الموصد: (مفتاحه مع لُوْ لاف.. العين قفلها صاك يا »علم«. ومعني الأغنية: إن باب قلبي موصد، ولا يملك مفتاحه، أو يفتحه إلا من أحبه قلبي حباً صادقاً يا «علم». ويتفق الرواة علي أن لفظة «العلم» مقصدها: الرجل البطل الشهم العظيم والمشهور والمعروف والمرتفع كالجبل - وقديماً قالت الخنساء في مدح أخيها «صخر»: كأنه علم في رأسه نارُ، وأيضاً «العلم» المرأة العالية القدر البعيدة المنال، وكذا الشريفة الجميلة صاحبة العقل والأدب. ونقول «غناوة علم» واصفة ذكري حالة الحب حين تمكن من العاشق. (إن طال الخلا ينهال.. مدعي غلاك مازال ساحبه). وطال يطول أي: أدرك: والخلا: يقصد به الفلاة اي الصحراء، ينهال: أي ينطلق، ومدعي: أي ذكري أو سيرة، وساحبه: من السحب أو الجر.. والمعني الكلي يقول: مهما يكن من امر رحيل من تحب غص، وانطلاقه بعيداً عنك، فإن ذكري حبك تظل تشده ، كما يشد الراعي غنمه.